مقدمة كتاب / دراسات نقدية ذرائعية مستقطعة التجربة الشعرية مليكة الجباري الناقد الذرائعي المغربي عبد الرحمان الصوفي/ بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي
عبر
محاور بحثية عديدة قدّم الناقد الذرائعي المغربي عبد الرحمن الصوفي مؤلفه النقدي
الأول هذا, والمعنون ب (دراسات نقدية ذرائعية مستقطعة /التجربة الشعرية مليكة
الجباري)
إن الناقد الحقيقي هو الناقد الذي يحترم كلًا من الأديب
الذي وضع بين يديه عمله الأدبي أمانة عليه صونها, كما أنه أيضًا يحترم المتلقي
الذي سيطّلع على دراسته النقدية, فيذكر منذ البداية المنهج النقدي الذي عمل وفقه,
ويزيد احترامه بالتقديم والتعريف بذلك المنهج, إذ أنه من الوارد -والأكثر احتمالية-
أن يكون المتلقي على العموم بعيدًا عن معرفة المنهج, فكيف إن كان منهجًا جديدًا
يختص بالنص العربي تحديدًا, مستخدمًا آلية علمية فلسفية تدرس النص العربي وفق
مستويات علمية بصرية ولسانية وإحصائية وأخلاقية, ومستويات فلسفية نفسية عبر مداخل سلوكية
وعقلانية واستنباطية وتقمصية, متنقلًا عبر مفاصل النص وبنائيه الفني والجمالي.
والناقد عبد الرحمن الصوفي هو ذاك الناقد المحترم, بل
والأكثر احترامًا للأديب والمتلقي العادي والمتلقي المتخصص على حد سواء, بدأ مؤلَّفَه
بذكر المنهج النقدي الذي اعتمده وهو المنهج الذرائعي, ثم بدأ بالتعريف بالمنهج عن
طريق العديد من المقالات التي تكلمت عنه, انتقى منها حوالي ست مقالات, منها مقالات
فلسفية بدأها بمقالة لصاحب النظرية, المنظر العراقي عبد الرزاق عودة الغالبي,
ومقالة له -عبد الرحمن الصوفي- وهو الناقد الذرائعي الذي غاص عميقًا في الضفة
الفلسفية للنظرية الذرائعية, ومقال للباحث المصري كريم عرفان, ومقالات علمية بقلمي
-أنا الناقدة والمطبقة الذرائعية عبير خالد يحيي- والباحثة الجزائرية عقيلة
المراجي, ومقال للناقد السوري
أسامة حيدر...
بعدها ينتقل الناقد, وبمنتهى الحرفية, ليطبق آلية
النظرية الذرائعية على بعض الأعمال الشعرية, للشاعرة مليكة الجباري, والمنظومة ضمن
خمسة دواوين, يقوم الناقد بكل أمانة بإلقاء الضوء, وتعريفنا على مجمل القصائد عبر
تطبيق الآلية الذرائعية على تلك القصائد, معتمدًا طريقة ذكية جدًّا, وهي التعامل
مع الدواوين وكأنها ديوان واحد, والنفاذ إلى أعماقها عبر أقرب المداخل المتاحة,
دون أن يشكل ذلك إرباكًا له, ودون أن ينتقص من القيمة الثرائية لأي ديوان أو
قصيدة, لأن المنهج الذرائعي لا يسمح بأي خلخلة, وقادر على إشادة بناء نقدي خال من
الفجوات, فلا وجود للثغرات في منهج عديد المداخل, دعاماته مستويات علمية وفلسفية
صلبة, لذلك وجدنا الناقد عبد الرحمن الصوفي يلج الدواوين عبر مداخل ذرائعية منتقاة
بمهارة, ويغوص في دقائقها ببراعة, ويخرج غانمًا بصيده الثمين, ويعرضه علينا عرض الكريم,
ليدخل إلى ديوان آخر متبعًا نفس الاستراتيجية, وهكذا حتى ينتهي من الدواوين الخمسة,
وقد جمع منها الكثير الكثير من الدرر التي خبّأتها الشاعرة على علم منها أو غفلة
بين ضلفات الدواوين أو في أعماق القصيدة, اختار المدخل البصري ليلج إلى ديوان ( في قلب
العاصفة), درس القصائد من المستوى البصري ثم ولج إلى البؤرة الثابتة لنصوص الديوان, وحددها
ب ( سلطة فعل الكتابة), ومن المدخل اللساني ولج إلى الديوان الثاني( رؤى آجلة),
دارسًا البناء اللغوي واللساني والأسلوبي والبلاغي بدقة متناهية, وقاطع بين البناء
الفني والأبعاد الجمالية في في نماذج مختارة من كل الدواوين, ودرس الصورة الشعرية
في كتاب الشذرات( شذرات مجنحة), وقارن بين اللغة والبيئة الشعرية في كل من الهايكو
الياباني والشذرة الشعرية العربية, ودرس الموسيقى في ديوان (صليل الصمت), ودرس
البيئة الشعرية في قصائد الشاعرة, ثم أحاط بالدواوين الأربع من خلال المستوى
النفسي فدرس لتجربة الإبداعية للشاعرة من خلال المدخل الاستنباطي, ومن المدخل
السلوكي عاين المستوى النفسي في ديوان ( صليل الصمت), وهو ديوان غلبت عليه
التساؤلات, واختار من المدخل العقلاني نماذج مختلفة من قصائد الدواوين الخمس,
دارسًا التناص بكل أشكاله وأنواعه بدقة متناهية...
ثم سقّف كل المستويات الذرائعية بالمستوى الأخلاقي,
متناولًا ثيمة النصوص والخلفية الأخلاقية للكاتبة ولنصوصها, مرفِقًا كل دراسة من
دراساته الذرائعية المستقطعة, بدراسة التجربة الشعرية في كل مستوى, وتحديد الميل
البراغماتي للشاعرة على كل مستوى, لينهي دراساته بتلخيص موجز, مجملًا فيه خلاصة التجربة
الإبداعية للشاعرة... وقد أرفق كل دراسة بذكر المصادر والمراجع التي أثرى وأغنى
منها الدراسة.
وقد قمت بتحقيق هذا علميًّا, ووجدته إضافة راقية للمكتبة
العربية, وإسهامًا علميًّا فعّالًا, وأنموذجًا يقتدى به في الدراسات النقدية
العلمية, التي تدعو إليها الذرائعية في عصر اختفى فيه علم النقد, أو تقلّص إلى
مقالات إنشائية يكتبها من هبّ ودب بعيدًا عن المناهج العلمية الرصينة, وهذا الدأب
المشين نشر الفوضى بالأدب العربي, وإن استمرت تلك الفوضى على هذا المنوال حتمًا سيُهان
النص العربي مرة أخرى, كما أهين سابقًا على يد الحداثة والمناهج الأجنبية التي لا
تنسجم مع الأخلاق العربية والإسلامية, فخرجنا من تهميش النص العربي, وعدنا إليه
مرة أخرى بتخريب وتغريب ....
تحياتي للمؤلف, الناقد الذرائعي الكبير /عبد الرحمن
الصوفي / وللشاعرة المغربية الكبيرة / مليكة الجباري/ متمنية لهما مزيدًا من الألق
والإبداع والنجاح, والله الموفق للخير والصلاح.
د. عبيرخالد يحيي
الاسكندرية 5 أغسطس 2019
😍😍😍😍
ردحذف