مقدّمة الناقد والشاعر اللبناني علي ياسين لديوان ( عطايا) للشاعرة السورية د. عبير خالد يحيي
قد يكون من الصعب على المرء أن يقدّم لكتاب أو أن يكتب عمّن يعرفهم, إذ أنّ المشاعر قد تسبق الكلمات, وتفرض عليك تجميلًا وتزيينًا ومبالغة في ما تقوله عن قريب أو صديق...
لكن .. مع الدكتورة عبير يحيي أحبّر ما أشعر به مرتاحًا مطمئنًّا إلى أنّها تؤمن باحترام لغتها, وبأنّها تقبل النقد البنّاء والرأي السديد اللذين تفرضهما قواعد الكتابة وأسس النقد لأنّها ضرورة لتقويم كتاباتنا.
ما أودّ قوله أننا أمام ديوان جميل, يحملك في أكثر المحطات على أن تعيش واقعًا ملموسًا يشعرك بحجم ما تعيشه, وأحيانًا بأمل كم تتوق إليه وتحلم به... أمام كتاب يرسم شخصية صاحبته بكل وضوح وإتقان, فعنوان الديوان موحٍ وجذّاب, يوحي بما تختزنه أفكارها وقريحتها من معانٍ وخواطر, وقد نسجت من محيطها وبيئتها وعالمها ما يتأثّر به ويعانيه كلّ حرّ أبيّ.
وقد اصطبغت نصوصها بمصداقية وحرية وعاطفة قوية, وحسّ مرهف في أداء متسلسل مزدحم بالحقائق والصور الحقيقية الملفتة والأخيلة العادية والمتسعة, وقد استخدمت عقلها بثقة عالية لتنقل ما تكتبه بطريقة السهل الممتنع إلى القارئ.
دكتورة عبير يحيي عرفتها عبر المواقع الالكترونية عندما غزت كلماتها الصفحات من أوسع أبوابها دون إذن أو دستور, فارضة روعة ما تخطّه على كل من يقرأ لها, حيث سبكت الجمل من تبر قريحتها بأجمل حلّة, وصاغت من عقيقها ولؤلئها فسيفساء تسرّ ناظريها, وسكبت دررها بقالب من الإبداع استعملت فيه أبهى الحلل, فكانت كلّما مرّت بقصيدة أو نصّ جديد تركت أثرًا مميّزًا يدلّ على أن من خطّ ّهنا الكلام صاحب قلم سانٍ وحرف باهر, فعندها تعرف أنك تسير وراء حرف نقشه فنان بأجمل ريشة وأروع ألوان....
استعملت مفردات كم نحتاج إليها, وكأنّها تصنع عقدًا من نجوم تستحق أن تتقلّده بفخر, وتنسج معاني الإبهار في دقّة متناهية, كأنها ترصّع خدّ السماء بقلمها الساني, وحين تقول في قصيدة ( أبي) ما قالته تجد نفسك أمام هالة من رجل يفيض بالحب والحنان, يعرف كيف يسوّر طفلته بما تروم, ولتجد أنك أمام طفلة كبيرة تستعيد ذكريات ملك – كما أسمته- حفر على جدار عمرها زمنًا لا يغيب, أو عندما تناجي أمها قائلة:
كلّ مخاوفي تنامت
مذ ودّعَتني
نقطة الانعطاف تلك
حطّمتني
بعثرتني
عبثت بكياني وكينونتي
ومزّقت دميتي
الوحيدة
وعندما تقرأ ( يا صاحبي) تشعر بسيّدة الطرب تردّد الكلمات بصوت رائع, كأنك تجول في الفضاء تتهامس, والعصافير تسرّ لك بأن نجمة هناك اسمها عبير يحيي هي من كتبت تلك الأغنية ... وقد أتت تعلّمنا معنى الألق... وحين تمرّ بقصيدة ( يقيني) والتي أتت موزونة ولعلها بدون قصد, إلّا أن قريحتها الشعرية أفرغتها في ذلك القالب, في وعاء الرقّة والإبداع, فأتت خليلية الوزن, وفي ( غربة ), أو (الوطن) حيث تعرف معنى الولاء وحبّ الوطن, عندما تزدحم القبلات لتلثم تراب أرض هذا الوطن, حيث صورته عائلة من أب وأم وأخ وولد والحزن باد على وجوههم والتعب, كيف لا وهي القائلة :
في وطني..
يُقتل العدلُ ظلمًا
وتنتحرُ الحياةُ قهرًا
وتُصلبُ الأحلامُ جهرًا
وتنشدُ العصافيرُ
تراتيلَ الجنازة
كلام جميل ووصف رائع.... وعندما تحكي الغزل تجول في جنينة ساحرة باهرة, حيث الفراشات تحطّ على كلّ جملة, لتداعبها بخفّة خيالها ورقّة مرورها, وحيث النحل يرشف من حلا عبيرها ليصنع ذوبًا خالصًا مصفّى... نعم هي العبير يُحيي بها العبير ويبعث فيها نشرًا ليبثّ عطرًا جديدًا ملفتًا... نعم قرأت لها, بل واستمتعت بما قرأت, وبما مازَج نفَسيَ الشعري, حيث الكلمات جواز سفر إلى قلوب كل من يحبّ الإبداع ويعشق فنذ الكتابة... هي الدكتورة عبير يحيي, سرّني أني عرفتها وقدّمت لديوانها, هي الدكتورة عبير يحيي همّة عالية ونشاط كبير.
إليكِ عبير أهدي كلمات خطّها الجنان من دواة الصدق فإذا به يرسم لك تحية بحجم روعتك وحسن بديعك, لكِ اليراع ينحني احترامًا, والحرف يقف متأهّبًا إجلالًا لِما بان في هذا الديوان, وما يجسّده قلمكِ, ويستنبطه من أفكارك البارقة... متمنّيًا لكِ التفوّق الدائم والعبور إلى عالم الريادة بكلّ ثقة وثبات... وأخيرًا الدكتورة عبير يحيي لكِ تحيّتي ومودّتي ووافر احترامي.
الشاعر والناقد اللبناني
علي ياسين غانم
كفر شوبا – لبنان
تعليقات
إرسال تعليق