مقدمة الشاعر والناقد المصري محمود حسن لكتاب ( السياب يموت غدًا) دراسات ذرائعية لقصائد الشاعر العراقي عبد الجبار الفياض بقلم الناقدة الدكتورة عبير خالد يحيي
لعل أفلاطون , لو
تمهل قليلا , وعرَّج على " السياب يموت غدا " , ربما لم يكن ليطرد الشعراء من جمهوريته , وربما
كان عرف أن الشعراء الفلاسة , هم تماما عكس ما أورده كرستيان دوميه فى كتابه (
جنوح الفلاسفة الشعرى ) حينما أوضح سبب عداء أفلاطون للشعراء , وطردهم من جمهوريته
فقال :
" لأنهم ( أي
الشعراء ) ينحرفون بالفكر عن درب الحقيقة ، من خلال إخضاعه لإغراء الصور المضللة ,
ووسم الشعر بالعاطفة ، وذهب إلى اعتبار الفلسفة تقوم على«حب الحكمة»، فجعل الشعر
بذلك نقيضا للفلسفة وعدوها اللدود بعد أن شن حملة هوجاء على الشعر " ثم يقول : " وهذا
يعتبر أول تناقض ينشأ بين الشعر والفلسفة " " وبذلت محاولات كثيرة لإعادة العلاقة بين الفلسفة والشعر من جديد " (
1 ) ولو عدنا مرة أخرى إلى جمهورية أفلاطون وبعض
تعريفاته للشعر ومنها :
" الشعر هنا هو
أداة لتخدير الناس وتشويش وعيهم
" ثم تعمقنا فى
" السياب يموت غدا " للشاعر العراقى المبحر فى الفلسفة , عبد الجبار
الفياض , لعرفنا أن عبد الجبار الفياض لا يخدِّر الناس , ولا يشوِّش وَعْيَهم , بل إن النص عند عبد
الجبار الفياض , نص محرِّض , وكاشف , ومنبه , ربما يضع الحجر الكبير فى طريق
المتلقى , حتى يتدرب المتلقى على رفع هذا الحجر من طريق نفسه ..... لينطلق . وربما
يضع عبد الجبار الفياض , نفسه سجين أيدولوجية معينة , ربما كان سابقا لا يعتنقها ,
رغم الاختناق الذى يشعر به , بل ويشعرنا نحن أيضاً , أننا نختنق معه يقول : آلامُ بروموثيوس أيوبِ النّبيّ فارتر مثلثٌ صارَ
معي مُربّعاً مُغلقَ الجّهات حدَّ الاختناق تابوتاً أودعتْهُ أنا وآخرَ القصائد . . . لستُ محسنَ السعدون همنغواي رصاصتي لم أزلْ
أحشو بها ثُقباً في رئتي .
. . أيُّ هذا الألم
الذى يجعل الشاعر الفيلسوف يحشو ثقب رئته بالرصاصة ؟ هذا لا شك هو نفسه الألم ,
الذى يحيل عبد الجبار الفياض , إلى مُتَنبِّيءٍ ومُتَنَبَّيءٍ له , . . . . . أنبأني راءٍ أنَّ إخوةً يأكلونَ على بساطي ما
حرّمهُ اسرائيلُ على نفسه .
. . يزورونَ بيتي كُوّتي
الصغيرة ألبسوها مِعطفَ ماكبث أفرغوا عُلبَ المكياجِ على عذراواتِ الطّين ينبشون
الذّكرياتِ بسكينٍ صدئِة ! نعم تصدق رؤية الرائى , وسيأتى من يتمرد على
الواقع , ويتجاوز التابوهات , ليؤمن بما قال الشاعر , وبما تنبأ به لهم وله ,
ويستخدمون بساطه , ويأكون ما حرم إسرائيل على نفسه , بل وسيكون بيته وجهتم فى لحظة
تتكشف فيها الحقيقة ... حتى لو اضطروا إلى أن يلبسوا كوَّته الصغيرة معطف ماكبث (
السلطة والخيانة ) أو ربما كان هو ذاته وليام شكسبيرالذى يستوحى فكره وأبطاله , من
القصر الملكى , بعد أن يلبسها , ملابس أخرى , ويعطيها رموزا غيرية .. فى ثوب لا
مباشر , كي يضمن لها العرض على مسرح الحياة . ويفرغ
إخوته علب المكياج على عذراوت الطين .. وينبشون , حتى لو كانت أدَاتُهم سكينا صدئة . وبعد فإن بدر شاكر السياب فى عقيدة عبد الجبار
الفياض لم يمت فى الرابع والعشرين من شهر أكتوبر سنة أربع وستين وتسعمائة وألف ..
بل إن السياب سيموت غدا , وربما كان هذا الغد ممتدا وموغلا فى التاريخ الإنساني
القادم .
....... ( 1 ) جنوح
الفلاسفة الشعرى للمؤلف كريستيان دوميه .. ترمجة ريتا خاطر صادر عن المنظمة
العربية للترجمة .. الطبعة الأولى . محمود حسن رئيس مجلس الأمناء عضو اتحاد كتاب
مصر القاهرة 15 سبتمير 2017 م
تعليقات
إرسال تعليق