الأدب والمرأة – مجلة أقلام عربية العدد46 - أغسطس 2020 بقلم د. عبير خالد يحيي
نحن الآن, وقد دعسنا على عتبة الألفية الثالثة
الميلادية, وما تزال المملكة الإنسانية بالعموم تتعامل مع المرأة كسلعة وليس كأنثى
حتى, ولا أستثني في ذلك أيًّا من العالمين الشرقي والغربي, فقط الاختلاف بينهما في
تقدير قيمة السلعة ونوعيّتها, ومدى ملاءمتها لمتطلّبات العصر والمجتمع, حتى باتت المرأة تتمنى أن تتمّ معاملتها كأنثى
أسوة بالمملكة الحيوانية التي تضمن لها حق الدلال والاهتمام مقابل الأنوثة والأمومة,
قد يظنّ الكثيرون أن هذا كلام مبالغ فيه, لكنه واقع, فما زالت المرأة في الوطن
العربي بالخصوص هي المعادل الموضوعي في الحروب وفي أي مشروع تنموي للنهوض بأيّ
مجتمع على المستوى الثقافي والفكري والصحي والسياسي والاقتصادي, ولم يرقَ أي مجتمع
من المجتمعات العربية إلى معاملتها كإنسان, رغم أن الدين الإسلامي وباقي الأديان,
ثبّت لها هذه الكينونة وهذا الانتماء الإنساني بذريعة الشراكة والمناصفة الإنسانية
بين أبوَي الإنسانية آدم وحواء, أمّا في الأدب العربي فيمكننا أن نرصد بعض التنظير
المزوّق, فمنهم غالى في تقديرها من وجهة محبّذاته, فجعلها وطنًا أو قمرًا أو شمسًا
أو نجمة أو سماء, أي قام بتشييئها, ومنهم من سحرته أنوثتها فتغنّى بمفاتنها, ومنهم
من رآها شرًّا مطلقًا فقام بشيطنتها, ومنهم من ألّهها, بالنتيجة, الندرة من تحدّث
عنها بمنطقية وإنصاف التناصف الإنساني.
إلى أي مدى استطاع الأدب أن يكون نصيرًا لقضايا المرأة
ومدافعًا عنها ضد التهميش والاستغلال والعنف؟
استطاع الأدب فعل ذلك بقدر المسافات التي بلغتها أصداء
الصرخات التي أطلقتها أقلام الكاتبات والشاعرات والقلّة من الكتّاب الذين آمنوا
وعايشوا قضاياها, بعيدًا عن التعالي عليها والتقليل من حجم معاناتها, وتسخيف
قضاياها بالقياس إلى قضايا العالم الكبرى, مع أنها لا تقلّ عنهم تفاعلًا وإدراكًا لتلك
القضايا, بل لعلّهم يلقون بأوزارها عليها فتحمل عنفها المادي, وهي المثقلة بالعنف
النفسي, والسؤال الملح, من الذي جعلها كبش الفداء؟ لتكون عروس النيل التي تُقدّم
قربانًا للآلهة ؟ وقربانًا لأرباب الحروب والجبابرة, ومعنّفات من السلطة
البطريركية, وسلع في الإعلانات, ودمى في ( فاترينات ) العرض, وقاصرات على أسرّة
كبيرة في بيوت الدعارة ؟! بينما كان قربان سيدنا إبراهيم كبشًا عظيمًا, فهل المرأة
العربية قربان من المملكة الحيوانية ؟!
هل حضور المرأة في الأدب العربي يرتقي إلى مكانتها
ودورها الحقيقي؟!
لا طبعًا, لكنّها تبذل أكثر من وسعها, مستفيدة مما تتيحه
لها التكنولوجيا الحديثة, وبعض الانفتاح المجتمعي الذي بات إلى حدّ ما يتقبّل
الطروحات الفكرية المختلفة, وهي تسعى لتطفو بقضاياها إلى السطح ليراها الجميع, هي
تريد أن تستأصل الأجزاء الميتة, وتعالج الأعضاء النبيلة, في ذات الوقت الذي تثبت
فيه أنّها قادرة على طرح ومناقشة قضايا المجتمع الإنساني الكبرى.
هل استطاع الأدب أن ينهض بالمجتمع العربي ويزيل بقايا
الجاهلية العالقة في زواياه اتجاه المرأة؟
لا الأدب العربي ولا الفكر العربي ولا الثقافة العربية
بشكل عام استطاعت فعل ذلك بشكل مُرضي, وكما يلزم, لكن المحاولات الحثيثة والجهاد والكفاح المستمر من قبل المهتمّين
والمهتمّات بهذا الشأن تعتبر نقاط مضيئة تحمل الأمل في التغيير, ولا أعوّل على
المنظومات أو المؤسسات أو الجمعيات ذات التسميات المتنوعة وبعضها تسميات برّاقة
وتوصيفات ضخمة لا توازي إنتاجيّتها الضحلة, هي جهود وأصوات فردية تأمل أن تتلاقى
أصداؤها في فضاء وسيع قد تسهم بإعادة ترتيب متواضع للبيت العربي, تتطهّر فيه
المرأة العربية من الجور والجهل والعنف والأذيّات التي لحقت بها على مرّ
العصور.
#دعبيرخالديحيي
الاسكندرية 13 اغسطس 2020
تعليقات
إرسال تعليق