ما قاله المنظر العراقي عبد الرزاق عودة الغالبي في مقدمة مجموعتي القصصية الأولى ( لملمات)

 






المعاناة الإنسانية

 في نصوص الأديبة الدكتورة

 عبير خالد يحيي

عرفتها أديبة رائعة من سمة غريبة تكمن بين سطورها, وتحتلّ ثنايا نصوصها المثقلة بالألم والمعاناة, أراها تكتب من خلال ثقب في باب موصد عليها بأقفال من إرهاصات لاحصر لها, تعرّفت عليها لأوّل مرّة من خلال نصٍّ عثرتُ عليه على إحدى صفحات الفيسبوك, جلب كلّ انتباهي بشكل غريب, فهو مكتوب بحرفنة أدبية راقية, وبكرم حاتميّ من إحساس مرهف, وكأنّ صاحبه عاش تفاصيله حقيقة دامغة لا لبس فيها... أخذتُ ذاك النص وقمتُ بكتابة قراءة نقدية بسيطة له, ونشرتها بالمواقع العالمية, وأرسلتُ لها نسخًا من تلك القراءة النقدية على صفحتها الخاصّة, يظهر أن ذلك الفعل - دون قصد مني إلّا للفائدة والاحترام الأدبي- قد هزّ غصون شجرة إبداعها الوارفة والمثقلة بالأدب الرفيع والموهبة الراقية, فانطلقت بكمٍّ هائل من الروائع النصّية الراقية شعرًا ونثرًا.

تابعتها بشغف غير محدود, فكتاباتها تثير فيّ الحسّ الوطني والحماس الأدبي بشكل غريب ولذيذ, وأنا لا أعرفها إلى الآن شخصيًّا, ولم أرها أو أقابلها حتى الساعة... أرسلت كتابها الالكتروني الموسوم ب  (لملمات) على بريدي الالكتروني الخاص تطلب مني كتابة مقدمة له... بدأت الغوص في نصوص كُتبت بمعاناة وبقلم يقطر إحساسًا ودمًا وضحكات, فهمتُ من نصوصها أنها تعيش إرهاصات وآلام لا حدود لها, تكتبها بتحفّظ من خلال ثقب صغير, يكمن في باب موصد يستحي أن يخرج للنور... وبدا لا يحتمل تلك الآلام والعزلة, وظلّ يتسع ويتسع قسرًا وعنادًا فيها وكأنّه يقول لها: " كفى خوفًا, إنكِ لا تؤذين أحدًا...لِمَ تخافين...؟"

أظنُّ أنها سمعتْ ذاك الصوت الخفي, حتى انطلقت في سماء الأدب الملونة حين صار ذاك الثقب بوابة كبيرة لها بحبّ الناس والوطن... يعيش الوطن فيها كبيرًا, عالمًا ضخمًا لا حدود له,  حين تكتب في وطنها ينهمر غيث دموعها فوق أوراقها دمًا ودمعًا وبين ضحكاتها المتقطعة من ذكريات مرّت, تبكي فيها مرّة وتضحك أخرى حتى ظنّ من يلامسها عن قرب أنّها مجنونة بحبّ الوطن وآلامه المستديمة والمظلومين من الناس, خصوصًا الأطفال, فهي تكره الظلم كثيرًا, وتصرخ بصمت حين تسمع خبرًا عن خنجر اخترق قلب طفل, أو غرق نال حياة آخر, أو شظية حوّلت أحدهم إلى أشلاء, أو جوع مزّق جوف رضيع فبكى, وبكت قبله... دموعها تحتل رأس قلمها, تبكي ويبكي قلمها معها... حين تقرأ لها تظنّ أنك تسمع نشيجها ونشيج من تكتب عنهم بوضوح بين حروف كلماتها والسطور.....!!

تسكن نصوصها طفولة, وتحيا طفلة في الثانية عشرة من العمر كلّ كيانها المهموم, وأحيانًا أخرى تجد في داخلها امرأة تحمل حكمة الأنوثة والأمومة والحب, وآلام ثرّة من إرهاصات إنسانية لا تتحمّل ثقلها فتبكي لتخفذف ذلك الألم, تظنُّ أنّ البكاء سينفض عن ظهرها المتهالك هذا الحمل الثقيل... حين تقرأ لها تجد أنّها تكتب بفرشاة وألوان وليس بكلمات... عرفتُ أخيرًا أنهّا طاقة أدبية شمولية لا حصر لها... أعرف كلّ شيء عنها وأنا لا أراها أو أقابلها... يا لِعظمة الأدب وجماله...! فهو يصنع الجمال ويهذّب العلاقات الإنسانية ...!

الأديب والمنظّر العراقي

عبد الرزاق عوده الغالبي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

إشهار كتاب النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب السوري منذر يحيى عيسى

أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي