قراءة في رواية / جبل الزمرد/ للروائية المصرية منصورة عز الدين بقلم د. عبير خالد يحيي الحكاية بين التدوين والشفاهي فانتازيا روائية

 


 

رواية /جبل الزمرد/ للأديبة المصرية منصورة عز الدين رواية فانتازيا ثرية وعميقة المستوى، مكتوبة بأسلوب مشوّق لافت جدًّا، اعتمدت فيه الكاتبة الإثارة، تجوب عبر عوالم متوازية تبدأ من قديم التاريخ البشري وتنتهي في الحاضر الحالي في هذه الألفية الثالثة، تحاول فيها الكاتبة عبر كاهنة إيرانية - وهي الساردة- تدعى "بستان بحر" لملمة أجزاء وتفصيلات الحكاية المنسية أو المُتغافل عنها أو المشوهة عن حكاية الحسن البصري من حكايا شهرزاد في ألف ليلة وليلة، لتعيد إحياء الأميرة زمرد من رمادها، لينهض جبل الزمرد من جديد وليعود إليه سكانه الذين بعثرتهم رغبة أميرتهم (زمرد) بفك العزلة عن جبلهم الزمردي، فنتج عن ذلك دك الجبل وتبعثر ساكنيه مع سبعة من حكمائهم على سبعة من الجبال المنتصبة في أنحاء المعمورة، واحتراق الأميرة زمرد وهي توصي بجمع تفاصيل حكايتها واكتمالها لتُبعث روحها من جديد، في تناص مع قصة النبي إبراهيم عليه السلام والطيور الأربعة.

رواية مكتوبة بأسلوب عميق، لن يملك القارئ إلا أن يقرأها بمنتهى الوعي، ليقف على رموزها ودلالاتها وإسقاطاتها العديدة التي تحتمل ما لانهاية من المعاني، هي فضح كبير لكل ما اعترى تاريخ البشرية من تهويمات وتزييف وجهل وخرافة، كما تطلعنا على الكثير من الأساطير العربية والفارسية القيمة، وتضع يدها على الكثير من الاعتقادات الخاطئة بقصور عقل المرأة وقلّة إدراكها، واعتراف فردي حكيم بنبوغها في روي التفصيلات، فهل هناك من يغلب شهرزاد في الحكائية؟!. وتؤكد الخطأ الجسيم الذي ارتكبه أسلافنا بالعزوف عن التدوين والاتكاء على المشافهة، تقول الساردة : "كان جد مروج قد أقدم على تعليم ابنته القراءة والكتابة وأوصاها قبل رحيله بأن تعلّم ابنتها بدورها، لأنه لم يقتنع أبدًا بتحريم التدوين على النساء. كان يرفع الكتابة إلى مرتبة الإلهي المقدس، فيما اعتبر الشفاهي وليد البشرّي الخطّاء متعدّد التأويل والمختلف من موقف لآخر. آمن بأن النساء أقدر على الإمام بالتفاصيل وتحليلها ووضعها في سياقها الصحيح، لو كان الأمر بيده لاختار من بينهن حكيمات وناسكات وكاهنات. غير أنه خاف من التصريح بما يؤمن به خشية أن تُعتبر آراؤه تجديفًا يقوده إلى الإعدام أو الحرق، ويقود عائلته من بعده للتشرد".

 رواية تسرد تاريخ التدوين عبر التاريخ، بخلط بين الواقع والحكاية والميثولوجيا، نشمّ من هذا الخلط عبق الفانتازيا، ونعيش في أجواء سحره.

بعض الصور الجمالية والعمق الفكري والفلسفي التي حفل بها النص الروائي :

-        الكتابة موت الكلمات! كل كلمة نخطها مشروع قتيل ننحره، ونمثّل بجثته قبل أن نحنّطه على الورق!  

-        في الشفاهي يعاد إحياء الكلمة، تكتنز بدلالات تضفيها عليها تعبيرات الوجه، ونبرة الصوت.

-        هو الصوت تحديدًا ما يحيي الكلمات، ما يجعل الكلام حضورًا والكتابة غيابًا. الكلام حيوي، مندفع، وصاخب. والكتابة محاكاة باهتة له. الكلام هو الأصل، والكتابة نسخة مزيفة.

-        في زمن قاف الأول عاشت حكايات أهله وأساطيرهم منطوقة في جنّة الشفاهي. تتراقص فرحًا، أو تشتعل غضبًا، أو تتقافز حماسًا على وقع إيقاعات الصوت وموسيقاه.

-        كانت الكلمات حاضرة، حية، مشعة. لكن قمة حوادث مفصلية في تاريخ الجبل أخذت تبهت.

-         استمات حكماؤه من أجل استعادتها كما كانت عبر إعادة حكيها مرارًا، فصُدِموا باختلافات طفيفة محكومة بتنوّع الحكّائين.

-        كان كل منهم يسرد نسخته موبوءة بتلاعبات ذاكرته وانتقائيتها، وملوّثة بمشاعره وانفعالاته وانحيازاته.

-        صمتت الكلمات. ماتت وحُنّطت بين دفّتَي مخطوطات محفوظة ككنوز باردة.

-        خطر لهم أن التدوين قد يكون الضمانة الوحيدة لإعادة إحياء من ماتوا، ممثَّلين في كلماتهم. غير أنه إحياء مقترن بالموت، فمع كل خيانة أو تحريف لما نطقوا به كانوا يموتون مرات ومرات.

-        كانت الكتابة سمًّا زعافًا، على حكماء جبل الزمرد ونسّاكه القدامى ارتشافه حتى الثمالة.

-         وحدها حكايات ملوكهم رفضوا تدنيسها بالتدوين، منعوا تسجيل أي حرف عن الأميرة وأبيها الملك وآبائه من الحكام السابقين.

-        أرادوا أن يظل كل ما يخصّهم حيًّا في قلوب الرعيّة، وعلى ألسنتها، كما حرّموا التدوين على النساء.

-        وأضاف إليه أن "مروج" لم تكتفِ بخرق الناموس هي وأمها وجدها، بل ارتكبت خطيئة أخرى بالبدء في تدوين سيرة زمردة، خالطة الحقائق بالأوهام والوقائع بالتخيلات.

أنصح بقراءتها.

#دعبيرخالديحيي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحمودية / للأديب المصري منير عتيبة دراسة ذرائعية تقنية بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

أدب الرسائل عند الأديبة حياة الرايس (رسائل أخطأت عناوينها) دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

الميتاقص- أساليبها وتمظهراتها في قصة / رسول الشيطان/ للقاص المصري عمرو زين قراءة ذرائعية بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي