تقديم بقلم الناقد الذرائعي المغربي عبد الرحمن الصوفي لكتاب / تحليل نقدي في أدب الفانتازيا والخيال العلمي _ دراسات ذرائعية / للناقدة د. عبير خالد يحيي
إنّ التقديم لمؤلَّف نقدي تطبيقي يتطلّب
منّا تفحّص محطات مداخل التحليل، من أجل أن يتمكّن المتلقّي من الإطلالة والتعرّف
على ما سيتناوله الناقد, ويضعه بين أيدي القرّاء بكل موضوعية وعلمية ...
الدكتورة عبير خالد يحيي هي سيدة النقد الذرائعي الأولى في العالم العربي، حيث
قدّمت دراسات ذرائعية تطبيقية لمختلف الأجناس الأدبية بآلية ذرائعية تعتمد فيها
على الرؤية الذرائعية
التطبيقية المستندة على مداخل ونظريات علمية نفسية وفلسفية في تحليل النصوص
الأدبية ... النظرية الذرائعية لمنظّرها عبدالرزاق عودة الغالبي هي
رؤية نقدية علمية عربية تطبيقية مستندة على " أطر ومداخل علمية لكل شيء يذكر من خلالها، ولا تتيح
خرمًا للإنشاء الفارغ والكفيف، وغير المستند على قواعد نقدية رصينة، فهي مثقلة
بنظريات نفسية وفلسفية تساعد المتلقي والناقد بالدخول إلى أي نص بشكل ذرائعي علمي،
و باعتمادية إدراكية واعية بالتحليل العميق لعناصر العمل الأدبي المتقن، بشكل دقيق
ومدروس مستل من منهج عربي الأصل أُشير إليه بالتداول، يساعد الناقد على الغوص في
مكوّنات النص باحترام وحرفية عميقة " ...
قدّمت
الدكتورة عبير خالد يحيي في مؤلَّفها
تعريفًا للفانتازيا والغرائبية والعجائبية بشكل عام، لتنتقل بعدها لمنظورها
الذرائعي لهذه الأنواع السردية, والتي سيتعرّف عليها القارئ بكل يسرٍ في كل مداخل التحليل الذرائعي .
المؤلف النقدي يتّخذ
رواية "زلاتيا", ورواية "أسرار شهريار", والمجموعة
القصصية "حياة مؤجلة" للكاتب والأديب المصري "شريف عابدين",
ورواية " البحث عن كانديد" للروائي المصري الأمريكي "د. شريف مليكة"
نموذجًا للتطبيق الذرائعي في أدب الفانتازيا، ورواية "الفابريكا" للكاتب
المصري "أحمد الملواني" نموذجًا عن أدب الخيال العلمي, حيث استطاعت أن
تخلق التوازن الذي يجعل من الحكي التجريبي سؤالًا أساسيًّا في الثقافة العربية من
منظور ذرائعي، مما يجعل مداخلها الذرائعية النقدية في سردية التعجيب الغرائبي والفانتازيا مفتوحة على نسق نوعي من العلامات والأبعاد، ومرصدًا
دائمًا للمفارقات بين الطبيعي, العقلي، وفوق الطبيعي, اللاعقلي، بين المتناقضات والكوابيس
والاستيهامات المتصدّعة، محاوِلةً استشرافَ أفقٍ نقديٍّ ذرائعيٍّ مفتوح يرى أنّ الغرائبي والعجائبي والفانتازيا والخيال
العلمي تمثّل رهانًا تشكيليًّا لخطاب مغاير ، ونوعًا من الكتابة التي تمزج الطبيعي
بما هو فوق الطبيعي من الشخصيات والأحداث بطريقة مقلقة، تجعل المتلقّي يتردّد بين
تفسيرَين للأحداث. ويشكّل هذا التردّدُ العنصر الأساسي لهذه الأنواع السردية، لكن
الدكتورة عبير خاد يحيي بمهارتها النقدية الذرائعية أبعدت المتلقي عن هذا القلق
...
في رواية "
زلاتيا " ترى الدكتورة عبير خلد يحيي
أن الكاتب "نجح نجاحًا مذهلًا
في إقناعنا بواقعية البطلة ... فهي إنسانة عادية وليست ( سوبر ) حكمها ليس صائبًا
بشكل دائم، لم تكن (زاهية) بالصورة التي قدّمتها هي لنا، بل كانت النقيض، لم تكن
مظلومة ولا عفيفة، ولم تكن الظروف هي التي دفعتها لتصبح ( عالمة )، بل كان هناك
استعداد أو ما يشبه الاستعداد الطبائعي". والأهم أن الدكتورة قدّمت مفتاحية
نقدية ذرائعية في غاية الأهمية وهي " التداخل بين الأزمان، وكذلك بين
الشخصيات، مع المقارنة بينهما، كما تتبّعت المعلومات والأحداث والمصادر التاريخية
المذكورة بالرواية .
أما في رواية "أسرار شهريار " فإنّ الدكتورة
غاصت في عناصر التشويق الذي ساد أجواء الرواية من العنوان إلى النهاية. وقرّبت القارئ من
الواقع الحياتي في هذا العمل من خلال العديد من الأنواع الأدبية، منها الفانتازية،
والميثولوجية، والأنثروبولوجية، والواقعية السحرية، والسيكولوجية، والباراسيكولوجية، والخيال
العلمي ... وبيّنت الناقدة الذرائعية كذلك كيف استخدم
الكاتب استراتيجية جديدة أسمتها " سرد السرد " حيث أوصلتها في
غوصها النقدي الذرائعي إلى تناص مختلف(
رواية - قصة ) بالإضافة إلى التناص
المتماثل ( رواية - رواية )، وضّحت
كذلك كيف لعب الكاتب بحذاقة على وتر الشخصيات والزمان والمكان، عندما
جعل هذه الشخصيات تلعب دورها بشكل حر على مسرح المكانية... واستخرجت بمهارة المادة العلمية التي غزت الرواية سواء أكانت طبية أو
تكنولوجية أو ثقافية أو أدبية، أو سياسية أو تاريخية...
أما في المجموعة القصصية "حياة مؤجّلة " فقد
كان منظورها الذرائعي بارزًا في السرد الفانتاستيكي والشخصيات الغرائبية، حيث أن بناءها لم
يكن بأبطال من ورق، بل كانوا خلقًا من خلق الله .
استندت الدكتورة عبير خالد يحيي في مؤلَّفها على النظرية
الذرائعية لمنظرها عبدالرزاق عودة الغالبي في كل مداخل التحليل والربط، من أجل
تبيان دلالة التوظيف العجائبي والفانتازيا في النص الروائي والقصة القصيرة أو
المكثفة كما تسميها، من خلال تحليل ملامحهما وربطهما بمقاصد الذرائعية في الكاتبة
الإبداعية .
منظور نقدي في غاية الأهمية يرى أن الفانتازيا العجائبية
تُوظَّفان للتعبير عن كسر حدود المألوف، مع تشابك علاقتهما بالوظيفة الاجتماعية و الأدبية في حدّ ذاتها.
ولم يتوقّف التحليل الذرائعي عند مستويات العجائبية
والفانتازيا ومقدار الغرابة فيها، وسردها لأحداث غير معقولة, بل تتبّعت الناقدة
خطوات علمية لتفسير عقلاني ....
ونختم
تقديمنا بالقول أن المعرفة الإنسانية هي
بالضرورة معرفة رمزية، وأن لا أحد يستطيع أن ينكر أنّ الفكر الرمزي والسلوك الرمزي
من أهم ملامح الحياة الإنسانية، وأن كل تطور حضاري إنّما يعتمد على ما يعتري هذا
الفكر الرمزي والسلوك الرمزي من تغيير. كما أن حب
المعرفة والشوق إليها والرغبة في كشف طبيعتها ونفوذها وأسرارها لملامسة ومعرفة
ذريعة الحقيقة التي ستظل خالدة في أعماق صدر الإنسان، بدا هذا واضحًا في المنظور الذرائعي للدكتورة عبير خالد
يحيي في مؤلَّفها الذي سيكون إضافة نوعية ذرائعية للمكتبة العربية .
بقلم الناقد الذرائعي : عبدالرحمن الصوفي / المغرب
تعليقات
إرسال تعليق