مقدمة الأديب والروائي المصري دكتور شريف عابدين لديواني ( قصيدة لم تكتمل)

 



 

لا شك أن قصيدة النثر تمنح الكاتب قدرًا كبيرًا من الحرية لولوج فضاءات شاسعة من آفاق التعبير الفني. خاصة عندما تطبق الأجواء على المبدع وتكبل أدواته وآلياته؛ وقد ضمت هذه المجموعة العديد من النصوص التي تناولت الأوضاع الراهنة التي عايشتها الكاتبة قبل مغادرة أرض الوطن. برزت صور المعاناة عن جحيم الواقع وعن الضجر من القيد وانتهاك الآدمية وغيرها من الفظائع بلغة تقطر مرارة وتئن ألمًا اقتربت كثيرًا من التورية والإضمار والإيحاء. بالإضافة إلى الرمزية في بعض القصائد. جاءت الاستعارات أيضًا متوافقة مع الحالة النفسية المتردية إثر تلك الظروف العصيبة.

يلاحظ أيضا أن الكاتبة بعيدًا عن مسرح الأحداث استطاعت صياغة صورة الواقع بأشكال متعددة، واستطاعت أن تعبر بشكل واضح وجريء، أكثر من شعراء الداخل. وهذه سمة لافتة في قصائد الشاعرة السورية الدكتورة عبير خالد يحيى.

برز المشهد السوري في عدة نصوص:

الكفنُ سِلعةٌ غالية, يحوزُها أهلُ التَّرفْ

والقبرُ أبدًا ما استوى فيهِ الغنيُّ والشهيدْ

و تراتيلُ الجنازة.. لنْ تُبْهِجَ مَنْ في الأرضِ رَقَدْ

سَنُحشَرُ حفاةً عراة

وفي سياق المعاناة أيضًا وعلى الجانب الإنساني، تناولت علاقة الرجل بالمرأة بكل السلبيات المعتادة. عبّرت كثيرًا عن مشاعر الافتقاد, وبرعت في وصف حالات التوق والحاجة إلى الاكتمال. تتراوح بين معاناة غياب وشغف إلى لقاء. تقول الكاتبة: " يقيني أنَّكَ عمري تُقابلني بلا مَوعدْ تُضمّدُ نزفَ أيّامي تُرَتِّبُ ثوبَ أفراحي"، "واحتوي كلَّ جنوني وانفعالي .. وأنيني"..

تتناول أيضًا التسلط الذكوري "جرّدْني مِنْ كلِّ حرّياتي" وتفننه في مراسم الإغواء وحالة القفار الشعوري التي قد يصدرها لها على الجانب الآخر.

ومن خلال التعبير عن تباريح الفقد تشجينا الكاتبة بقصيدة رائعة عن الأم. مثلما ينغصها افتقاد الخل الوفي في زماننا.

الحقيقة أن الكاتبة تتنقل بنا عبر حالات شعورية مختلفة لا تقتصر على الألم -السمة الغالبة في هذه المجموعة- ففي واحدة من أروع قصائدها تفيض أمومتها لتمتعنا بقصيدة عن ابنتها  "سر سعادتي"

اللافت أيضًا أن شاعرتنا تنشد في قصيدة النثر التخلص من قيود الوزن والبحور، سعيًا وراء تطوير تجربتها؛ فقد تمرّدت على الإيقاع وأنماطه المتوارثة, وعلى المعاني وخريطتها الثَّابتة المتحجرة في القصيدة القديمة، ففي هذه المجموعة نكتشف أنها تجيد الصياغة التقيدية, فهناك نماذج للشعر العمودي مثل:

هل تُراني .. أنّه فعلًا كَسَاني

طيفُ جُنٍّ في كياني

سَلَبَ الوجدانَ منّي

في زمانٍ كالثواني

هل أنا في عُرفِ قومي

فاقدٌ كلَّ المعاني ؟

 

كذلك شعر التفعيلة مثل:

 

صرخت أعماقُ روحي

هل أغادِرْ...؟

أنتَ من تخلي سبيلي

تستطيعُ التركَ والنسيانَ هلْ تقوى على مرأى رحيلي ... ؟!

المجموعة الشعرية "قصيدة لم تكتمل" للمبدعة الدكتورة عبير خالد يحيى تعد تجربة ثريّة تتّسم بالصّدق والجمالية, تمزج بين الهمّ الوطني والوجع الإنساني في نصوص تنسجم فيها الدلالة اللغوية مع الصورة والوجدان. 

 

الروائي والناقد المصري الدكتور

شريف عابدين

 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

إشهار كتاب النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب السوري منذر يحيى عيسى

أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي