حسن نصر الله: زيف إيران الذي احترق بنيران الحقيقة_ بقلم الدكتورة عبير خالد يحيي

 


كان صوتُه يصدحُ من خلفِ الشاشات، مغمورًا بوهجِ الشعاراتِ والوعودِ الزائفة. رجلٌ نسجَ خيوطَ سلطتهِ بدماءِ الأبرياءِ، وتاجرَ بالمقاومةِ ليرسُمَ مجدًا مزيفًا فوقَ أنقاضِ المدنِ والقرى. حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، لم يكن مجردَ قائدٍ لميليشيا مسلحة، بل كان اليدَ التي امتدَّتْ لتخنقَ لبنان، وتُدمِّرَ سوريا، وتنشرَ الإرهابَ إلى أقاصي العالم.
لبنان:
وطنٌ رهينةُ السلاح والجريمة
في بيروت، حيثُ كان يُفترضُ أن تنبضَ الحياةُ بحريةٍ وكرامة، باتتِ الشوارعُ تُدارُ بحساباتِ الخوفِ والولاءِ لمن يحملُ السلاح. حزبُ الله، بقيادةِ نصر الله، أحكمَ قبضتَهُ على الدولة، فجعلَها رهينةَ سياساتهِ، وأدخلَها في صراعاتٍ إقليميةٍ لم تجنِ منها سوى الخرابِ والعزلة.
تلطّخت يداهُ باغتيالِ شخصياتٍ بارزة، كان لها الدورُ الأكبرُ في الدفاعِ عن سيادةِ لبنان واستقلالهِ، وعلى رأسهم:
رفيق الحريري (2005): رئيسُ وزراءِ لبنان الذي كان يسعى لتحجيمِ نفوذِ الحزبِ وإخراجِ الوصايةِ السورية من لبنان، فتمَّ تفجيرهُ في عمليةٍ دمويةٍ هزّتِ البلاد.
جبران تويني (2005): الصحفي الحرُّ الذي نادى بسيادةِ لبنان، فتمَّ اغتيالُهُ بسيارةٍ مفخخة.
سمير قصير (2005): الكاتبُ الذي عرّى الحزبَ في مقالاتهِ، فتمَّ استهدافهُ بقنبلةٍ زرعتْ تحتَ سيارتهِ.
بيار الجميل (2006): الوزيرُ الشابُّ الذي قاومَ مشاريعَ الحزب، فقُتلَ بالرصاصِ في وضحِ النهار.
وسام الحسن (2012): رئيسُ فرعِ المعلومات في قوى الأمن الداخلي، الذي كشفَ تورطَ الحزبِ في أعمالٍ إرهابية، فتمَّ تصفيتهُ بتفجيرٍ ضخم.
محمد شطح (2013): المستشارُ السياسيُّ المعروفُ بمواقفهِ المناهضةِ لسياساتِ الحزب، فاغتيلَ بتفجيرٍ وسط بيروت.
أما انفجارُ مرفأ بيروت عام 2020، فكان أحدَ تجلّياتِ استهتارِ الحزبِ بحياةِ اللبنانيين. تركَ أطنانًا من نتراتِ الأمونيوم في قلبِ العاصمة، ليأتيَ الانفجارُ ويقتلَ المئاتِ، ويشردَ الآلاف، فيما بقيَ نصر الله يُنكرُ مسؤوليته، متحصنًا خلفَ جدرانِ الأكاذيبِ والتهديدات.
ولا ننسى غزوات الطيونة وعين الرمانة والشياح وتهديد أمن المسيحيين فيها.
كما لا ننسى تفجير مسجدَي التقوى والسلام في طرابلس ومقتل العشرات من المصلّين السنة.
إضعاف الجيش اللبناني وقتل الكثير من ضباطه، ثم إقصاؤه.
سوريا: جراحٌ لا تندمل
حينَ اشتعلتِ الثورةُ السوريةُ مطالبةً بالحرية، كان نصر الله أولَ المتطوعينَ لذبحِ أحلامِ الشعب. أرسلَ ميليشياتِه لنجدةِ نظام الأسد، فارتكبتْ أبشعَ المجازرِ بحقِّ الأبرياءِ، وعلى رأسِها:
مجزرة القصير (2013): حيث اقتحمت ميليشيات حزب الله المدينةَ، وقتلت المئاتِ من المدنيين، وهجّرت الآلاف، ضمنَ حملةٍ طائفيةٍ استهدفتِ السكانَ السنّة.
مجزرة القلمون (2014): حيثُ أبادتْ الميليشياتُ عشراتِ العائلاتِ بدمٍ بارد، تحتَ ذريعةِ "محاربة الإرهاب"، بينما كانتِ الحقيقةُ حربًا ضدَّ المدنيين.
مجزرة حلب الشرقية (2016): حينَ شارك الحزبُ في الحصارِ والتجويعِ والقصفِ الوحشيِّ على الأحياءِ السكنية، مما أدّى إلى مقتلِ الآلافِ وتهجيرِ مئاتِ الآلاف.
مجزرة الغوطة الشرقية (2018): حيثُ دعمَ الحزبُ هجماتِ النظامِ بالأسلحةِ الكيميائية، وأسهمَ في حصارِ المنطقةِ حتى سقطت في يدِ قواتِ الأسد بعدَ سنواتٍ من الموتِ البطيء.
مجزرة داريا (2012): واحدةٌ من أبشعِ الجرائمِ التي شارك فيها الحزبُ، حيثُ قُتل أكثرُ من 500 مدنيٍّ خلالَ اقتحامِ المدينة، في مجزرةٍ حملتْ طابعَ الانتقامِ الطائفي.
هكذا مضت ميليشيات حزب الله، تزرع الموت في كل زاوية، بينما الأرض السورية تبكي أبناءها الذين سقطوا تحت جنازير الدبابات، وتحت سكاكين الميليشيات الطائفية، وتحت أنقاض المدن التي كانت يومًا تنبض بالحياة. لكن التاريخ لا ينسى، وإن غاب القصاص يومًا، فإن العدل سيعود ليكتب السطر الأخير في حكايةٍ لم تنتهِ بعد.
إرهاب ممنهج برعاية إيرانية:
لم يكن نصر الله سوى منفذٍ للسياسة الإيرانية في المنطقة، حيث لعب دورًا رئيسيًا في نقل مقاتلي داعش عبر الباصات المكيفة من لبنان إلى الحدود العراقية-السورية، متذرعًا بمحاربة التكفيريين. كما اعترف شخصيًا، بمشاركة قاسم سليماني، في إقناع بوتين بالتدخل العسكري في سوريا، ممّا أدى إلى مقتل وتهجير ملايين السوريين السنة.
إذكاء الطائفية والتحريض على العنف:
كان نصر الله أحد أبرز المحرضين على الحرب الطائفية في المنطقة، حيث رفع شعارات دموية لحشد الشيعة للزحف إلى سوريا تحت مسمى "الزحف المقدس". كما روّج لمصطلح "جهاد النكاح" عبر ذراعه الإعلامي غسان بن جدو، في محاولة لتشويه سمعة الثوار السوريين، متهمًا شريفات سوريا بهذا الافتراء.
إرهابٌ عابرٌ للقارات:
لم يقفْ نصر الله عند حدودِ لبنان وسوريا، بل مدَّ أذرعَهُ إلى العالم. كانتْ خلاياهُ السريةُ تزرعُ الفوضى في كلِّ مكان، من أوروبا إلى إفريقيا وأمريكا اللاتينية والخليج العربي.
تفجيرات إرهابية بالارجنتين وأمريكا اللاتينية وبلغاريا
تجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية: حيثُ حوَّلَ الحزبُ فنزويلا وكولومبيا إلى قواعدَ لتهريبِ الكوكايين، وتمويلِ عملياتهِ الإرهابية.
تسليح الحوثيين في اليمن: دعمَ حزبُ الله الحوثيين بالصواريخِ والطائراتِ المسيّرة، وساعدَ في تدريبِهم على القتالِ والتفجير.
محاولاتُ الفوضى في الخليج: حيثُ دعمتْ خلاياهُ السريةُ محاولاتِ زعزعةِ الاستقرارِ في البحرين والكويت والسعودية. تشهد على ذلك تفجيرات المقاهي الشعبية في الكويت وخطف طائرة كويتية ومحاولة اغتيال أمير الكويت بتفجير موكبه.
التخاذل مع غزة:
على الرغم من أن نصر الله لطالما زعم أنه يدعم القضية الفلسطينية، إلا أن موقفه الحقيقي ظهر جليًا خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، حيث اكتفى بالصمت لأكثر من عشرة أشهر، متذرعًا بمقولته الشهيرة "يا واش يا واش"، في إشارة إلى تبريره عدم التدخل. لم يحرك ساكنًا بينما كانت غزة تُقصف، ولم يرسل سوى بعض الطائرات المسيّرة في غزوة العواميد الشهيرة، التي كانت مجرد استعراض فارغ لا يرقى إلى مستوى المقاومة الحقيقية. في المقابل، عندما احتاجت إيران إلى تأكيد نفوذها في المنطقة، كان نصر الله أول من يحرك ميليشياته لتنفيذ مخططات طهران، ما يكشف بوضوح ازدواجيته وانتماءه الحقيقي.
نهاية الطاغية:
لم يكن نصر الله مقاتلًا شريفًا في ساحةِ معركة، بل قاتلًا جبانًا، يختبئُ في الملاجئ والأقبية، بينما يرسلُ رجالهُ ليُريقوا الدماءَ ويدمّروا المدن.
لكنَّ للظلمِ نهاية، وللطغاةِ مصيرًا لا مفرَّ منه. في 27 سبتمبر 2024، جاءَ الردُّ الذي طالَ انتظاره، حين استهدفتْ إسرائيلُ حسن نصر الله في غارةٍ أنهت حياته. لم تُنقذهُ أنفاقهُ، ولا أجهزتُهُ الأمنية، ولا خطاباتهُ النارية. سقطَ الرجلُ الذي نشرَ الرعبَ لسنوات، تاركًا خلفهُ حزبًا متهالكًا، يبحثُ عن قائدٍ جديد، بينما تترنحُ إمبراطوريتهُ فوقَ رمالِ المتغيراتِ الإقليمية.
وفي يوم تشييعه، ستُدفن جثّة، أو أشلاء، أو لا شيء، لكن معها ستُدفن ذكرى مجرمٍ خطّ بيديه تاريخًا من الدم، وستظل صرخات الضحايا تطارد قبره، لأن التراب لا يبتلع اللعنة، بل يزرعها لتعود في وجه الطغاة من جديد.
في الختام:
قُتل حسن نصر الله مع أكثر من 20 عنصرًا من عناصر حزب الله إضافة إلى العديد من قاداته البارزين، لم يكدِ الحزبُ يلتقطُ أنفاسهُ حتى لحقَ به الرئيس التنفيذي لحزب الله ابن خالته هاشم صفي الدين الذي قاد الحزب لمدة أسبوع بعد مقتل نصر الله، حيث تمّت تصفيتهُ من قِبل اسرائيل، ممّا يسلّط الضوء على حجم اختراق المخابرات الإسرائيلية لجماعة الحزب، كما يكشف حجم هشاشة هيكلية الحزب الأمنية.
هي ضربة أكّدتْ أن اليدَ التي امتدتْ طويلًا لقتلِ الأبرياءِ لم تعدْ بمأمنٍ من العقاب، ولو على يد عدو.
اليوم، وبعد أن خسرَت إيرانُ ذراعَها الأقوى في لبنان وسوريا، وقريبًا في اليمن، هل تستطيعُ الاحتفاظَ بنفوذِها، أم أن مشروعَها الفارسيَّ بدأ يتهاوى، وستكونُ الضربةُ القادمةُ في طهران نفسِها؟.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أدب الرسائل عند الأديبة حياة الرايس (رسائل أخطأت عناوينها) دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

الميتاقص- أساليبها وتمظهراتها في قصة / رسول الشيطان/ للقاص المصري عمرو زين قراءة ذرائعية بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي