المعاصرة في الأدب العربي وجدليّتها بين الكاتب والقارئ_ مجلة أقلام عربية عدد 30- إبريل -2019


 

 المعاصرة أوالحداثة في الأدب العربي هي ثورة تجديد وانقلاب على المألوف الأدبي, أي أنها لا تؤمن بقولبة الأدب, وخصوصًا الأدب السردي, فدعت إلى الخروج عن البناء الفني التقليدي أو الكلاسيكي في السرد, باستخدام تقنيات جديدة, معظمها داخلية ونفسية, حيث أن الرواية المعاصرة هي رواية نفسية بالمعظم, تستخدم تقنيات الحوار الداخلي monologue وجريان تيارالوعي النفسي Stream of consciousness, والخطف خلفًا flashback, وهي تبحث  في طياته عن الانبهار والتشويق, كما دعت إلى الخروج عن القافية في الشعر, فجاءت قصيدة النثر, لذلك حاول الأدباء الحداثيون مزج الأدب بالفن, لأن الفن فيه تحرّر وإرهاصات متقلبة, كالتجريد abstract وغيره, لذلك بحثوا عن مبدأ أسلوبي يشترك فيه الرسم والموسيقى والأدب ببوتقة واحدة, فكان أسلوب الرسم بالجُمل أو العزف بالكلمات, وهذا مبدأ جمالي يجمع ثلاثي أجمل مغريات بالتشويق, وجعل المعاصرة تصب في مجرى الأدب بإطلاق سيل من المدارس الأدبية والفنية والموسيقية التي زيّنت الأساليب الأدبية السردية وجعلتها تخرج عن التقرير نحو( الأدبية والشاعرية) بالانزياح نحو الخيال ودرجات الرمز التكثيفي التعبيري بالجمع بين عدة مدارس بأسلوب واحد, فظهرت بوادر لأساليب أدبية كأسلوب الخطف, وأسلوب المزج- المزج بين المدارس الأدبية التي دخلت في المعاصرة كمدرسة البرناسة  (الفن للفن) والأدب للأدب والمدرسة التجريدية والمدرسة الانطباعية والمدرسة النفسية والفلسفية ومدارس أخرى سياسية واقتصادية- وأساليب أخرى تسمى بمدارسها كالرومانسي والفلسفي والنفسي .... وهذا ما ساعد الكاتب العربي على امتلاك أدوات أسلوبية جديدة ومبتكرة عليه فقط أن يتقن استخدامها, ونستطيع أن نرصد هذا التطور بشكل واضح عندما نقارن بين عمل كلاسيكي لكاتب وعمل معاصر لنفس الكاتب, ولقد كان لي دراسة مقارنة بين الرواية كلاسيكية (المصابيح الزرق) وكانت أول رواية  لحنا مينة وآخر رواية له وكانت معاصرة ( عاهرة ونصف مجنون). 

إن المعاصرة والحداثة عندما جاءتنا من الغرب لم تكن سليمة النية, لأنها كانت ثورة على الموروث بالمجمل, حتى وإن كان هذا الموروث حميدًا, وثورة على الأخلاق والمعتقد الديني, والعرف الاجتماعي المحافظ, ودعوة للتفلّت والتفكك الأسري... ولكن اللغة العربية وآدابها المسنودة بالقرآن الكريم سيد النصوص ومحتوياته للمضامين الثقافية والفكرية في جميع مجالات الحياة, بالإضافة إلى العربة الشعرية العربية الراقية والتي نُعتت ظلمًا ب ( الجاهلية) وهي أم الثقافة والفكر الإنساني المتوارث, كل ذلك جعل للحداثة مفعول عكسي في الثقافة العربية, فلم تؤثر الحداثة سلبًا في جميع أنحاء الوطن العربي إلا عند القلة.

 

 

ومن منظور معاكس, فإن ما بثّته المعاصرة من المدارس الأدبية والنظريات النقدية, والمذاهب الفلسفية أتى بفوائد كبيرة لا تحصى, طوّرت الأدب العربي وجعلته يتفوق كثيرًا على الأدب الغربي, بسبب طبيعة اللغة العربية وجمالياتها, ووعي الأدباء والشعراء العرب وفلترة المدّ الغربي من أهدافه الخبيثة. هذا الرأي اعتمدته الذرائعية, وتكلّم عنه مؤلفها المنظر العراقي عبد الرزاق عوده الغالبي في المجلد الثاني من الموسوعة والمعنون ب(الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية).

بالنسبة للقارئ العربي فهو مازال  متأرجحًا بين  الكلاسيك والمعاصر, إذا أخذنا بنظر الاعتبار فرق الأجيال بين كبار السن والشباب, لكن الكفة ترجح باتجاه المعاصرة, كون حتى كبار السن قد عاصروا الحداثة مع مرور قرابة القرن على تصديرها, لكن الشباب هم أكثر حماسة لها, كونها ترصد واقعه القلق, فهي حديث النفس الذي كسر جدار الصمت وخرج يبحث عن إجابات, أكثر من كونها أحداث تُسردها رواية أو قصة.

 

#دعبيرخالديحيي 

20 نيسان 2019

الوصف: C:\Users\Abeer.yehia\Pictures\المعاصرة __ أقلام.jpg

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

إشهار كتاب النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب السوري منذر يحيى عيسى

أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي