النقد وأدب الذكاء الاصطناعي

                                                                   

بعد انتهائي من قراءة رواية يقدّمها الكاتب على أنها مكتوبة بالكامل بالذكاء الاصطناعي، ومطروحة للتناول النقدي في مختبر السرديات في مكتبة الاسكندرية، تساءلت : ما جدوى التناول النقدي لهكذا رواية ؟ وهل هذا الطرح مقبول ؟.

استغرقني التفكير بالأمر، ووجدت أنه من المقبول بل و من الضروري التناول النقدي لعمل أدبي مكتوب بالذكاء الاصطناعي، وذلك لعدّة أسباب موجبة، منها:

-        الابتكار كمحور للنقد:

الروايات المكتوبة بالذكاء الاصطناعي تقدّم أسلوبًا جديدًا ومختلفًا للسرد والتأليف، وليس مبتكرًا بالمطلق، هذا الأسلوب بحدّ ذاته يستحقّ الدراسة النقدية. يمكن التركيز على التقنيات السردية المستخدمة، واللغة، وأسلوب تطوير الشخصيات، ومدى تحقيق النص لتجربة أدبية ممتعة.

-        الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية:

الذكاء الاصطناعي ليس كاتبًا بالمفهوم المعتاد، بل هو أداة يتمّ توجيهها من قِبل البشر. والنقد يمكن أن يُقيّم العلاقة بين الكاتب البشري والذكاء الاصطناعي، وطبيعة الأفكار التي تمتّ مشاركتها ومدى انسجامها مع الرؤية الأدبية.

-        الأسئلة الأخلاقية والفلسفية:

الأعمال المكتوبة بالذكاء الاصطناعي تثير قضايا مهمّة تتعلّق بالملكية الفكرية، والإبداع، والأصالة. كيف يمكن تقييم نص أدبي إذا كان الكاتب آلة؟ وهل يمكن للذكاء الاصطناعي التعبير عن مشاعر إنسانية أو قضايا اجتماعية بصدق؟

-        التأثير الثقافي:

يمكن للنقد أن يناقش كيف يعكس العمل المكتوب بالذكاء الاصطناعي رؤى المستقبل، وكيف يعيد صياغة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا، ومدى تأثير هذه النصوص على الأدب كفن إنساني.

-        المقارنة مع الأعمال البشرية:

النقد قد يتناول مقارنة بين جودة النصوص المكتوبة بالذكاء الاصطناعي والنصوص البشرية، من حيث العمق العاطفي، وتعدّد الطبقات الدلالية، والقدرة على إثارة القارئ.

والخلاصة: إنّ النقد هو أداة لفهم النصوص بشكل أعمق، ولا ينبغي أن يُحدّد بنوع المؤلف، سواء كان إنسانًا أم ذكاءً اصطناعيًا. المهم هو دراسة النص بموضوعية، والتركيز على قيمته الأدبية والثقافية.

-        تحدّيات الهوية الأدبية:

أصالة العمل: الكتابة بالذكاء الاصطناعي تُثير أسئلة حول الأصالة، هل النص يُعبر عن تجربة شخصية؟ أم أنه محض محاكاة للغة والأفكار البشرية؟

تُعد الكتابة الأدبية باستخدام الذكاء الاصطناعي موضوعًا معقّدًا ومثيرًا للجدل، حيث تُطرح تساؤلات عن مدى اعتماد الكاتب على الآلة وتأثير ذلك على هويّة العمل الأدبي، وهل سيأتي علينا وقت ندرس فيه التجربة الإبداعية للذكاء الاصطناعي المستخدم من الكاتب (فلان)، والمقارنة مع التجربة الإبداعية للذكاء الاصطناعي المستخدم من قبل الكاتب ( علتان)؟ هو سؤال جوابه في عهدة القادم من الأيام.

هل يحمل هذا أدب الذكاء الاصطناعي تكنيك وبصمة الكاتب أم بصمة الذكاء الاصطناعي؟

إبداع الكاتب: يبقى التحدّي في مدى قدرة الكاتب على إدخال بصمته الفنية والشخصية داخل العمل. إذا كان النص لا يعكس خبراته وأفكاره بوضوح، فإنه يُعتبر أقرب إلى إنتاج تقني.

يحمل بصمة الكاتب: إذا كان الكاتب يوجّه الذكاء الاصطناعي ويُدخل رؤاه وتصوّراته الشخصية في النص، فإن العمل سيحمل بصمته. في هذه الحالة، يُعتبر الذكاء الاصطناعي أداةً تعزّز مهارات الكاتب بدلًا من أن تحلّ محلّه.

يحمل بصمة الذكاء الاصطناعي: إذا كان النص مُنشأ بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي دون تدخّل كبير من الكاتب، فإن العمل قد يحمل بصمة تقنية واضحة، حيث يعكس أسلوب الذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات وتوليد النصوص.

 

-        الكتابة بالذكاء الاصطناعي بين الاتكالية والتعاون:

من الأجدى أن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي كأداة إبداعية تدعم الكاتب، تمامًا كما كان الحال مع اختراع الطباعة أو الحاسوب. الفرق يكمن في أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يكون شريكًا نشطًا في عملية الكتابة، ولكن يجب أن يُستخدم بحكمة للحفاظ على الأصالة والهوية الفنية.

هل تُعد الكتابة بالذكاء الاصطناعي نوعًا من الاتكالية؟

نعم ولا:

نعم: إذا اعتمد الكاتب بالكامل على الذكاء الاصطناعي لإنتاج النصوص دون توجيه أو تدخّل حقيقي، قد يُنظر إلى هذا كنوع من الاتكالية، حيث يتمّ تخفيف عبء الإبداع والتفكير من الكاتب لصالح الآلة.

لا: إذا كان الذكاء الاصطناعي أداة يستخدمها الكاتب بوعي لتطوير أفكاره أو تحسين جودة النص، فإنّ ذلك لا يُعدّ اتكالية، بل يُشبه استخدام الحاسوب في التحرير أو البحث. في هذه الحالة، يظلّ الإبداع الأساسي صادرًا عن الكاتب، والآلة مجرّد وسيط.

إن مسؤولية تحديد بصمة العمل تعود إلى الكاتب نفسه، ومدى استغلاله للذكاء الاصطناعي كأداة تُثري نصوصه بدلًا من أن تستبدل إبداعه. لذلك، الكتابة بالذكاء الاصطناعي ليست في جوهرها اتكالية، بل وسيلة يمكن أن تكون إبداعية إذا استخدمت بوعي وحكمة.

 



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحمودية / للأديب المصري منير عتيبة دراسة ذرائعية تقنية بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

أدب الرسائل عند الأديبة حياة الرايس (رسائل أخطأت عناوينها) دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

الميتاقص- أساليبها وتمظهراتها في قصة / رسول الشيطان/ للقاص المصري عمرو زين قراءة ذرائعية بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي