الجسد والهوية والوشم السياسي: بحث نقدي ذرائعي في رواية "الهامسون" للأديبة المصرية الهالة البدري بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

 


 

المقدمة :

    تُعد الرواية وسيلة أدبية فريدة لاستيعاب التاريخ وإعادة تفسيره، حيث تتمكن من مزج الأحداث الواقعية بالخيال الأدبي، مما يتيح قضاءً واسعًا لتحليل القضايا الإنسانية والاجتماعية والسياسية.

رواية "الهامسون" للأديبة هالة البدري تتميز بمعالجة عميقة لقضايا الهوية الوطنية والاجتماعية، وتأثير الماضي على الحاضر. يتجلى ذلك من خلال استخدام الوشم كرمز مركزي يربط بين الذاكرة الفردية والتاريخ الجماعي.

 

أهداف البحث:

-       تحليل الرؤية السردية في تناول الرواية للأحداث التاريخية الكبرى.

-        استكشاف دور الوشم في الربط بين الماضي والحاضر داخل النص الأدبي.

-        فهم العلاقة بين الشخصيات والرسائل السياسية والاجتماعية التي تنقلها.

-        دراسة التحولات المفاجئة والتدريجية  التي تمر بها الشخصيات وتفاعلها مع القوى الخارجية.

-         رصد التداخل بين الهوية الفردية والاجتماعية من خلال المقاومة أو اكتساب الوعي .

-        إدماج مقاربات نظرية حول الجسد والهوية في الخطاب النسوي والفلسفي.

-        استكشاف العنصر الغرائبي: حيث يتداخل الواقعي مع الغرائبي، ما يعكس التوتر بين الواقع الملموس والواقع الخيالي، ويثير أسئلة فلسفية حول الحقيقة والوعي.

 

المنهج النقدي:

    المنهج الذرائعي: اعتمد البحث على المنهج الذرائعي لتحليل الرواية على المستوى الإيحائي العميق عبر المستويات الذرائعية البصرية واللسانية والديناميكية الإجرائية والنفسية والأخلاقية. يهدف التحليل إلى الكشف عن التداخل الزماني والمكاني في الرواية، حيث يتم نقل همسات الماضي عبر رمزية الوشم على أجساد نساء الحاضر، مما يخلق حلقة وصل بين الزمنين والمكانين. هذا التداخل الزماني والمكاني يُسهم في خلق عمق سردي يربط الشخصيات بصراعات الماضي، ويظهر كيف أن تلك الصراعات، بما فيها الأحداث السياسية والتاريخية، لا تزال حية ومؤثرة في حياة النساء المعاصرات. كما يُبرز العنصر الغرائبي في الرواية، حيث يتم تطويع الأسطورة والواقع لتسليط الضوء على الهويات المتشابكة والتوترات الاجتماعية، مما يخلق مشهدًا سرديًا مميزًا.

 

مدخل تأويلي :

الإطار النظري والمقارن: تمثّلات الجسد والهوية في الخطاب النسوي

     تُعد رواية "الهامسون" واحدة من أبرز محطات المشروع السردي الذي تنتهجه الكاتبة هالة البدري، والذي يُعنى بمساءلة العلاقة بين الجسد والهوية والتاريخ. تكرّس الكاتبة نصّها لرصد مكاشفات الذات الأنثوية في مواجهة بنى القهر الاجتماعي والسياسي. وتأتي "الهامسون" لتجمع بين هذه الثيمات في سردية غرائبية تتقاطع فيها الأسطورة مع الواقع، حيث يتم توظيف الوشم كعلامة مادية على الجسد تؤرخ للفقد والخذلان والتمرد. وبهذا السياق، يمكن اعتبار الرواية إعادة تفكيك للهوية من خلال استدعاء الماضي السياسي ومساءلة الحاضر الاجتماعي بأدوات فنية رمزية.

تمثّل "الهامسون" امتدادًا سرديًا لخطاب الجسد في الأدب النسوي، ويمكن مقارنتها بأعمال روائيات مثل أحلام مستغانمي ونجوى بركات، حيث يتحول الجسد في رواية "ذاكرة الجسد" إلى تعبير عن فقد الوطن، فيما يظهر في "يا سلام" كمسرح للانتهاك والحلم والذنب. كذلك نجد تقاطعًا دلاليًا مع رواية "قصة الخادمة" لمارغريت أتوود، حيث تُحاصر المرأة داخل بنية خطابية دينية-سياسية تسلبها اسمها وجسدها، وتحوّلها إلى مجرد وظيفة بيولوجية. أما في "الهامسون"، فيتحول الجسد إلى مخطوطة حية مشحونة بالتاريخ السياسي والوجع الشخصي، ويصبح الوشم الأداة التي تسجل بها السلطة والذاكرة آثارها.

من المنظور الفوكوي، كما ورد في كتابه "المراقبة والمعاقبة"، فإن الجسد ليس مجرد كيان بيولوجي، بل سطح تُنقش عليه آثار السلطة، وتُمارَس عليه أشكال من الانضباط الرمزي. وهذا التصور ينطبق تمامًا على تمثيل الجسد في رواية "الهامسون"، حيث يتجسد الوشم كرمز للهيمنة السياسية والثقافية، وكأداة تؤرّخ لمعاناة النساء داخل مجتمع ذكوري وسلطة تاريخية. ومن جهة أخرى، تقدم جوديث باتلر في كتابها "الذات تصف نفسها" تصورًا عن الهوية الجندرية بوصفها إنتاجًا اجتماعيًا متكررًا، لا جوهرًا ثابتًا. في هذا السياق، تبدو الشخصيات النسائية في "الهامسون" وقد بدأت تكتسب وعيها بالتدريج، لا من خلال رفض مباشر، بل عبر خلخلة البنية الخطابية للسلطة، بدءًا من الجسد ذاته.

 

النتائج والخاتمة:

     خلص البحث إلى أن رواية "الهامسون" تفتح مجالًا لفهم الصراع بين الهوية الفردية والاجتماعية عبر تقنيات سردية مبتكرة، وتظهر كيف أن رمزية الوشم تمثل ذاكرة مشحونة بالتاريخ الشخصي والسياسي. كما أن التحليل المقرون بالمنظور الفوكوي والباتلري أضاء جوانب خفية في التفاعل بين السلطة والجسد، ما يعزّز من قيمة الرواية كنص تأويلي متعدد الأبعاد والطبقات.

أهمية البحث:

    تأتي أهمية هذا البحث من كونها تسعى لفهم دور الأدب في إعادة إحياء النقاش حول قضايا سياسية واجتماعية، وكيف يمكن للرواية أن تُعيد تفسير التاريخ عبر رؤية نقدية تُخاطب الأجيال الجديدة.

السؤال الرئيسي:

كيف تُعيد رواية (الهامسون) تفسير الأحداث السياسية والتاريخية من خلال رمزية الوشم وعلاقات الشخصيات؟

هذه المقدمة تضع أساسًا لدراسة شاملة تسعى لتحليل النص السردي وربطه بالواقع التاريخي والاجتماعي.

 

التحليل الذرائعي:

 

نبدأ بالتحليل النقدي  وفق المستويات الذرائعية التالية :

 

·      البؤرة المركزية الثابتة :

    الفكرة المحورية في استخدام النساء الموشومات كبوابة لنفاذ أشخاص الماضي تكمن في تجسيد العلاقة بين الماضي والحاضر عبر الرمزية الجسدية والنفسية للوشم. الرواية تبرز الوشم كعلامة تجمع بين التجربة الفردية والتاريخ الجمعي، مما يجعل النساء الموشومات رابطًا حيًّا بين الماضي البعيد والحاضر المضطرب.

التحليل:

1. البوابة بين الزمنين:

     النساء الموشومات يمثّلن نقطة التقاء بين عالمين: الماضي الذي يبحث عن صوت لإعادة صياغة روايته والحاضر الذي يعاني من حمل ثقله. الوشم هنا ليس مجرد زخرفة، بل رمز لذاكرة أو رسالة يريد الماضي تمريرها.

2. الوشم كوسيط:

     الوشم على أجساد النساء يحمل معاني متعدّدة، مثل الألم، القهر، والهوية. عبره، يجد الماضي منفذًا للتأثير على الحاضر، سواء من خلال استحضار الذكريات، أو تحفيز الشخصيات على مواجهة قضايا مغيبة.

3. النساء كبوابات:

    اختيار النساء تحديدًا يعكس رمزية عميقة، فالنساء غالبًا ما ينظر إلهن كحاملات للتراث الثقافي والهوية، وفي الرواية تمثلن القناة التي يتواصل عبرها الماضي مع الحاضر.

4. الفكرة المحورية :

    الفكرة المحورية تدور حول الصراع مع الماضي: هل يسعى الماضي لتصحيح أخطائه؟ أم أنه يثقل كاهل الحاضر بعبء لم يُحل؟ الرواية تقدم تساؤلات حول تأثير التاريخ على الأفراد، وخاصة النساء، وكيفية تعاملهم مع تلك القوة غير المرئية التي تسكن أجسادهم ونفوسهم.

5.الرسالة:

    الرواية تستكشف مفهوم الهويات المركبة والموروثات الثقيلة التي تُفرض على الحاضر، وتسأل القارئ:

هل يمكننا التحرّر من الماضي؟

أم أن مواجهته وفهمه هو السبيل الوحيد للتقدّم؟

 

لربط المستوى البؤري بالتحليل الذرائعي، سأقوم بتقسيم العناصر المحلّلة وربطها بالمستويات الذرائعية المختلفة (الإجرائي، النفسي، الاجتماعي، الأخلاقي) وفقًا لتأثيرها على النص والهدف العام.

1. المستوى الإجرائي (العناصر السردية):

الوشم كبؤرة مركزية:

    الوشم ليس مجرد أداة وصفية، بل هو عنصر سردي محوري يوظف الرمزية ليخلق علاقة ديناميكية بين الماضي والحاضر.

في المستوى الإجرائي، يتحوّل الوشم إلى وسيط سردي يربط بين زمنين، مما يخلق تداخلًا بين الحبكة وأهداف الرواية في معالجة فكرة الزمن وتأثير التاريخ على الحاضر.

النساء كبوابات:

     اختيار النساء كنقاط تواصل بين الأزمنة يعزّز بناء الشخصيات، ويبرز دورهن المحوري في الحبكة.

المستوى الإجرائي يعكس كيفية دمج الرؤية الرمزية (النساء كحاملات للتراث) مع الخط الزمني للحكاية، مما يمنح الحبكة عمقًا واتساقًا.

 

2. المستوى النفسي (التطوّر الداخلي للشخصيات):

-        رمزية الوشم وتأثيره النفسي:

      الوشم على أجساد النساء لا يمثل تجربة فردية فحسب، بل هو مرآة للذاكرة الجماعية والمعاناة الشخصية.

على المستوى النفسي، الوشم يصبح تمثيلًا لصراعات داخلية تسكن الشخصيات، حيث يواجهن موروثات الماضي ويتفاعلن معها نفسيًا، سواء عبر الألم، المقاومة، أو القبول.

-        تطوّر الشخصيات النسائية:

     النساء في الرواية يتطوّرن نفسيًا مع إدراكهن للعلاقة بين أجسادهن والرسائل التي يحملها الوشم.

هذا التطوّر يعكس التحوّل النفسي المرتبط بالصراع مع الماضي وتأثيره على الهوية الفردية.

 

3. المستوى الاجتماعي (العلاقة مع البيئة والقضايا الكبرى):

-        الوشم كرمز للهوية الثقافية:

     الوشم يُبرز دور النساء كحاملات للتراث الثقافي والهوية الاجتماعية، ويضعهن في مواجهة مع مجتمع يعيد إنتاج التقاليد أو القهر.

على المستوى الاجتماعي، الرواية تُظهر كيف تصبح أجساد النساء ساحة للصراع بين القوى الاجتماعية (الماضي) والرغبة في التحرّر (الحاضر).

-        التاريخ مقابل الحاضر:

       الصراع بين الماضي والحاضر يعكس تساؤلات حول تأثير الموروثات الثقافية على المجتمعات الحديثة.

 المستوى الاجتماعي يُبرز أهمية استكشاف هذه العلاقة لفهم التحديات التي تواجهها الشخصيات النسائية في بناء هوياتهن ضمن سياقات مجتمعية مضطربة.

 

4. المستوى الأخلاقي (الرسالة والقيم):

رسالة الرواية:

      الرواية تثير تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة مع الماضي: هل يمكن التحرّر منه أم أن مواجهته هي الحل؟

المستوى الأخلاقي يتجلّى في الرسالة الأساسية التي تُظهر أهمية الوعي بالموروثات التاريخية لفهم الحاضر واستشراف المستقبل، ما يدعو القارئ للتفكير في المسؤولية الفردية والجمعية تجاه هذه الموروثات.

التكامل الذرائعي:

     الرواية تعتمد على البؤرة المركزية للوشم كرمز، وتوظّف عناصر السرد (الإجرائي)، وصراعات الشخصيات (النفسي)، وعلاقتها بالمجتمع (الاجتماعي)، لتقديم رسالة أخلاقية قوية تدعو القارئ للتفكير في الهويات المركبة وأثر الماضي.

هذه المستويات مترابطة بحيث تخدم البنية السردية والهدف العام، مما يجعل النص قويًا في تأثيره ومتماسكًا ذرائعيًا.

من هذا المستوى البؤري الأيديولوجي الثابت أنتقل للمستويات الذرائعية المدارية :

 

·      المستوى البصري :

 

     I.          الغلاف :

 

الغلاف الأمامي: يُعدّ المدخل البصري للنص؛ إذ يُمثّل رمزية عميقة تُعزز فهم القارئ لما يمكن أن يواجهه داخل الرواية.

الألوان، التكوين، والعناصر الهندسية تعكس التوترات النفسية والاجتماعية للشخصيات، ممّا يجعل الغلاف أداة ذرائعية تربط المضمون البصري بالمستوى السردي.

 

إن التحليل البصري لغلاف رواية "الهامسون" يركز على العناصر البصرية المستخدمة لنقل الأفكار والمشاعر المتعلقة بمضمون العمل. فيما يلي تحليل لهذه الصورة:

1. الألوان:

الألوان المستخدمة مزيج من البني، البيج، والأسود مع تدرجات ترابية، مما يخلق إحساسًا بالدفء والغموض.

التدرجات الداكنة تعكس ثقل الموضوعات التي قد تناقشها الرواية، مثل الهوية أو الصراعات الداخلية.

الألوان المحايدة تعزّز فكرة الشمولية أو الإنسانية العامة التي قد تكون محورية في القصة.

2. التكوين:

الوجوه المتعدّدة ذات الأشكال الهندسية تعطي إيحاءًا بالتعدّدية والتباين. قد يشير ذلك إلى شخصيات مختلفة تعيش تجارب متقاطعة.

التصميم المسطّح والمجزّأ لكل وجه يعبّر عن التفكّك أو الانقسام النفسي أو الاجتماعي.

3. التعبير الوجهي:

الملامح محايدة، بلا تعبيرات عاطفية واضحة، مما يثير الفضول حول مشاعر الشخصيات أو سياقات الرواية.

العيون، رغم تجريدها، تحمل عمقًا نظريًا، ربما يرمز إلى نظرات ناقدة أو تأملية.

4. التكرار:

    تكرار الوجوه بألوان وأنماط مختلفة يعكس التنوّع أو الاختلافات داخل المجموعة، وربما يمثل الصراع بين الوحدة والتفرّد.

5. الخطوط النصّية:

     العنوان "الهامسون" مكتوب بخط عربي بسيط ولكن قوي، مما يلفت الانتباه ويعطي شعورًا بالغموض.

اسم الكاتبة بخط أقل سمكًا، مما يمنح الأولوية للعنوان ويؤكد على ثقل القصة نفسها.

6. العناصر الرمزية:

     عدم وجود خلفية معقدة أو تفاصيل طبيعية يشير إلى أن القصة تركّز بشكل أساسي على الشخصيات والإنسانية أكثر من المكان أو الزمن.

تكرار الأشكال الهندسية يعكس فكرة الحياة المربكة أو الشبيهة بالفسيفساء، حيث تشكّل كل قطعة جزءًا من الكل.

بالمجمل:

الغلاف البصري لرواية الهامسون يعكس التعددية، الغموض، والصراع الداخلي أو الخارجي. البساطة الهندسية تحمل بعدًا رمزيًا عميقًا، مما يجعل القارئ يشعر بأن الرواية قد تكون غنية بالتفاصيل النفسية والاجتماعية.

  II.          العنوان :

كمكوّن بصري إيحائي رمزي:

    عنوان الرواية "الهامسون" يحمل دلالات لغوية ورمزية متشابكة تعكس عمق النص الروائي.

الدلالة اللغوية:

     "الهامسون" تأتي من فعل "هَمَسَ"، أي تحدّث بصوت منخفض أو بسرية. الكلمة توحي بالسرية والغموض، مما يعكس تفاعل الشخصيات أو الأحداث في الرواية التي قد تحدث في الخفاء أو دون وضوح كامل للآخرين.

الدلالة الرمزية:

     يمكن أن يُفسر العنوان كإشارة إلى قوة الأصوات الخافتة أو المهمشة، التي قد تكون أكثر تأثيرًا في النفوس أو الأحداث، حتى لو لم تكن واضحة للعيان.

العنوان قد يرمز أيضًا إلى وجود رسائل خفية أو شخصيات تتواصل بطرق غير تقليدية، مثل لغة الجسد أو الإشارات، مما يفتح المجال لتأويلات فلسفية ونفسية.

الارتباط بالمتن الروائي:

     بحسب ما تمّ استعراضه في أجزاء النص، يبدو أن الرواية تحمل طابعًا اجتماعيًا وإنسانيًا، حيث تتشابك القصص الشخصية والمشاعر المعقّدة بين الشخصيات. العنوان قد يشير إلى أصوات داخلية تعبر عبر أحلام أو هواجس أو رغبات الشخصيات، وربما يمثّل الأصوات الخافتة التي تؤثر على مسار الأحداث في الرواية.

الغلاف الخلفي

      فقرة سردية مأخوذة من المتن السردي :

"أدهن جسمي كل يوم بزيت الحنظل.  ادعك به وجهيوأمرره فوق شفتي حتى لا يظهر اللون الازرق عليه، يملأ خشمي، ويمرر ريقي مثل العلقم، أقلب خمسة خمسة مكعبات سكر في الشاي وأبلعه دفعة واحدة، لا تضيع المرارة، ألبس جلبابي الاسود الطويل، وألفّ الشال حول رقبتي أختشي أن يلمح الخلق البلاء يا بوي.

لا أعرف القراءة والكتابة لكني اكتب اسمي واسم أبي.  حين ظهر الوشم فوق جلدي عرفت أنه كتابة وليس رسمًا:  لا صليب ولا سمكة ولا طير ولا مار جرجس قدّس الله روحه وهو يقتل التنين، ذهبت لجارتي «أديل»  وطلبت منها أن تقرأ المكتوب على ذراعي.

سألتني وهي تعددالاسماء:  م هؤلاء يا دميانة؟

قلت:  «ما عرفاش»

قالت: هذا من الجن.  اذهبي لأبونا هو يعرف."

 

تحليل الغلاف الخلفي للرواية ذرائعيًا يتطلب دراسة تفاعل النص مع العناصر البصرية والرمزية التي تتناغم مع السياق الثقافي والموضوعات المطروحة في الرواية. في الفقرة التي قُدمت، نجد مجموعة من الرموز والإشارات التي تساهم في إبراز الصراع الداخلي للشخصية وتقديم رؤية ثقافية وفكرية حول الهوية والمعاناة. يمكننا الربط بينها وبين الغلاف الخلفي في عدة أبعاد ذرائعية:

1. المستوى البصري للغلاف الخلفي:

الوشم: بما أن الفقرة تتحدث عن "الكتابة" التي تظهر على الجلد على هيئة وشم، فإن هذا يشير إلى علاقة وثيقة بين الجسد والهوية في الرواية. إذا كان الغلاف الخلفي يحتوي على صورة لوشم أو رسمة تظهر على الجسد، فإن هذا يمثل علامة أو تسجيلًا دائمًا للألم أو الصراع، ويعكس الموضوع المركزي للرواية المتعلق بالهوية الشخصية والاجتماعية. قد يكون الوشم أيضًا رمزًا للتاريخ الشخصي أو الجماعي الذي لا يمكن التهرب منه.

الحنظل: استخدام الحنظل كعلاج مرير يمكن أن يرتبط باللون البني أو الأخضر الداكن على الغلاف الخلفي. إذا كان الغلاف يبرز ألوانًا مشابهة، فإنه يشير إلى المرارة والألم الذي يعبر عنه النص. هذه الألوان قد تكون مقصودة لإيصال شعور من الصراع الداخلي والتحدي.

الأسود: يشير الجلباب الأسود والشال حول الرقبة إلى فكرة التخفي أو الحياء أو الرفض من رؤية "البلاء". إذا كان الغلاف الخلفي يتضمن اللون الأسود أو يُظهر شخصية تُغطى أو تُخفي، فإن هذا يعكس الحذر أو التستر على الألم الشخصي.

2. العلاقة بين الغلاف الخلفي والعنوان:

     إذا كان العنوان يرتبط بكتابة أو وشم على الجسد، فإن الفقرة تدعم هذا الموضوع بتقديم شخصية تعتبر الوشم نوعًا من الكتابة. يظهر على الجسد كعلامة دائمة تشير إلى هوية الشخص، وتصبح جزءًا لا يتجزأ من تجاربه وألمه. ارتباط الوشم بالكتابة يشير إلى الصراع مع الهوية والذاكرة. العنوان نفسه قد يثير تساؤلات حول الهوية الشخصية التي يتم تشويهها أو تعديلها من خلال الوشم، مما يتناغم مع الفقرة في الغلاف الخلفي.

المرارة والرفض التي يتم التعبير عنها من خلال استخدام الحنظل والسكر في الفقرة، قد ترتبط بالعناصر البصرية التي تظهر على الغلاف. إذا كان الغلاف يركز على صور غير تقليدية أو رمزية مثل وجوه غير واضحة أو علامات متشابكة، فقد يشير إلى هذه العناصر المريرة والصراعية التي تشكل جزءًا من الذاكرة الجسدية التي يتركها الحنظل أو الوشم.

3. البنية الذرائعية بين النص والغلاف الخلفي:

    في الفقرة، يتم تمثيل الجن كقوة خارقة يمكن أن تفسر الظواهر الغريبة التي تظهر على الجسد. هذا يشير إلى أن هناك بُعدًا روحانيًا يصعب تفسيره بالمنطق التقليدي. إذا كان الغلاف الخلفي يحتوي على صور أو رموز غامضة أو غير محددة، فهذا يعكس هذا البُعد الروحي أو الغموض الذي يكتنف الفهم الاجتماعي للظواهر الطبيعية.

الشخصية تتوجه إلى الجارة "أديل" لتفسير الوشم، وهو نوع من اللجوء إلى المجتمع المحلي أو السلطات الدينية لتفسير ما لا يمكن تفسيره عقليًا. إذا كان الغلاف الخلفي يحتوي على صورة لامرأة أو شخصية تشير إلى السلطة الدينية، فهذا يمكن أن يعكس الديناميكية الاجتماعية والتوجه إلى المعرفة الجماعية (مثل الأب أو الجارة) لفهم العالم الغامض.

4. التفاعل بين الرمزية والشخصية:

الوشم ككتابة: الفكرة المركزية في الفقرة هي أن الوشم هو "كتابة" على الجسد. هذه الفكرة يمكن أن تتجسد في عناصر بصرية على الغلاف مثل حروف غير مفهومة أو رموز قد تكون مبهمة في البداية، لكنها تكشف عن معاني أو تفسيرات أعمق مع التقدم في الرواية. العلاقة بين الجسد والكتابة هنا توضح كيف أن الشخصيات قد تحمل على أجسادها أثرًا من الذاكرة أو الماضي الذي لا يمكن التخلص منه.

الجن والخرافات: تظهر الإشارة إلى الجن والخرافات في الفقرة كجزء من الثقافة الشعبية، مما يعزز الجانب الروحي في الرواية. إذا كان الغلاف الخلفي يتضمن رموزًا غير تقليدية أو صورًا غامضة، فإنه يسلط الضوء على علاقة الشخصيات بالقوى الخارقة والمعتقدات الشعبية التي تؤثر على قراراتهم وأفعالهم

الخلاصة:

الغلاف الخلفي للرواية، من خلال عناصره البصرية مثل الوشم، الألوان الرمزية (كالأسود والمرير)، والرموز الثقافية (كالجن والدين)، يسلط الضوء على صراع الهوية، المعاناة النفسية، والتفاعلات مع القوى الروحية التي تتداخل مع الحياة اليومية للشخصيات. هذه الرمزية تساهم في التماهي مع النص وتزيد من فهم القارئ للعناصر التي تتداخل في الرواية

 

 

III.          الإهداء:

إلى :

«الورد اللي فتّح في جناين مصر»

من القصيدة المشهورة للشاعر أحمد فؤاد نجم 

إهداء يحمل دلالات عميقة وثرية يمكن تحليلها من زوايا متعددة:

1. الدلالة الرمزية

الورد: يشير إلى رمزية الجمال، البراءة، والنقاء. كما يمكن أن يُرمز إلى الأمل المتجدد والحياة.

الجناين: تدل على الخصوبة، الازدهار، والمكان الذي ينمو فيه الجمال. جناين مصر تحديدًا تشير إلى بيئة تحتضن هذا الجمال، مما يربط بين الطبيعة والهوية الوطنية.

2. الدلالة الوطنية

«في جناين مصر»: يربط الإهداء هذا الجمال بمصر، مما يعكس الفخر والانتماء الوطني.

قد يشير إلى الأشخاص الذين يمثّلون "الورد" في المجتمع المصري، مثل المبدعين، الشباب الواعدين، أو أولئك الذين يسهمون في نهضة البلاد.

3. الدلالة الثقافية والاجتماعية

الورد يمكن أن يرمز إلى الطبقات الاجتماعية البسيطة أو إلى من يعيشون بسلام في حياتهم اليومية، معبرًا عن التقدير لجمال البسطاء أو المهمشين.

"الورد الذي فتّح" يشير إلى جيل أو شخصيات بعينها كانت لها دور في الإشراق في الحياة الثقافية أو الاجتماعية لمصر.

4. الدلالة العاطفية

الإهداء يحمل حسًا عاطفيًا قويًا، إذ قد يكون موجهًا إلى أفراد أو مجموعة معينة يعبر عن حب الكاتبة لهم أو امتنانها لوجودهم.

«فتّح» يوحي ببداية مشرقة، مما يضفي شعورًا بالتفاؤل والاستمرارية.

5. دلالة الزمن والتحوّل

«فتّح» يشير إلى عملية تحول ونمو، مما يعكس ديناميكية التغيير في الجمال، سواء أكان مرتبطًا بالأفراد، الأفكار، أو الأحداث التي ساهمت في تغيير وجه الحياة في مصر.

السياق الفني:

الإهداء بلغة بسيطة وشعرية يعكس حسًا قويًا بالرومانسية تجاه الوطن والإنسان، ما يجعل القارئ يشعر بأنه جزء من هذا الورد أو الجمال.

 «الورد اللي فتّح في جناين مصر» يتجاوز المعنى الحرفي ليصبح رمزًا للأمل، الجمال، والتغيير في إطار وطني واجتماعي يحمل مشاعر الامتنان والفخر.

 

IV.          التصديرات :

التصديرات التي تسبق الفصول في الروايات أو الأعمال الأدبية تُعدّ عنصرًا أدبيًا مهمًا يحمل أبعادًا فنية ودلالية عميقة. دورها يختلف بناءً على هدف الكاتب وسياق النص. وفيما يلي تحليل لدورها وتأثيره

1. التمهيد لموضوع الفصل

تعمل التصديرات كمدخل تمهيدي يمهّد لما سيحدث في الفصل، مما يساعد القارئ على الدخول إلى الجو النفسي والفكري للأحداث.

قد تكون اقتباسًا أو قولًا مأثورًا له علاقة مباشرة بفكرة أو موضوع الفصل، مما يجعل القارئ يتأمل في الصلة بين التصدير والمحتوى.

2. إثارة الفضول والتشويق

التصدير قد يحمل غموضًا مقصودًا، يدفع القارئ للتساؤل عن علاقته بالأحداث أو الشخصيات، مما يزيد من عنصر التشويق.

3. إثراء المعنى والدلالات

التصديرات تضيف عمقًا للنص من خلال ربطه بأعمال أدبية أو فلسفية أو ثقافية أخرى.

إذا كان التصدير اقتباسًا من نص مشهور، فإنه يخلق حوارًا بين النص والرواية، مما يمنح الرواية بُعدًا تأويليًا أوسع.

4. إبراز الثيمات الأساسية

التصديرات تسلط الضوء على الموضوعات الرئيسية مثل الصراع، الهوية، الحلم، التمرد، إلخ.

يمكن أن تكون وسيلة الكاتب للتأكيد على الرسائل أو القضايا المحورية التي يسعى إلى طرحها.

5. إضفاء بُعد فلسفي أو شعري

استخدام التصديرات يمنح الرواية طابعًا فلسفيًا أو شعريًا، حيث يدعو القارئ للتأمل في الأفكار المجردة التي تتصل بالسياق السردي.

6. تنظيم النص وإيقاعه

التصديرات تعمل كفواصل إيقاعية تساعد على تنظيم النص وتخفيف الانتقال بين الفصول، مما يضفي تناغمًا على بنية الرواية.

7. تعزيز الجانب العاطفي والنفسي

بعض التصديرات تكون عاطفية أو ملهمة، مما يساعد القارئ على التماهي مع مشاعر الشخصيات أو الحالة النفسية للفصل

أمثلة شائعة لدور التصديرات:

اقتباسات شعرية: تمنح النص طابعًا جماليًا وشاعريًا.

حِكم أو أقوال مأثورة: تقدم خلاصة لفكرة الفصل.

عبارات رمزية أو غامضة: تدفع القارئ للتفكير في المعنى الخفي.

 

التصدير الأول :

غبشة الصبح

طارد الإله رع ، رب الأرباب، الإلهة تفنوت، إلهة الرطوبة والمطر..

تفتّحت السماء وظهرت جدائل الشمس صفراء تلمع في ضوء النهار ..

هذا التصدير يحمل طابعًا رمزيًا ودلاليًا عميقًا، يستحضر الأسطورة المصرية القديمة بطريقة تعكس دلالات فلسفية وثقافية ترتبط بمضمون النص أو الفصل. فيما يلي تحليل للتصدير من عدة زوايا:

1. الدلالة الأسطورية والرمزية

رع: إله الشمس ورب الأرباب في الميثولوجيا المصرية القديمة، يمثل القوة العليا والقدرة على الخلق والتجدد.

تفنوت: إلهة الرطوبة والمطر، تمثل جانبًا من الطبيعة المكمّلة لدورة الحياة.

استدعاء هذين الرمزين يربط بين الضوء (رع) والماء (تفنوت)، مما يشير إلى تكامل القوى الطبيعية والكونية لاستمرارية الحياة.

2. التضاد بين الظلمة والنور

ذكر "تفتّحت السماء وظهرت جدائل الشمس صفراء" يشير إلى لحظة الانتصار على الظلمة أو الفوضى، مما يُبرز فكرة الخلق أو بداية جديدة.

اللون الأصفر والجدائل اللامعة يرمزان إلى الأمل والنور بعد فترة من الغموض أو الكوارث.

3. البعد الفلسفي

التصدير قد يرمز إلى صراع الإنسان مع القوى العليا أو الكونية، حيث يظهر الإله رع كرمز للسلطة الإلهية العليا، ولكن ظهوره من خلال "السماء المتفتحة" يشير إلى العلاقة بين البشر والطبيعة أو الإله.

تفنوت، كإلهة الرطوبة والمطر، قد تمثل الحاجة إلى التوازن بين القوة الذكورية (الشمس) والقوة الأنثوية (المطر) لضمان الخصوبة والتجدد.

4. الارتباط بمضمون الفصل

إذا كان الفصل يتناول بداية جديدة أو انتصارًا على الفوضى، فإن التصدير يعزّز هذه الفكرة ويضعها في سياق أسطوري.

يمكن أن يشير أيضًا إلى التغيرات الداخلية لشخصية ما، أو لحظة تحول مصيرية في الأحداث.

5. اللغة الشعرية

استخدام عبارات مثل "جدائل الشمس صفراء" يعطي التصدير طابعًا بصريًا وشعريًا، مما يعزز جمالية النص ويدعو القارئ إلى تخيّل الصورة الحسية.

6. الدلالة النفسية والروحية

التصدير يمكن أن يُفسَّر كدعوة للتجدد الروحي، حيث تشير جدائل الشمس إلى الأمل الذي ينبعث من أعماق الظلمة، وربما إلى لحظة تنوير شخصي أو اجتماعي.

7. الإسقاط على الواقع

قد يكون التصدير إسقاطًا رمزيًا على موقف سياسي أو اجتماعي، حيث يعبر عن فكرة الانعتاق من الظلم أو التغيير الثوري، خصوصًا إذا كانت الرواية ذات طابع اجتماعي أو سياسي.

التصدير "طارد الإله رع... جدائل الشمس صفراء" يربط بين الأسطورة والتجدد، ويؤسس لحالة من التحول أو الخلق الجديد. يُهيّئ القارئ نفسيًا وفكريًا للدخول إلى عالم النص، ويدعوه للتأمل في العلاقة بين القوى الطبيعية والإنسانية، بين الفوضى والنظام، وبين الماضي والأسطورة والواقع.

 

التصدير الثاني :

عزّ الظهر

جلس الإله رع على العرش قويًّا مهابًا نفث أشعته بقوة وشموخ..

تصدير يعكس دلالات عميقة ترتبط بالقوة، الزمن، والهيمنة الإلهية، ويمكن تحليله من عدة زوايا:

1. دلالة الزمن (عز الظهر)

"عز الظهر": يرمز إلى قمة النضوج والقوة، حيث تكون الشمس في أوج سطوعها، دلالة على القوة الذروة.

الزمن هنا يشير إلى لحظة مفصلية أو ذروة الأحداث، سواء في السياق السردي أو في الحالة الشعورية للشخصيات.

2. الإله رع كرمز

رع، إله الشمس في الميثولوجيا المصرية، يُجسد السلطة العليا والنور. جلوسه على العرش يعبر عن السيادة، النظام، والثبات في مواجهة الفوضى.

نفث الأشعة "بقوة وشموخ" يرمز إلى تأثيره القوي والهيمنة المطلقة، وكأنه يعيد ترتيب العالم وفق إرادته.

3. القوة والشموخ

"جلس على العرش قويًّا مهابًا": تعبير عن عظمة الإله ومهابته، مما يضفي طابعًا من الاحترام والرهبة.

الشموخ هنا يشير إلى الكبرياء الإيجابي، المرتبط بالسيادة، والتحكم.

4. الدلالة النفسية والرمزية

التصدير قد يكون إسقاطًا على شخصية أو حالة إنسانية تسعى للوصول إلى قمة القوة والنفوذ.

يمكن أن يُعبّر عن لحظة انتصار أو إحساس بالتفوق والإنجاز الشخصي أو الجماعي.

5. اللغة البصرية والتأثير

استخدام عبارات مثل "نفث أشعته بقوة" يُضفي طابعًا بصريًا قويًا. الأشعة تُظهر الحضور المادي للإله، وتُضفي شعورًا بالعظمة.

6. السياق السردي المحتمل

إذا كان الفصل الذي يتبع التصدير يدور حول انتصار أو نقطة تحول في الأحداث، فإن هذا التصدير يمهد الأجواء ويخلق إحساسًا بالعظمة والهيبة.

قد يُلمّح أيضًا إلى لحظة مواجهة أو مواجهة قوى متضادة، حيث تُبرز الهيمنة قوة أحد الأطراف.

7. الأسطورة مقابل الواقع

إذا كانت الرواية تحمل إسقاطات على قضايا اجتماعية أو سياسية، يمكن فهم الإله رع كرمز للسلطة العليا أو القوة المسيطرة في المجتمع.

قد يمثل أيضًا الحاكم الذي يسعى لترسيخ قوته في وقت حاسم.

التصدير "عز الظهر / جلس الإله رع على العرش قويًّا مهابًا" يحمل دلالات رمزية عن ذروة القوة والسيادة، سواء على المستوى الأسطوري أو الإنساني. يُهيئ القارئ للدخول في أجواء من الهيمنة والنفوذ، مع شعور بالرهبة والاحترام لتلك القوة، سواء كانت تمثل شخصية، فكرة، أو لحظة فارقة في السرد.

 

التصدير الثالث :

انكسار العصر

  استرخت الشمس رع، خفّ حماسُها قليلًا وسمحت للكائنات ببعض الراحة في انتظار الرحيل

تصدير  يفيض بالدلالات الرمزية والفلسفية، حيث يعبر عن حالة من التراجع التدريجي والانحناء أمام الزمن أو القدر. يمكن تحليل هذا التصدير من عدة زوايا:

1. دلالة الزمن (انكسار العصر)

"انكسار العصر": يشير إلى نهاية فترة من القوة أو التألق. الزمن لم يعد في أوجه، بل أصبح في طور الانحدار.

العصر، كجزء من اليوم، يرمز هنا إلى مرحلة الانتقال من النهار إلى المساء، حيث تبدأ الشمس (رع) بفقدان قوتها تدريجيًا.

2. الشمس رع كرمز

الشمس (رع) هنا تمثل القوة العليا التي بدأت بالتراجع، مما يعكس دورة الحياة: القوة، الذروة، ثم الانحسار.

استرخاء رع يرمز إلى القبول الطبيعي للزوال، وكأنها لحظة تسليم أو استراحة قبل النهاية الحتمية.

3. التوازن الطبيعي (السماح بالراحة)

"سمحت للكائنات ببعض الراحة" يحمل دلالة التوازن بين القوة والضعف. عندما تخفّ حدة السيطرة، تُمنح الكائنات فرصة للتعافي أو الاستعداد للمرحلة القادمة.

يشير إلى علاقة متناغمة بين الشمس والكائنات، حيث يؤثر تراجعها إيجابيًا على الحياة.

4. البعد النفسي والوجودي

التصدير يعبر عن حالة من الهدوء أو الاستسلام الواعي للنهاية. الشمس، رغم قوتها السابقة، تقبل التراجع بشيء من الرضا.

يمكن إسقاط هذا المعنى على الإنسان في مرحلة متقدمة من حياته، حين يخفّ حماسه تدريجيًا ويتقبل النهاية أو التحول.

5. اللغة البصرية

استخدام عبارات مثل "استرخت الشمس"، "خفّ حماسها" يعطي النص طابعًا بصريًا وشاعريًا، حيث يمكن للقارئ تخيّل مشهد الشمس وهي تنحسر تدريجيًا خلف الأفق.

تصوير الرحيل كفعل ينتظر الكائنات يضفي إحساسًا بالهدوء والترقب.

6. السياق السردي المحتمل

إذا كان الفصل يدور حول تراجع شخصية قوية، أو لحظة انسحاب أو هدوء ما قبل العاصفة، فإن التصدير يعكس هذه الحالة ويهيئ القارئ نفسيًا.

قد يكون أيضًا تمهيدًا لنهاية حدث أو فترة زمنية مضت وبدء التحضير لمرحلة جديدة.

7. الأسطورة مقابل الواقع

رع هنا لا تمثل فقط الشمس، بل قد تُسقط على قوة اجتماعية أو سياسية أو رمزية. انكسار العصر ربما يرمز إلى نهاية هيمنة سلطة ما، أو تغير موازين القوى.

"الراحة في انتظار الرحيل" يوحي بأن هذا الانكسار هو جزء من دورة حتمية، يُقبل به بوعي وهدوء.

التصدير "انكسار العصر" يعبر عن لحظة انتقالية حتمية بين ذروة القوة ومرحلة الانحسار، مع الحفاظ على طابع التأمل والهدوء. يوحي بفلسفة القبول بالتحولات الطبيعية في الحياة، سواء كانت تتعلق بالزمن، الأشخاص، أو القوى المسيطرة.

التصدير الرابع:

انطفاء المغرب

طارد الرمادي الأصفر رقص البرتقالي مراوغًا تاركًا ذيولًا برّاقة رغم الرحيل المهزوم

تصدير يعبر عن تحول بصري وجمالي في الأفق، ويُحمل في طياته معاني رمزية وفلسفية حول الفقدان، التغيير، والنهاية. يمكن تحليله من عدة زوايا:

1. دلالة الزمن (انطفاء المغرب)

"انطفاء المغرب": المغرب هنا يمثل نهاية اليوم، والتحول من النور إلى الظلام، مما يعكس لحظة انحسار الضوء والشمس. "انطفاء" يشير إلى الضعف التدريجي والتلاشي، وهو بداية الظلام أو الغروب.

يعكس التصدير الشعور بالانتهاء أو الخفوت، كأن مرحلة أو فترة في حياة شخص ما أو أحداث الرواية قد وصلت إلى نهايتها.

2. التضاد بين الألوان

"الرمادي الأصفر": الرمادي، لون الحزن والفقدان، يرتبط بالغياب أو الانطفاء، بينما الأصفر يمثل الضوء والشعاع. هذه الثنائية تشير إلى الصراع بين التراجع والنهاية، وبين الضوء الذي يوشك على الانطفاء.

"البرتقالي": رمز للدفء والأمل، وهو في هذه الحالة "يرقص" مما يضفي حركة وحيوية على المشهد، لكنه يظل "مراوغًا"، أي غير ثابت أو غير قادر على البقاء.

3. الحركة والمراوغة

"رقص البرتقالي مراوغًا": الحركة هنا تشير إلى تحول الزمان والمكان بشكل ديناميكي، حيث يراقص البرتقالي الرمادي، ولكن بطريقة غير مستقرة أو متناقضة.

قد ترمز هذه الحركة إلى الفترات الانتقالية أو الأحداث التي تتغير بسرعة أو بشكل غير متوقع.

4. الرمزية النفسية والوجودية

"ذيولًا برّاقة": قد تشير إلى الآثار أو الذاكرة التي تظل بعد الرحيل أو الفقد، كأنها بقايا ضوء أو أمل يتلاشَ تدريجيًا.

"الرحيل المهزوم": يشير إلى فشل أو تراجع، حيث الرحيل ليس مصحوبًا بانتصار، بل بهزيمة أو خيبة. يعكس التصدير هنا فكرة الخسارة التي تظل آثارها قائمة ولكنها تضعف مع مرور الوقت.

5. البعد الفلسفي والزمني

هذا التصدير يبرز التوتر بين الوجود والانطفاء، حيث النور (البرتقالي) يحاول مقاومة الظلام (الرمادي الأصفر)، لكن النهاية حتمية.

يمكن أن يُرى كإشارة إلى الحتمية في الحياة، حيث يتمسك الأمل أو الضوء لحظة، لكنه لا يستطيع الهروب من النهاية المحتومة.

6. التأثير البصري والشعري

هذا التصدير يحمل صورًا بصرية قوية تمزج بين الألوان، الحركة، والتوتر بين الظلمة والنور، مما يخلق مشهدًا سينمائيًا أو شعريًا في ذهن القارئ.

اللغة هنا تجعل القارئ يتصور المشهد بشكل حي، وهو ما يضفي شعورًا بالزوال والفقد في الوقت نفسه.

7. السياق السردي المحتمل

إذا كان الفصل يروي نهاية حدث مهم أو تحول درامي، فإن التصدير يعكس هذه اللحظة الحرجة، حيث أن المشهد البصري يعكس الرحيل والانطفاء التدريجي.

يمكن أن يعكس أيضًا الصراع بين الأمل والفقد في شخصية معينة، حيث يختفي النور تدريجيًا رغم محاولات المقاومة.

التصدير "انطفاء المغرب" يعبر عن مرحلة من التحول والانتهاء، حيث يتقاطع الضوء والظلام في مشهد مليء بالحركة والمراوغة. يعكس التصدير التوتر بين الفقدان والأمل، والنهاية التي تترك آثارها اللامعة ولكن المهزومة. يُعزز من شعور القارئ بتفاصيل التحول والانتقال، سواء كان ذلك على مستوى الزمن أو الشخصيات.

التصدير الخامس :

غموض الليل

تضوي النجوم عن بُعد لكنها لا تكشف في قلب الظلام شيئًا

تصدير يحمل معانٍ رمزية وفلسفية عميقة، ويعبر عن حالة من الوجود المجهول والتساؤل حول الحقيقة والمعنى في عالم مليء بالغموض. يمكن تحليله من عدة جوانب:

1. دلالة الزمن والمكان (غموض الليل)

"غموض الليل": الليل، بما يحمل من ظلام، يرتبط عادة بالغموض والتساؤل والابتعاد عن الوضوح. الليل هو فترة غياب النور، وهو هنا مرادف للغموض وعدم الوضوح في الحياة أو في الأحداث.

يشير الليل إلى فترة من التوقف أو الهدوء، حيث يتجلى الغموض في غياب الرؤية الواضحة.

2. النجوم كرمز

"تضوي النجوم عن بُعد": النجوم تمثل الأمل، الإلهام، أو الحقيقة التي تبقى بعيدة عن متناول اليد. توهج النجوم عن بُعد يشير إلى وجود إشارات أو فرص، لكنها تظل غير قابلة للوصول أو غير واضحة.

النجوم قد تكون رمزًا للحقيقة أو الجمال، ولكنها غير قادرة على إضاءة الظلام بشكل كافٍ، مما يبرز فكرة التباين بين الأمل والمستقبل المجهول.

3. التضاد بين الضوء والظلام

لكنها لا تكشف في قلب الظلام شيئًا

التصدير السادس

الفجر

علق في الجو ضباب كثيف يمنع الرؤية، محاولة أخيرة للعتمة قبل أن ينبلج الصبح

 يحمل التصدير دلالات رمزية وزمنية عميقة تتعلق بالتحولات، الصراع بين النور والظلام، والأمل الذي يتحدى الظلام. يمكن تحليله من عدة زوايا:

1. دلالة الزمن (الفجر)

"الفجر": يرمز إلى بداية يوم جديد، مرحلة التحول بين الليل والنهار. الفجر يمثل الأمل، النشوء، والبداية الجديدة.

الفجر هنا يُستخدم ليس فقط كتوقيت من اليوم، ولكن كرمز لتغيير أو تحول حاسم. يعكس اللحظة التي تبدأ فيها الظلمة بالانحسار، ويبدأ النور في الظهور.

2. الضباب كثيف

"علق في الجو ضباب كثيف": الضباب هنا يمثل الغموض، التشويش، والغموض الذي يمنع الرؤية الواضحة. الضباب يمكن أن يُفهم كحالة من الحيرة أو الضبابية في المستقبل أو في المواقف التي تفتقر إلى الوضوح.

هذه الصورة توحي بوجود حالة من الشك أو التردد، حيث لا يمكن معرفة ما يخبئه المستقبل أو التنبؤ بما سيحدث.

3. الصراع بين العتمة والنور

"محاولة أخيرة للعتمة": العتمة هنا تشير إلى المقاومة الأخيرة من الظلام أو الفوضى، قبل أن يزول ويحل النور. إنها اللحظة الأخيرة التي يحاول فيها الظلام الحفاظ على هيمنته قبل أن يترك المجال للنهار.

"قبل أن ينبلج الصبح": الصبح هنا يمثل النور الجديد الذي سيغسل العتمة. التصدير يُظهر الصراع بين الظلام الذي يحاول التمسك بالأرض والنور الذي يوشك على الانبلاج، مما يعكس حركة الحياة نحو التغيير والتحول الإيجابي.

4. الرمزية النفسية والوجودية

الضباب قد يكون رمزًا للضغوط النفسية أو الحواجز التي تمنع الرؤية الواضحة للمستقبل. محاولة العتمة الأخيرة تعكس حتمية التجاوز للأزمات أو اللحظات الصعبة، حيث تبرز قوة الأمل والنهار.

هذا التصدير يعبر عن التحول الداخلي، حيث يُحارب الظلام من أجل السعي نحو التوضيح والفهم.

5. اللغة التصويرية

"علق في الجو ضباب كثيف" و "محاولة أخيرة للعتمة" تخلق صورة بصرية قوية من خلال التوتر بين الكثافة (الضباب) والوضوح (الفجر). هذه الصورة تساعد القارئ على تصور المشهد بشكل حي، مما يعزز التأثير العاطفي للأحداث.

6. السياق السردي المحتمل

إذا كانت الرواية تتعامل مع مرحلة صراع أو تحولات شخصية، فإن هذا التصدير يشير إلى لحظة الصراع النهائي بين الظلام والنور، حيث تقترب النهاية الحاسمة.

قد يكون هذا التصدير تمهيدًا لظهور التحول، حيث تبدأ الأمور في التوضيح والظهور بعد فترة من الغموض والصعوبات.

7. التأثير الفلسفي

يمكن أن يعكس التصدير فكرة الحياة والموت، أو التغيير الدائم. الضباب يمثل حالة من الشك أو الفوضى، لكن الفجر يمثل الوضوح، حيث ينجح النور في إزاحة الظلام.

يشير التصدير إلى الصراع الدائم بين القوى التي تسعى للتغير والتقدم، وبين تلك التي تحاول الحفاظ على الوضع الراهن.

التصدير "الفجر" يعبر عن التحول بين الظلام والنور، حيث يُحارب الغموض والتشويش لتُحل محلها بداية جديدة. الضباب الكثيف يمثل الغموض والعتمة الأخيرة تمثل المقاومة النهائية من الظلام قبل أن يأتي الفجر ليبددها. التصدير يرمز إلى الصراع الدائم بين النور والظلام، وهو ليس فقط تمهيدًا للتحول الزمني، ولكن أيضًا للتغييرات الداخلية في الشخصيات والأحداث.

من الملاحظ :

ربط التصديرات بأوقات الصلاة في زمن الفراعنة يحمل دلالة رمزية عميقة تعكس التداخل بين الأزمنة المختلفة، مما يربط بين الماضي (زمن الفراعنة) والحاضر (المسلمون وأوقات الصلاة). هذا التداخل الزمني يوحي بأن هناك استمرارية روحية وثقافية تتجاوز الحقب الزمنية، حيث تصبح أوقات الصلاة رمزًا للاتصال بالكون والبعد الإلهي.

دلالات هذا الربط:

1. الإشارة إلى القيم الروحية المتجددة: رغم اختلاف الأزمنة والثقافات، فإن الإيقاع الروحي اليومي (مثل الصلاة) يظل ثابتًا كجزء من اتصال الإنسان بالمقدس، سواء في زمن الفراعنة أو في الزمن الإسلامي.

2. التذكير بالاستمرارية الحضارية: اختيار أوقات الصلاة في سياق زمن الفراعنة يشير إلى أن القيم الروحية ليست مقيدة بزمن محدد، وإنما هي جزء من هوية إنسانية عابرة للثقافات والحضارات.

3. الربط بين المقدس والزمان: أوقات الصلاة تمثل تنظيمًا للزمن حول المقدس، وهو مفهوم كان موجودًا أيضًا في الحضارات القديمة كالفراعنة، حيث كان لديهم طقوس مقدسة مرتبطة بالشمس والنجوم، مما يعكس وعيًا بالزمن كعنصر روحاني.

4. إيحاء بالخلود والتكرار: استخدام أوقات الصلاة في زمن الفراعنة يشير إلى فكرة أن الزمن دائري وليس خطيًا، حيث يعيد الإنسان اكتشاف المعاني الروحية في كل عصر.

هذا التداخل بين الزمنين يضفي على النص عمقًا فلسفيًا وروحيًا، ويعزز الشعور بأن الإنسان رغم تغير الأزمنة يظل يبحث عن المعنى والاتصال بالمطلق.

التصديرات ليست مجرد زينة أدبية، بل هي أداة بليغة يستخدمها الكاتب لإثراء النص، وتنظيمه، وإشراك القارئ في تجربة فكرية وعاطفية أعمق.

 

ربط التحليل البصري بالمستوى الذرائعي :

يعني دمج العناصر البصرية والدلالية التي تمّ تحليلها ضمن مستويات السياق الأدبي والاجتماعي والفلسفي، مما يعزّز فهم النص وفقًا للمبادئ الذرائعية التي تعتمد على استكشاف العلاقات الديناميكية بين النص ومكوناته المختلفة.

1. الغلاف كأداة سردية: الغلاف يُعدّ المدخل البصري للنص؛ إذ يُمثّل رمزية عميقة تُعزز فهم القارئ لما يمكن أن يواجهه داخل الرواية.

الألوان، التكوين، والعناصر الهندسية تعكس التوترات النفسية والاجتماعية للشخصيات، مما يجعل الغلاف أداة ذرائعية تربط المضمون البصري بالمستوى السردي.

2. الرمزية في الألوان: الألوان المحايدة (البني والبيج) تعزّز الطابع الإنساني الشمولي الذي يناقشه النص، بينما التدرجات الداكنة تعكس الصراعات الداخلية للشخصيات.

هذا يتماشى مع الذرائعية التي تسعى لتفسير استخدام الرموز اللونية كمرآة للواقع النفسي والاجتماعي.

3. الوجوه والهندسية: تصميم الغلاف الذي يعكس تعددية الشخصيات وصراعاتها يشير إلى العلاقة الديناميكية بين الفرد والجماعة. هذا التكوين ينسجم مع الذرائعية في فهم النصوص التي تركز على تفكيك التداخلات الاجتماعية.

العنوان ودوره الذرائعي:

 

1. الهامسون بين الهمس الصوتي والنفسي:

عنوان الرواية "الهامسون" يتجاوز المعنى اللغوي ليصل إلى البعد النفسي والفلسفي. كونه رمزًا للأصوات الخافتة والمهمشة التي تؤثر في النفس دون إعلان، يتناغم مع المنظور الذرائعي الذي يركز على المعاني الخفية خلف الألفاظ.

الذرائعية تحلل كيف يُستخدم العنوان لإبراز الصراع الداخلي للشخصيات وربطها بالواقع الاجتماعي.

2. التفاعل بين النص والقارئ:

العنوان يستدعي تفاعل القارئ مع النص بشكل استبطاني وتأملي، مما ينسجم مع منهج الذرائعية الذي يدعو القارئ إلى تفسير الرموز بشكل متعدد المستويات.

الإهداء كبوابة ذرائعية داخلية:

1. دلالات الإهداء:

اختيار الإهداء "الورد اللي فتّح في جناين مصر" يحمل رمزًا وطنيًا واجتماعيًا يعكس تمجيد الكاتبة للبساطة والنهضة الثقافية. الذرائعية ترى أن هذا الإهداء يتصل بالسياق الاجتماعي الذي يهيمن على الرواية.

الجمع بين الجمال الفردي والهوية الوطنية يعزز البعد الإنساني الذي تحاول الرواية تسليط الضوء عليه.

2. الدور الجمالي والتأويلي:

الإهداء يُعد جزءًا من الفعل السردي الذي يقدم للقارئ إطارًا تأويليًا للعمل، مما يجعل العلاقة بين النص والإهداء علاقة ذرائعية تخدم فهم النص بعمق.

التصديرات والتحليل الذرائعي:

1. تمهيد للثيمات السردية:

التصديرات تُمثل أدوات ذرائعية تربط بين المستوى النصي (الفصول) والمستوى التأويلي (الثيمات الكبرى مثل الصراع، الهوية، والتجدّد).

مثلًا، "غبشة الصبح" تضع القارئ أمام مفاهيم البداية والتجدد، مما يخلق جسرًا بين الفهم الحسي والمعرفي للنص.

2. الربط الزمني والروحي:

استدعاء أوقات الفراعنة وربطها بمفاهيم الصلاة يُبرز التداخل بين الأزمنة والرمزية الروحية، وهو ما ينسجم مع الذرائعية التي تسعى لفهم الأبعاد المتعددة للنصوص.

3. إضفاء الأبعاد النفسية

التصديرات تقدم رؤى نفسية عن شخصيات الرواية من خلال رمزية الزمن والطبيعة. مثلًا، "انكسار العصر" يبرز صراع الشخصية مع الزمن، مما يعكس التحولات النفسية والاجتماعية التي تحللها الذرائعية.

الخلاصة:

المستوى البصري والإهداء والتصديرات هي عناصر مترابطة تسهم في خلق نص متشابك يتفاعل مع القارئ على مستويات متعددة. القراءة الذرائعية لهذه العناصر تُبرز دورها كأدوات ديناميكية تحفّز القارئ على التفاعل مع النص وتأويله بشكل يتجاوز السطحية إلى العمق الفلسفي والاجتماعي.

1.    المستوى اللساني والجمالي :

 

1-   المستوى اللساني :

 

-        التنوع اللغوي:

الرواية تمزج بين اللغة الفصحى والعامية لتقديم سرد متكامل يعكس البيئة الاجتماعية للشخصيات.

الفصحى تُستخدم لوصف المشاعر الداخلية، التأملات، والتحوّلات النفسية.

العامية تُستخدم في الحوارات، مما يمنح النص واقعية ويربطه بالمحيط الثقافي.

-        اللغة الرمزية:

تعتمد الرواية على رموز متكرّرة مثل الوشم والحناء، اللذين يحملان أبعادًا نفسية وثقافية، حيث يُستخدمان كوسيلة للتعبير عن الهوية والقهر والتمرد.

-        الإيقاع النصي:

الجمل تتفاوت بين الطول والقصر لتعكس إيقاع الأحداث ومشاعر الشخصيات. النصوص التأملية طويلة ومفصّلة، بينما المشاهد الحركية تستخدم جملًا قصيرة وسريعة.

2. المستوى الجمالي

-        التكثيف والوصف:

النصوص الوصفية دقيقة وتُظهر براعة الكاتبة في تصوير المشاهد، مثل تصوير الأماكن الريفية والحضرية بما يعكس تقاطعات الواقع الاجتماعي.

التفاصيل الصغيرة (مثل حركة الشخصيات أو وصف الأدوات الفنية) تُعزّز من حضور البيئة السردية.

-        الصور الفنية:

استخدام التشبيهات والاستعارات لرسم المشاعر والبيئات. مثال: وصف العلاقة بين الشخصيات كأنها "جدائل متشابكة من الحلم والواقع".

الوشم والحناء كعناصر رمزية تشير إلى الماضي والتقاليد التي تطبع الهوية الاجتماعية.

-        الأسلوب

 

1)    الأسلوب السردي:

 

-        الأسلوب الواقعي النفسي:

الكاتبة تتعمّق في استكشاف نفسية الشخصيات وتعرض أفكارها وصراعاتها الداخلية بطريقة تحليلية.

-        تعدّد الأصوات السردية:

الشخصيات تروي الأحداث من وجهات نظرها المختلفة، مما يُعطي القارئ تصورًا شاملًا.

-        الحوار:

يُستخدم الحوار كأداة للتعبير عن طبيعة الشخصيات ومستواها الثقافي والاجتماعي.

 

2. الأسلوب اللغوي

-        التداخل بين الأزمنة:

النص يتنقل بين الماضي والحاضر بشكل سلس، مما يعزز من ترابط الحبكة.

-        البلاغة:

النص يحتوي على تشبيهات واستعارات تضيف لمسة جمالية وتُعمّق من التأثير النفسي للأحداث.

-        الثقافة الفنية:

 

1)    توظيف الفنون البصرية

الوشم كرمز بصري وثقافي يُستخدم للإشارة إلى الهوية الشخصية والتقليدية.

تصوير الحناء كتقليد اجتماعي يحمل أبعادًا ثقافية وجمالية، خاصة في المشاهد التي تصف الطقوس النسائية.

2)    الموسيقى والغناء

هناك إشارات ضمنية إلى الموسيقى التقليدية والغناء الشعبي، مما يعكس البيئة الثقافية الفنية.

مثلًا، ترديد الأغاني أثناء مشاهد الحناء يعكس ارتباط الفن بالموروث الشعبي.

الأغاني المذكورة في الرواية تعكس ارتباط الشخصيات بالتراث الثقافي والشعبي، وتُستخدم كأداة تعبير عن مشاعرهم وظروفهم:

"قولوا للشمس ما تحماش":

تعكس هذه الأغنية الطابع الشعبي والرومانسي، حيث تُستخدم للإشارة إلى الحنين والشوق، وربما كرمز للبحث عن الأمل وسط الصعوبات.

"تريد الارتواء":

تُستخدم كصورة رمزية للحب الذي يفيض على النفس، مما يعكس التوق إلى الحميمية والدفء.

أغاني شادية وعبد الحليم حافظ:

تشير إلى فترة زمنية تحمل أجواء من الرومانسية والنوستالجيا، وتظهر كجزء من التقاليد الفنية في الرواية.

أغنية "قدّام عينيا " التي غنّاها فريد الأطرش لحبيبته ناريمان بعد زواجها من الملك فاروق:

قدّا عينيا  وبعيد عليا        مقسوم لغيري وهو ليّا       ص17

تظهر في النص كمثال على التعبير الفني الذي يعبّر عن مشاعر الحنين والشوق.

 أغنيات الزار:

طنوش قاللك طناش وما تعصلجناش

تعملي فيها عنتر ده شسء ما يخصناش

بس البعيد هيتعب وهتبقى حالته أصعب

خليك من حسب أشعب طنش تاكل بلاش

ص 136

يتم ذكرها لتسليط الضوء على الجانب الثقافي الشعبي في الرواية، مما يعكس ارتباط الشخصيات بالطقوس والتراث الشعبي.

3)    السينما والمسرح

الإشارات إلى الأعمال السينمائية (مثل "الوشم" و"الحنة") تعزّز من حضور الثقافة الفنية في الرواية، ممّا يعكس وعي الشخصيات بالحداثة والتقاليد.

الرواية تشير إلى أعمال سينمائية تعكس الأبعاد الثقافية والفنية التي تؤثر على الشخصيات والمجتمع:

"القرصان" (Pirates of the Caribbean):

يظهر كإشارة إلى شخصية مغامرة (جوني ديب) تمثل الحرية والخروج عن المألوف، مما يعكس طبيعة التمرد والبحث عن الذات.

أفلام سعاد حسني وأحمد زكي:

يتم الإشارة إليها لإبراز جماليات السينما المصرية القديمة ودورها في تشكيل وجدان الشخصيات.

فيلم "بحر البقر":

يُشير إلى ذكرى مجزرة مدرسة بحر البقر، ما يعكس الطابع السياسي والوطني للرواية وربطها بالمآسي الاجتماعية.

"روعة الحب" - سعاد حسني ورشدي أباظة

تُذكر للإشارة إلى الأفلام الرومانسية وتأثيرها في تشكيل الأحلام والرغبات في النص.

إن الأغاني والأفلام في الرواية ليست مجرد إشارات ثقافية، بل هي أدوات تُستخدم لتعميق البنية السردية، ولإظهار التفاعل بين الشخصيات وبيئتها الاجتماعية والثقافية.

تسهم هذه العناصر في تعزيز الإحساس بالمكان والزمان، وتجعل النص أكثر ثراء وواقعية.

4)    الأدب الشعبي:

الرواية تعكس تأثرًا بالأدب الشعبي من خلال الحكايات المتداولة والقصص الرمزية التي تُبرز قضايا المرأة والصراع الاجتماعي.

الأغاني والأفلام في الرواية ليست فقط مجرد خلفية ثقافية، بل هي أدوات سردية تُعزز من فهم السياق النفسي والاجتماعي للشخصيات.

تُظهر العلاقة الوثيقة بين الثقافة الشعبية والهوية، حيث تُوظف لتسليط الضوء على التحولات الاجتماعية أو إبراز معاناة الشخصيات.

5) الطقوس الشعبية ورمزيتها :

-        الوشم

رمز للهوية الفردية والجماعية.

يعكس كيفية استخدام الشخصيات للرموز التقليدية كأداة للتمرّد.

الوشم يُبرز التوتر بين الجسد كملك شخصي والجسد كمساحة اجتماعية تُفرض عليها القيم.

"... اشترطت ألا أعمل بالوشم قائلة : لعن الله الواشم والواشمة . قلتُ : هذا ليس وشمًا يا أمي . هذا "تاتو"."  ص26

-         الحناء

الحناء تُستخدم كطقس اجتماعي يعكس التراث الشعبي.

لكنها تحمل بُعدًا مزدوجًا؛ إذ تمثل القيود الاجتماعية وفي الوقت ذاته إمكانية استخدام الفن للتعبير عن الذات.

" اعتادت عروسنا ارتداء اللون الأحمر في الحفل، تحنّي الماشطة شعرها، ثم تضع الحنّة  على كفّيها وقدميها وتربطهم بشرائح قماش تخلف خطوطًا متقاطعة ، ثم تدور بصينية الشموع  والحنة وترقص البنات ويغنين حولها:

ياحنة جديدة يا قطر الندى    يا شباك حبيبي يا عيني جلاب الهوى ..   ص 22

-        الطقوس النسائية

مثل طقوس الزفاف، الحناء، أو الأغاني الشعبية، تُظهر هذه الطقوس ثقافة المجتمع، لكنها تُبرز أيضًا دور المرأة كمحور للثقافة الاجتماعية.

ربط المستوى اللساني والجمالي بالمستوى الذرائعي

1. المستوى اللساني:

يعمل المستوى اللساني في الرواية كأداة متعددة الوظائف تمكّن النص من التفاعل مع القارئ والبيئة الاجتماعية بطريقة تتماشى مع المنهج الذرائعي، الذي يركز على العلاقة بين النص والسياق النفسي والاجتماعي

التنوع اللغوي: التداخل بين الفصحى والعامية:

الفصحى تُستخدم لتقديم العمق التأملي والنفسي للشخصيات، مما يعكس الجانب التحليلي الذي يتناسب مع الذرائعية.

العامية تضفي واقعية للنص وتجعله مرتبطًا بالثقافة المحلية، مما يسمح للقارئ بفهم التفاعلات الاجتماعية بمرونة.

اللغة الرمزية: الرموز مثل الوشم والحناء تُستخدم كأدوات تعبير عن قضايا اجتماعية ونفسية، مما ينسجم مع التحليل الذرائعي الذي يعترف بالدور الديناميكي للرمز في تعزيز الصراعات الداخلية والخارجية للشخصيات.

الإيقاع النصّي:

التنوّع بين الجمل الطويلة والتأملية والجمل القصيرة والحركية يعكس ديناميكية السرد، مما يدعم التحليل الذرائعي الذي يبرز كيف يعكس الإيقاع النصي طبيعة الشخصيات وأحداث الرواية.

2. المستوى الجمالي:

المستوى الجمالي في الرواية يظهر من خلال التكثيف والوصف، الصور الفنية، والأسلوب السردي، حيث يُعزز التجربة القرائية ويعمّق الأبعاد النفسية والاجتماعية.

التكثيف والوصف:

النصوص الوصفية، خاصة لتفاصيل البيئة الريفية والحضرية، تسهم في خلق واقع سردي متكامل يعكس تقاطعات الواقع الاجتماعي والنفسي، وهو ما يتوافق مع الذرائعية التي ترى في النصوص الوصفية أدوات لتأصيل العلاقة بين الشخصيات والبيئة.

الصور الفنية:

الصور مثل "جدائل متشابكة من الحلم والواقع" تُعبّر عن الصراعات الداخلية للشخصيات وتُظهر علاقتها بالزمن والمكان، مما يعكس المستوى الرمزي الذي يُعتبر جوهريًا في الذرائعية.

الأسلوب السردي:

الواقعية النفسية: تحليل الشخصيات بعمق نفسي يتوافق مع الذرائعية التي تهتم باستكشاف العوالم الداخلية وتأثيرها على السرد.

تعدد الأصوات السردية: يُظهر تعدد الأصوات التداخل بين وجهات النظر المختلفة، مما يُعزز البنية الذرائعية التي تُبرز تعدّدية الطبقات السردية.

3. الثقافة الفنية وربطها بالذرائعية:

الأغاني والأفلام: الأغاني الشعبية مثل "قولوا للشمس ما تحماش" تعكس ارتباط الشخصيات بالتراث الثقافي، مما يُبرز الهوية الجماعية. الذرائعية تفسر ذلك كعنصر يُظهر التفاعل بين الشخصيات والمجتمع. الإشارات إلى السينما (مثل أفلام سعاد حسني) تضيف أبعادًا زمنية وثقافية، مما يعكس الحنين والترابط بين الأجيال.

الأدب الشعبي: الرواية تستفيد من الأدب الشعبي كمرآة للقضايا الاجتماعية والنفسية، مما يدعم التحليل الذرائعي الذي يربط بين البُعد الشعبي والهويات الثقافية.

الطقوس الشعبية: طقوس الحناء والوشم تُظهر التداخل بين الجسد كملكية شخصية والمساحة الاجتماعية المفروضة عليه، مما يعكس المستوى الذرائعي الذي يبرز الصراع بين الفرد والجماعة.

سياق ثقافي ديني :

نجده على مسار الرواية، يؤتبط ارتباطًا وثيقًا برمزية الوشم، ولعل الفقرة السردية على الغلاف الخلفي تشكّل أنموذجًا واضحًا عن هذا السياق. السياق الثقافي لهذه الفقرة يتضمن عدة أبعاد تعكس التراث الاجتماعي والديني، وكذلك مفاهيم الهوية والجسد في المجتمع العربي أو المصري، خصوصًا في السياقات الشعبية التي تجمع بين الخرافة والواقع اليومي. إليك بعض الجوانب الثقافية التي يمكن أن ترتبط بهذه الفقرة:

1. الاعتقاد بالخرافات والمعتقدات الشعبية:

في الفقرة، هناك إشارة واضحة إلى الجن واعتقاد الجارة أن الوشم "من الجن". هذا يعكس الاعتقاد الشعبي الذي ما زال موجودًا في بعض الثقافات العربية، حيث يُعتبر الجن قوة خارقة تؤثر في الواقع البشري، خاصة عندما يتحدث الناس عن الظواهر الغريبة أو غير المفسرة. يربط هذا المعتقد بين الروحانيات والعالم المادي، ويعتبر أن بعض الظواهر كالأمراض أو العلامات الجسدية قد تكون مرتبطة بقوى غير مرئية.

2. المرارة والألم في الحياة اليومية:

"الحنظل" الذي يُستخدم لتدليك الجسم يعتبر رمزًا للمرارة. في الثقافة الشعبية، قد يُنظر إلى الحنظل كرمز للعلاج التقليدي، لكنه أيضًا يشير إلى الألم والمشقة، سواء كان ذلك جسديًا أو نفسيًا. الاستخدام المتكرر لهذا العلاج الشعبي يعكس الواقع الصعب للشخصيات التي تحاول التكيف مع الحياة الصعبة والمعاناة المستمرة.

3. الوشم كعلامة ثقافية ودينية:

الوشم في الفقرة يُنظر إليه ككتابة على الجسد، وهي علامة ثقافية ودينية قد تُفسر بطرق مختلفة. في بعض السياقات الثقافية، يُعتبر الوشم تقليدًا قديمًا يعبر عن هوية معينة، وقد يرتبط بتصورات دينية أو اجتماعية حول الجسد. في الفقرة، يظهر الوشم ككتابة لا تحمل معنى محدد للمجتمع المحيط، ما يثير تساؤلات عن الهوية والدلالات الرمزية التي قد يحملها الوشم على الجسد. هذا يُظهر الفجوة بين مفهوم الشخص للجسد والعالم الخارجي الذي يراه من زاوية دينية أو اجتماعية.

4. الجهل والتعليم:

الشخصية تقول إنها لا تعرف القراءة والكتابة، وهو ما يعكس مفهوم الجهل في بعض الطبقات الاجتماعية التي قد تعيش في عزلة ثقافية عن المجتمعات المتعلمة. في هذا السياق، يتم تمثيل الجهل في التمييز بين المعرفة (القدرة على القراءة) والعدم. ومع ذلك، رغم الجهل، تكتب الشخصية اسمها واسم والدها، مما يعكس تمسكها بجزء من الهوية والماضي الثقافي حتى لو لم تكن قادرة على القراءة أو الكتابة بالطريقة التقليدية.

5. العلاقة بين المرأة والدين:

في الفقرة، يظهر المرجع الديني عند الجارة "أديل" التي توصي الشخصية بالذهاب إلى "أبونا". هذه الإشارة تعكس العلاقة العميقة بين المرأة والدين في بعض المجتمعات التي تلجأ إلى السلطة الدينية في تفسير الظواهر الغامضة أو التعامل مع الألم والمعاناة. الأب في هذا السياق ليس فقط شخصية دينية، بل يمثل السلطة التي يمكن أن توفر الحلول الروحية للمشاكل المادية أو الجسدية.

6. التقاليد الاجتماعية:

اختيار الشخصية الملابس السوداء (الجلباب الأسود والشال) يعكس مظهرًا تقليديًا في بعض المجتمعات، ويشير إلى الحياء أو الحذر الاجتماعي. قد يكون هذا ارتداءً يُظهر الحذر من أن يلاحظ الناس "البلاء"، مما يعكس القيم الاجتماعية المتعلقة بالحياء والسمعة. قد يكون هناك أيضًا عنصر من التخفي أو التغطية للمعاناة الشخصية في المجتمع.

الخلاصة:

السياق الثقافي لهذه الفقرة يُظهر تداخلًا بين التراث الشعبي، المعتقدات الدينية، والتقاليد الاجتماعية التي تمثل المجتمع التقليدي. من خلال إشارات الجن والوشم والعلاقة مع الجارة "أديل"، تتضح كيفية تأثر الشخصيات بهذه المعتقدات الشعبية في محاولات تفسير ما يحدث في حياتهم، سواء كان ذلك في المعاناة الجسدية أو العلامات الروحية على أجسادهم.

الخلاصة:

يتضح أن المستوى اللساني والجمالي في الرواية يتكامل مع المنهج الذرائعي من خلال:

1. تحليل التداخل بين النص والواقع: حيث يربط النص بين الشخصيات وبيئاتها الاجتماعية والنفسية.

2. استخدام الرموز والطقوس: كأدوات ديناميكية تسلط الضوء على الصراعات الفردية والجماعية.

3. إبراز الأصوات السردية: التي تُظهر تعددية الرؤى والطبقات في النص.

الذرائعية هنا تُستخدم لفهم العلاقة المتشابكة بين اللغة، الجمال، والبيئة الثقافية، مما يعزّز من عمق الرواية وتأثيرها على القارئ.

 

 

2.    المستوى الديناميكي:

في المنهج الذرائعي، المستوى الديناميكي يركز على تحليل تطوّر النص عبر مراحله المختلفة مع إبراز العلاقة العضوية بين العناصر الفنية والأبعاد الذرائعية (الإقناعية، النفسية، الاجتماعية، الجمالية). وفي حالة رواية "الهامسون" للكاتبة هالة البدري، فإن العنوان يُعد نقطة مركزية لفهم تداخل هذه الأبعاد ودورها في إثراء النص.

1-   العنوان:

تحليل العنوان "الهامسون" في ضوء الدينامية السردية

1.اللغة والسرد: همس النص والرمزية الذرائعية

الإقناع السردي: الهمس كوسيلة تعبير يرتبط بالأسلوب الإيحائي في النص، حيث تستند الديناميكية على دفع القارئ للتأمّل واكتشاف المعاني الخفية. في الذرائعية، هذا يحقق استمالة القارئ عبر التلميح لا التصريح، مما يعزز انغماسه في السرد.

الدلالة النفسية: يُظهر "همس النص" التوتر النفسي والداخلي للشخصيات، ما يتماشى مع الاستراتيجيات الذرائعية التي تركز على الغوص في الأعماق النفسية للمتن الحكائي.

2. الشخصيات: تعدّد الأصوات وأثرها الذرائعي

الأبعاد النفسية والاجتماعية: الشخصيات في الرواية تتميز بصراعاتها الداخلية التي تتّخذ شكل همسات داخلية، مما يعكس التأثير النفسي للظروف الاجتماعية المحيطة. هذه الديناميكية تُظهر تطوّر الشخصيات النفسي وفق مقاربة ذرائعية تراعي علاقة الذات بالآخر والمجتمع.

التعدّدية الصوتية (البوليفونية): تعدّد الأصوات ينسجم مع التحليل الذرائعي الذي يُبرز دور التفاعل بين الشخصيات كقوة ديناميكية تدفع السرد للأمام، مع تركيز على التحولات المفاجئة أو التدريجية التي تؤثر في مسار الأحداث.

3. الأحداث والقوى الخفية: التفاعل الذرائعي

القوى الاجتماعية كـ "هامسين": يمكن ربط القوى الخفية التي تشكل مصائر الشخصيات (مثل الفقر، الظلم، أو الأزمات الأسرية) بالمستوى الذرائعي الاجتماعي. فهذه القوى تمثل عناصر ديناميكية غير مرئية ولكنها فعّالة، مما يجعل الرواية تعكس الواقع الاجتماعي بعمق.

الإقناع النفسي والجمالي: الدينامية التي تتحرّك بها الأحداث تحت تأثير قوى خفية تتناغم مع منهج الذرائعية في استخدام التفاصيل الدقيقة لإقناع القارئ بواقعية الشخصيات وعوالمها النفسية والاجتماعية.

4. التفاعل مع القارئ: الاستجابة الذرائعية

العنوان "الهامسون" يدعو القارئ لأن يصبح مستمعًا نشطًا. من منظور ذرائعي، هذا يحفز القارئ على المشاركة الفاعلة في فك شيفرات النص، وبالتالي يُحقق الرواية هدفها التفاعلي الإقناعي والجمالي.

الخلاصة الذرائعية

العنوان "الهامسون" يعكس بعمق المستوى الديناميكي للرواية، حيث يتفاعل مع البناء السردي متعدد الأصوات، الرمزية، وتداخل الأزمنة. ومن خلال التحليل الذرائعي، يظهر أن العنوان يُبرز:

1. ديناميكية السرد عبر الأسلوب الإيحائي.

2. تفاعل الشخصيات مع ظروفها النفسية والاجتماعية.

3. دور القوى الخفية والمهمشة كعنصر ديناميكي في النص

4. العلاقة التفاعلية بين النص والقارئ، مما يعزز استجابة القارئ على المستويات الإقناعية والجمالية.

المنهج الذرائعي يُظهر أن العنوان ليس مجرد مدخل للنص، بل هو مفتاح لفهم ديناميته وتداخله مع مستوياته النفسية والاجتماعية والجمالية، مما يجعل الرواية تجربة سردية غنية ومتعددة الأبعاد.

 

2-   المضامين :

المضامين في المستوى الديناميكي الذرائعي تتعلق بتفاعلات الشخصيات والأحداث التي تؤدي إلى تحول أو تطور في العلاقات الاجتماعية والنفسية، مع التركيز على القوى المؤثرة في هذه التفاعلات. في هذا السياق، يُنظر إلى كل فعل أو رد فعل للشخصيات باعتباره جزءًا من سلسلة من الأحداث التي يمكن أن تؤدي إلى تغييرات حاسمة في المواقف أو الوعي. هذه التحولات قد تحدث نتيجة لصراعات داخلية أو مؤثرات خارجية، وتُظهر كيف يمكن للفرد أن يعيد تشكيل واقعه الشخصي أو الاجتماعي استجابة للضغوط والتحديات.

في هذا المستوى، يتجاوز التحليل التركيز على البنية الثابتة للنصوص ليشمل التغيرات والتطورات التي تحدث بشكل ديناميكي عبر الوقت، حيث يُعتبر الفعل في هذا الإطار بمثابة استجابة مباشرة أو غير مباشرة للظروف المحيطة بالشخصية.

الثيمة الأساسية :

إن الثيمة الأساسية هي ترجمة حقيقية لما يسكن داخل العقول الأدبية من نظريات منهجية أدبية

لقد كتبت هالة البدري روايتها من ثلاث منطلقات أدبية تعتبر من اهم النظريات الادبية

النظرية الحدسيةIntuitionism :

النظرية الأيديولوجيةIdeological :

النظرية السايكولوجيةPsychological

1. النظرية الحدسية كمنطلق أولي:

    تبدأ الرواية من الحدس كأداة أساسية للإبداع. الحدس هنا هو الطاقة الداخلية التي تدفع الكاتبة لاستكشاف عوالم غير مرئية، تتجاوز الواقع الملموس. هذا المنطلق يتيح للكاتبة خلق عوالم مليئة بالرموز والإيحاءات، حيث تنبع الأفكار والصور من عمق اللاوعي.

 

مثال: المشاهد التي تبدو وكأنها أحلام أو رؤى تفتح المجال لتفسير الرواية بشكل متعدد الأبعاد، وتخلق حالة من الغموض الذي يثير التفكير.

هذا الأساس الحدسي هو ما يسمح للرواية بنفي الواقع التقليدي وابتكار واقع خاص يستند إلى الحدس والتأمل الذاتي.

2. النظرية الأيديولوجية كإطار فكري:

     بعد أن تضع النظرية الحدسية الأساس الإبداعي، تأتي النظرية الأيديولوجية لتحدد الإطار الفكري الذي تنطلق منه الرواية. الكاتبة تزرع رؤيتها الأيديولوجية في النص، بحيث يعكس كل مشهد وكل حوار منظورًا فكريًا أو فلسفيًا.

الأيديولوجيا هنا تعمل كجسر يربط الحدس بالمحتوى الفكري.

مثال: الصراعات التي تواجهها الشخصيات ليست صراعات فردية فقط، بل تعكس قضايا أيديولوجية أوسع مثل الهوية، السلطة، الحرية، والصراع مع القيم المجتمعية.

3. النظرية السايكولوجية كعمق تحليلي:

     بينما تُبرز الأيديولوجيا الأبعاد الفكرية والاجتماعية، تأتي النظرية السايكولوجية لتغوص في الأعماق النفسية للشخصيات. التحليل النفسي يسمح بفهم كيف تؤثر الصراعات الأيديولوجية على نفسية الشخصيات، وكيف تتفاعل مع اللاوعي الخاص بها.

هنا يظهر التكامل بين الحدس (الذي ينقل اللاوعي إلى السطح) والأيديولوجيا (التي تقدم الأسباب والمبررات الفكرية لهذه الصراعات).

مثال: الشخصيات التي تعيش تحولات نفسية جذرية نتيجة صدامها مع العالم الخارجي أو مع ذاتها. هذه التحولات تبرز أبعادًا نفسية معقدة تجعل الشخصيات أكثر قربًا من القارئ.

السياق الذرائعي للتفاعل:

الحدس يولد الفكرة الأولى: الرواية تبدأ من لحظة إبداع حدسية تُطلق الشرارة الأولى لخلق العالم السردي.

الأيديولوجيا تضع الإطار: بعد أن تتبلور الأفكار الحدسية، تتحول إلى مواقف أيديولوجية تنعكس في السرد والشخصيات.

التحليل النفسي يعمق المعنى: الأبعاد النفسية تأتي لتفكك الصراعات الأيديولوجية وتوضح تأثيرها على الشخصيات.

يمكن التركيز على فكر وشعور ونفسية الكاتبة هالة البدري من خلال ربطها بالنظريات الثلاث وتوضيح كيف انعكست هذه الأبعاد في روايتها وشم الهامسين.

1. الفكر: النظرية الأيديولوجية كمرآة لرؤية الكاتبة الفكرية

     فكر الكاتبة يتجلى في الأيديولوجيا التي تشكل إطار الرواية. هالة البدري لا تكتفي بسرد الأحداث بل تطرح أفكارًا عميقة تعكس رؤيتها الفلسفية والاجتماعية.

الأيديولوجيا كرؤية فكرية: الرواية تعبّر عن صراع بين القيم التقليدية والعالم الجديد الذي تحاول الشخصيات الانتماء إليه. هذه الأيديولوجيا تمثل انعكاسًا لرؤية الكاتبة حول القضايا الكبرى، مثل الحرية، الهوية، والتحولات الاجتماعية.

موقف الكاتبة من الواقع: رفض الكاتبة للواقع التقليدي وخلقها لواقع خاص في الرواية يعكس فكرها المستقل وإيمانها بقدرة الأدب على تقديم بدائل تعبيرية وفكرية مختلفة.

مثال: الأيديولوجيا التي تتبناها الكاتبة تظهر في الطريقة التي تسلط الضوء بها على التفاوتات الاجتماعية والنفسية، مما يعكس رؤيتها النقدية للواقع القائم.

2. الشعور: النظرية الحدسية كنافذة لعاطفة الكاتبة

     الشعور يتجسد في الحدس الذي تقود به الكاتبة العملية الإبداعية. هالة البدري تعتمد على إحساس داخلي عميق لتكوين عوالمها السردية، مما يجعل روايتها مليئة بالأبعاد الشعورية.

الحدس كأداة تعبير: الكاتبة تُظهر عاطفتها بشكل غير مباشر عبر شخصياتها وأحداث الرواية، حيث تعبّر عن مشاعر مثل التمرد، الألم، والأمل بطرق حدسية تتجاوز المباشرة.

الكتابة كتجربة شعورية: رواية وشم الهامسين تنقل القارئ إلى عالم حسي مليء بالإيحاءات والمشاعر الغامضة، مما يعكس ارتباط الكاتبة العاطفي بموضوعات الرواية وشخصياتها.

مثال: اللحظات التي تبدو وكأنها أحلام أو رؤى تعكس شعور الكاتبة بالتوق إلى فهم أعمق للحياة والمعاناة الإنسانية.

3. النفسية: النظرية السايكولوجية كمرآة للذات الإبداعية

    نفسية الكاتبة تنعكس من خلال الشخصيات والصراعات النفسية التي تعيشها. الرواية هي بمثابة إسقاط داخلي لأعماق الكاتبة النفسية، حيث تستعرض دوافعها اللاواعية ومخاوفها وآمالها.

الإبداع كناتج نفسي: الرواية تُظهر تأثر الكاتبة بعالمها الداخلي، حيث تتحول الأفكار والمشاعر المكبوتة إلى تعبيرات أدبية.

الشخصيات كإسقاط نفسي: العديد من شخصيات الرواية تحمل أبعادًا نفسية تعكس ذات الكاتبة؛ قد تكون الصراعات التي تواجهها الشخصيات هي إعادة تمثيل لصراعات نفسية عميقة عايشتها الكاتبة.

مثال: التحولات النفسية المفاجئة للشخصيات أو تصادمهم مع واقعهم يمكن أن يُفهم على أنه تعبير عن صراعات الكاتبة مع أفكارها ومحيطها.

 

الرؤية الذرائعية لعلاقة الفكر والشعور والنفسية بالنص:

1. الفكر (الأيديولوجيا): الكاتبة تبني الرواية على أسس فكرية تعكس موقفها من قضايا المجتمع والإنسانية.

2. الشعور (الحدس): الحدس الشعوري هو المحرك الأول للإبداع، حيث تصب الكاتبة عاطفتها في النصوص التي تحمل صدىً إنسانيًا عميقًا.

3. النفسية (التحليل النفسي): الرواية تمثل انعكاسًا نفسيًا لذات الكاتبة، حيث تتكشف مكنوناتها اللاواعية من خلال الشخصيات والأحداث.

الخلاصة:

    رواية وشم الهامسين هي صورة متكاملة لفكر وشعور ونفسية هالة البدري. الفكر يظهر في أيديولوجياتها العميقة، الشعور يتجلّى في حدسها وإبداعها الحسي، والنفسية تنعكس في عمق الشخصيات وصراعاتها، مما يجعل الرواية مرآة تعكس أعماق الكاتبة وتجربتها الإنسانية.

العبارة التي تقول:

"لم أختركِ يا هانم ولم تختاريني. نحن نبحث عن نقطة ننفذ منها وكنتِ أنتِ البوابة" تُلخص جوهر العلاقة بين الشخصيات في الرواية وأثرها على بعضها البعض. هذه الجملة تعبر عن مفهوم وجودي ونفسي عميق يشير إلى أن اللقاء بين الشخصيات لم يكن اختيارًا واعيًا، بل كان مدفوعًا بظروف أكبر منهما. فوفق :

1. النظرية الحدسية (Intuitionism):

العبارة تنبثق من عمق حدسي يستند إلى الشعور الفطري، حيث تعبر الكلمات عن إدراك داخلي للحالة الإنسانية أكثر من مجرد وصف سطحي للأحداث.

الحدس في النص:

العبارة تعكس وعيًا داخليًا يرفض فكرة الاختيار العقلي أو الإرادي، معتمدًا على الحدس الذي يرى أن اللقاء بين الشخصيتين لم يكن نتيجة قرار واعٍ بل نتيجة قوى داخلية أو قدرية.

البوابة كرمز:

استخدام كلمة "البوابة" يوحي بدلالة رمزية تتجاوز المعنى المباشر، حيث تعبر عن نقطة عبور روحية أو نفسية يمكن للقارئ تفسيرها بناءً على شعوره وحدسه الخاص.

التحليل الحدسي:

هذا النص ليس مجرد حوار بل حالة شعورية يتم إدراكها من خلال الحدس، حيث يعبر عن الترابط بين الشخصيات كحدث غير ملموس لكنه محسوس.

2. النظرية الأيديولوجية (Ideological):

من منظور أيديولوجي، العبارة تمثل رؤية فلسفية عن الإنسان والظروف التي تجمع بين الأفراد.

الاختيار والإرادة:

النص يطرح سؤالًا حول حرية الإنسان في اتخاذ قراراته، مشيرًا إلى أن الظروف والأحداث غالبًا ما تُسيطر على الإرادة الفردية. هذا يعكس أيديولوجية ترى أن الإنسان جزء من منظومة أكبر تتجاوز سيطرته.

البحث عن "النقطة":

العبارة تشير إلى صراع داخلي مشترك بين الشخصيتين، بحثًا عن الخلاص أو الهروب من واقع معين. "البوابة" في هذا السياق تمثل فرصة للتحرر من قيود مفروضة، سواء كانت اجتماعية أو نفسية.

التحليل الأيديولوجي:

العبارة تعبر عن موقف فكري يرى الإنسان ككيان يبحث عن التحرر في عالم مليء بالعوائق. العلاقة بين الشخصيتين ليست فقط شخصية بل تمثل التقاء أيديولوجيات أو رؤى للهرب من واقع قاسٍ.

3. النظرية السايكولوجية (Psychological):

من منظور نفسي، العبارة تُظهر ديناميكية عاطفية ولاواعية بين الشخصيتين، حيث تعبر عن احتياج متبادل لتحقيق التوازن النفسي.

الارتباط النفسي:

النص يوحي بأن الشخصيتين لم تختر بعضهما بناءً على وعي وإرادة، بل نتيجة احتياجات نفسية غير واعية. "النقطة" و"البوابة" تشير إلى رمزية العبور من أزمة نفسية إلى حالة أكثر توازنًا، حيث يمثل كل منهما علاجًا نفسيًا للآخر.

الإسقاط النفسي:

اعتبار الآخر "البوابة" يعكس إسقاطًا نفسيًا حيث يرى الفرد في الآخر طريقًا لتحقيق الذات أو التخلص من ألم داخلي.

التحليل السايكولوجي:

النص يُظهر صراعًا نفسيًا مشتركًا بين الشخصيتين، حيث تتشابك دوافعهما اللاواعية في البحث عن مخرج من أزمة داخلية. العبارة تُبرز كيف يمكن للإنسان أن يرى في الآخرين منفذًا لتحقيق ذاته أو تجاوز صراعاته النفسية.

 

الرؤية الذرائعية للنص وفق النظريات الثلاث:

 

1. البُعد الحدسي (الشعور): النص يعتمد على حدس عميق لتوصيل شعور بالارتباط القدري بين الشخصيتين.

2. البُعد الأيديولوجي (الفكر): العبارة تطرح رؤية عن غياب الإرادة الحرة وسيطرة الظروف في تشكيل العلاقات البشرية.

3. البُعد النفسي (النفسية): النص يعكس صراعًا نفسيًا مشتركًا بين الشخصيتين، حيث تمثل العلاقة بينهما مخرجًا من أزماتهما اللاواعية.

الفكرة المحورية

-        الاختيار والقَدَر:

الجملة تسلط الضوء على انعدام حرية الاختيار للشخصيات في تشكيل مصائرها. "البوابة" هنا رمز لنقطة تحول أو منفذ يؤدي إلى تغيير جذري في حياتهم.

-         النقطة والنفاذ:

الشخصيات تبحث عن "نقطة نفاذ"، مما يعني أنها محاصرة أو عالقة في وضع معين، سواء كان تاريخيًا، اجتماعيًا، أو نفسيًا. استخدام "البوابة" يرمز إلى الحاجة إلى وسيلة للهروب أو للتحرر.

-         الوشم كبوابة رمزية:

النساء الموشومات في الرواية يمكن أن يمثلن هذه "البوابة". الوشم، الذي يحمل رمزية ثقافية وتاريخية، يعبر عن التقاء الماضي بالحاضر، وعن استمرارية الأثر العاطفي والاجتماعي للأحداث السابقة.

-         العلاقة بين الشخصيات:

هذه الجملة تشير إلى أن الشخصيات ليست متصلة فقط بسبب رغبات فردية، بل بسبب قوى خارجية أكبر مثل التاريخ، السياسة، أو المجتمع، مما يجعلها أدوات أو بوابات لأحداث أوسع.

-        الرسالة

الرواية هنا تسلط الضوء على فكرة أن العلاقات الإنسانية ليست دائمًا نتيجة اختيار واعٍ، بل قد تكون نتاجًا لظروف قسرية، حيث يُجبر الأفراد على تحمل أدوار تتجاوز إرادتهم الشخصية. العبارة تساءل القارئ:

ما الذي يحكم مصائرنا؟

وهل يمكننا الهروب من الأدوار التي فُرضت علينا؟

الخلاصة:

العبارة في عمقها تمثل حالة إنسانية شاملة، حيث تتداخل الحدس، الأيديولوجيا، والنفسية لتُظهر كيف تتشابك المشاعر والفكر واللاوعي في بناء العلاقات البشرية.

هذا يجعل العبارة إحدى النقاط المحورية لفهم ديناميكية الشخصيات في الرواية وتأثير القوى الخارجية عليها.

 

مضامين أخرى :

-       الجسد:

تناولت الكاتبة هالة البدري موضوع الجسد في رواية "الهامسون" بجرأة تعكس تعقيدات العلاقة بين الجسد، الهوية، والمجتمع، يمكن تحديد الأساليب والمحاور التي استخدمتها الكاتبة لمعالجة هذا الموضوع:

1)    الجسد كهوية وثقافة:

عرضت الكاتبة الجسد بوصفه جزءًا من الهوية الثقافية والشخصية. من خلال رمزية الوشم والجسد كمساحات للتعبير عن الذات والتمرّد، عكست الرواية تصوّرات متعدّدة عن الجسد، سواء باعتباره مصدرًا للعار أو أداة للتحرّر.

2)    الجسد والجنس والصراعات الاجتماعية:

الجنس في الرواية متشابك مع البنى الاجتماعية والموروثات الثقافية. تُظهر الرواية كيف تؤثر الأعراف الاجتماعية على العلاقات الجنسية، خاصة فيما يتعلق بالمرأة، حيث تصطدم رغباتها الفردية بقواعد المجتمع.

3) الجسد والجنس كأداة للسيطرة والتمرد:

استخدمت الكاتبة مشاهد العلاقة الحميمة لاستكشاف ديناميات القوة …

كما ناقشت الرواية موضوع النشوة، وأوضحت  أنها تتجاوز مجرد حالة جسدية، لتصبح تجربة روحية ونفسية. فيما يلي جزء من النصوص المستخلصة:

-         نشوة جسدية وروحية:

في مشهد ( الزار) تصف الرواية مشاعر الشخصية خلال طقس يشمل الموسيقى والرقص، حيث تفقد الشخصية إحساسها بالعالم المادي وتختبر طاقة روحية تتحرر من القيود الاجتماعية والجسدية. تعكس هذه الحالة نشوة تتجسد في تواصل عميق مع الذات والعالم.

يظهر ذلك في سؤال الشخصية عن طبيعة اللذة وتأثيرها في الحياة اليومية.

" أخبرتني جدتك أن أمها  شام  سألتها يومًا عن معنى النشوة؟ احتارت كيف تحكي لها، لم نعتد الكلام عن مشاعرنا فما بالك عن الجنس".

-         ربط النشوة واللذة بالإبداع والألم :

النصوص تشير أيضًا إلى أن النشوة ترتبط بالحواس وباللذة المصاحبة للإبداع والتعبير عن الذات:

وهو مفهوم مبتكر قدمته الكاتبة هالة البدري عن ارتباط النشوة واللذة بالألم المصاحب للتعبير عن الإبداع، في هذه الفقرة:

     "هل تتحول الآلام في أثناء عملية اختراق الجلد(الوشم) إلى حالة نشوة ولذة؟ أم أن هذا التحول مرتبط بظروف تاريخية واجتماعية مرّ بها الانسان البدائي الذي احس الاشياء من حوله اكثر مما رآها: أنغام

ورائح وإيقاعات وأشكال وألوان، وتقبل عالم. كائنات الغابة التي تناضل للبقاء بتفتح حيّ هائل للحواس دون وجل؟" ص37

الكاتبة هالة البدري في هذه الفقرة تطرح تساؤلًا عميقًا حول العلاقة بين الألم واللذة، خاصة في سياق عملية الوشم، وهي عملية إبداعية. إذ تتساءل ما إذا كانت الآلام الناتجة عن اختراق الجلد قد تتحوّل إلى حالة من النشوة واللّذّة، ممّا يشير إلى تأثير الوعي الجسدي على الأحاسيس النفسية. ولكن السؤال الأعمق هنا هو ما إذا كانت هذه التجربة مرتبطة بشروط تاريخية واجتماعية معينة، مثل تلك التي مرّ بها الإنسان البدائي.

الإنسان البدائي كان يتفاعل مع العالم من حوله بطريقة فطرية وحسية، حيث كانت الحواس هي الطريقة الأساسية لإدراك الواقع. لم يكن هذا الإدراك مقتصرًا فقط على ما يراه، بل كان يشمل أيضًا ما يسمعه، ويشمّه، ويشعر به. وقد تكون هذه الحواس المتناغمة والمفتوحة على الطبيعة قد ساعدت الإنسان البدائي في أن يعيش حالة من التقبل العميق للعالم، بما فيه من ألم ولذة، كما يظهر في عملية الوشم التي قد تكون محفزة لنشوة مرتبطة بتلك الحواس المتفتحّة.

الحديث عن "كائنات الغابة" يشير إلى هذا الاندماج مع الطبيعة، حيث يتقبل الإنسان كل ما يحيط به بدون خوف أو تردد. في هذا السياق، فإن الألم لا يُنظر إليه فقط كعذاب، بل قد يتحوّل إلى تجربة حسية وجمالية تجعل منه جزءًا من النشوة. هذا التحوّل قد يعكس كيف أن الإنسان، في ظل ظروفه التاريخية والاجتماعية، قد يعيد تشكيل علاقته بالألم واللذة.

بذلك، لا تقدّم البدري فقط تساؤلًا حول الألم والنشوة في الوشم، بل تستخدم هذا السياق لاستكشاف العلاقة العميقة بين الإنسان وبيئته، وحساسيته تجاه الجسد والمشاعر في مختلف الأزمنة والظروف.

-        المرأة الشرقية :

تعرض الكاتبة في الرواية لآراء فلوبير حول المرأة الشرقية، بإنموذج "كاوتشوك هانم"، تُعتبر آراؤه جزءًا من الموروث الأدبي الاستشراقي الذي انتقده لاحقًا مفكرون مثل إدوارد سعيد. تحليل هذه الآراء يستوجب النظر إلى كيفية انعكاسها على تصوّره للمرأة الشرقية ككل، وذلك وفق السياقات التاريخية والثقافية التي كان يكتب فيها:

1. فلوبير و"كاوتشوك هانم":

تعتبر "كاوتشوك هانم" أيقونة بالنسبة لفلوبير، حيث جسّدت في نظره صورة رومانسية للمرأة الشرقية. وصفها فلوبير في كتاباته بصفات جسدية وجمالية، لكنه أغفل فرديتها أو أية أبعاد إنسانية معقدة، مما يعكس رؤية استشراقية نمطية.

العلاقة بين فلوبير و"كاوتشوك هانم" كانت محكومة بالتفاوت الطبقي والثقافي، وهو ما يظهر في كتاباته التي تعاملت معها كرمز للشرق الغامض أكثر من كونها شخصية إنسانية مستقلة.

2. المرأة الشرقية في رؤية فلوبير:

ركّز فلوبير في تصويره للمرأة الشرقية على الجوانب الجسدية والجمالية، مما ساهم في تعزيز الصور النمطية عن النساء في الشرق بوصفهن مخلوقات مثيرة وغامضة.

تجاهل أدوار النساء في مجتمعاتهن، وقدمهن كشخصيات سلبية أو خاضعة، مما يعكس عدم فهم حقيقي للتعقيدات الثقافية والاجتماعية.

3. نقد استشراقيته:

تناول إدوارد سعيد هذه النظرة في كتابه "الاستشراق"، حيث أشار إلى أن فلوبير وغيره من الأدباء الغربيين استخدموا النساء الشرقيات كرموز ثقافية لتبرير هيمنة الغرب على الشرق.

وفقًا لسعيد، فإن تصوير فلوبير للمرأة الشرقية يخدم الأيديولوجيات الاستعمارية، حيث يعيد إنتاج صورة الشرق بوصفه مساحة خاضعة ومفتوحة للاستغلال.

4. تحليل الرواية "الهامسون" لهذه الآراء:

يبدو أن الرواية تستدعي آراء فلوبير لتفكيكها وتسليط الضوء على الاستشراق كأداة أدبية واجتماعية.

يظهر تساؤل الشخصيات عن "كاوتشوك هانم" نقدًا ضمنيًا للرؤية الاستشراقية التي تحصر المرأة الشرقية في صورة أحادية الأبعاد.

بالنتيجة:

آراء فلوبير عن "كاوتشوك هانم" كامرأة شرقية،  تُبرز التوتر بين الأدب والاستشراق، حيث يتجلى دور الأدب في تشكيل صور نمطية عن الآخر. تناول هذا الموضوع في "الهامسون" يعكس رغبة في إعادة النظر في هذه الصور وتقديم سرد أكثر تعقيدًا واحترامًا لتجربة المرأة الشرقية.

 

-       مضمون سياسي :

جيل السبعينات:

تناول الكاتبة لجيل السبعينات في رواية "الهامسون" يعكس رؤية متعددة الأبعاد لهذا الجيل الذي شهد تغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية عميقة في العالم العربي، خاصة في مصر. يظهر هذا الجيل كمحور لصراعات التحول، حيث يربط بين إرث الماضي وتطلعات المستقبل.

1. الظروف الاجتماعية والسياسية لجيل السبعينات:

شهد جيل السبعينات تحولات كبرى مثل انتهاء الناصرية، وانفتاح مصر على العالم بعد حرب أكتوبر 1973، ما أدى إلى تغيرات جذرية في البنية الاجتماعية والسياسية. تعكس الرواية حالة الاغتراب التي عاشها هذا الجيل بسبب التغيرات السريعة، مثل الانفتاح الاقتصادي وتأثير العولمة، مما ولّد شعورًا بالحنين إلى الثوابت التقليدية.

2. الجيل كجسر بين التقاليد والحداثة:

يظهر جيل السبعينات في الرواية كمرحلة انتقالية تربط بين جيل الآباء الذي عاش الصراعات الكبرى (مثل الاستعمار والاستقلال) وجيل الأبناء الذي يواجه تحديات العصر الحديث.

تعبر الرواية عن الصراع الداخلي لهذا الجيل، الذي حاول الموازنة بين الحفاظ على القيم التقليدية وتبني التغيرات الحديثة، سواء على مستوى العلاقات الاجتماعية أو الثقافية.

3.    التأثير الثقافي والفكري:

كان لجيل السبعينات دور كبير في الحركة الثقافية، حيث تأثر بتيارات فكرية عالمية مثل الوجودية والماركسية، مما انعكس على الأدب والفن.

تشير الرواية إلى تأثير الأدباء والمفكرين العالميين مثل سارتر وفلوبير وإدوارد سعيد على وعي هذا الجيل، مما يظهر اتساع أفقه الثقافي وتطلعه لفهم العالم من منظور أوسع.

4.     الجانب الإنساني والتجربة الشخصية:

تنقل الرواية صراعات أفراد هذا الجيل، مثل خالد، في البحث عن الهوية والانتماء وسط التغيرات. تتحدث عن تأثير البيئة الأسرية والتراث على تشكيل وعي هذا الجيل.

هناك تركيز على القضايا الشخصية مثل الحب، العلاقات الأسرية، وتحديات العمل، والتي كانت محكومة بالتغيرات الاجتماعية السائدة.

5.    النقد الاجتماعي والحنين:

الكاتبة تستعرض جيل السبعينات بروح نقدية، حيث تشير إلى التناقضات التي عاشها الجيل بين الطموحات الكبرى والقيود المفروضة عليه.

يظهر الحنين في النصوص من خلال إشارات متكررة إلى ذكريات الماضي والأوقات البسيطة مقارنة بتعقيدات الحاضر.

خلاصة:

جيل السبعينات في "الهامسون" يمثل فترة زمنية مفصلية مليئة بالتغيرات والصراعات. الكاتبة تُظهر هذا الجيل كجسر ثقافي واجتماعي بين عوالم متعددة، وتجسد من خلاله التحولات الكبرى التي أثرت على الهوية الفردية والجماعية. التحليل يعكس رؤية الرواية المتشابكة لهذه الحقبة، باعتبارها نقطة انطلاق لتحولات عميقة ما زالت آثارها واضحة.

-        شخصيات وحوادث تاريخية وسياسية :

سليمان خاطر، الجندي المصري الذي قتل 12 سائحًا إسرائيليًا يوم 5 أكتوبر 1985، هو رمز مركزي في التاريخ المصري الحديث يعكس الصراع بين الأفراد والسلطة، وأيضًا بين القضايا الوطنية والقوانين الدولية. الواقعة تعكس مشاعر معقدة تجاه معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في عام 1979.

سياق الحادثة:

سليمان خاطر كان جنديًا يؤدي خدمته العسكرية في سيناء عندما أطلق النار على مجموعة من السياح الإسرائيليين الذين اخترقوا منطقة عسكرية محظورة.

أشار خاطر في دفاعه إلى أنه كان يؤدي واجبه في حماية حدود بلاده، بينما أُدين لاحقًا وحُكم عليه بالسجن، حيث وُجد ميتًا في ظروف غامضة في السجن عام 1986

تحليل الحدث في سياق الرواية:

إذا كان هذا الحدث قد ورد ذكره في الرواية "الهامسون"، فإنه قد يشير إلى تداخل القضايا الوطنية الكبرى مع حياة الشخصيات الفردية. سليمان خاطر يجسد فكرة:

1. الصراع بين الوطنية والقانون:

هل يحق للفرد أن يتصرف بناءً على إحساسه بالعدالة الوطنية إذا تعارض ذلك مع القوانين الرسمية؟

هذا الصراع قد يكون موازيًا للأزمات النفسية والاجتماعية التي تعاني منها الشخصيات في الرواية.

2. رمزية سليمان خاطر:

قد يُستخدم كشخصية رمزية تمثل المقاومة ضد الظلم، حتى لو كان الظلم على مستوى دولي أو نظامي.

ارتباط اسمه بالوشم قد يكون وسيلة لإحياء الذاكرة الوطنية وربط الماضي بالحاضر.

3. القهر والتمرد:

كما أن سليمان خاطر تمرد على الوضع السياسي آنذاك، يمكن أن يكون ذِكره في الرواية تجسيدًا لفكرة التمرد على القوى القهرية التي تحاصر الشخصيات، سواء كانت اجتماعية أو سياسية.

الرسالة الممكنة:

الحدث يعكس قدرة الفرد على أن يصبح رمزًا لمقاومة القهر، ولكن بثمن شخصي كبير.

الرواية قد تُعيد استكشاف هذا الحدث من زاوية التأثير النفسي والاجتماعي على الأفراد المرتبطين به أو المتأثرين بصراعات مماثلة.

يمكن التركيز على العناصر التالية التي تعكس استخدام الرواية لهذه الواقعة التاريخية:

1. سليمان خاطر كرمز سياسي ونفسي:

إذا ورد ذكر سليمان خاطر في الرواية، فمن المحتمل أن يوظف الحدث لإظهار صراع الشخصيات مع الظلم أو السلطة. الرواية قد تستعير رمزية سليمان خاطر كفرد قاوم قهرًا سياسيًا، وتُسقطها على شخصيات أخرى تسعى للتحرر من قيود اجتماعية أو سياسية.

2. الوشم كوسيط للذاكرة الوطنية:

الوشم، كما يبدو من الرواية، يحمل رمزية عميقة، وقد يكون مرتبطًا بذكر سليمان خاطر كطريقة لإحياء الذاكرة الجماعية.

الوشم يمكن أن يُستخدم لتجسيد أفكار المقاومة أو كوسيلة تعبير عن الصراعات النفسية الناتجة عن قضايا وطنية عالقة

3. إعادة تفسير الحادثة:

الرواية قد تعيد تفسير حدث سليمان خاطر من منظور إنساني، مركزة على تأثير القرار الذي اتخذه …

 

حادثة سعد حلاوة :

    تُعد من الأحداث المحورية في التاريخ السياسي المصري الحديث، خاصة في سياق العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد توقيع اتفاقية السلام عام 1979. الحادثة وقعت في فبراير 1980 عندما قام سعد حلاوة، وهو مواطن مصري من قرية ميت الصارم في محافظة الدقهلية، باحتجاز عدد من الرهائن في مركز بريد قريته مطالبًا بطرد السفير الإسرائيلي الذي تم تعيينه حديثًا في مصر كجزء من تنفيذ معاهدة كامب ديفيد.

تفاصيل الحادثة:

1. الاحتجاز والمطالب: حلاوة احتجز الموظفين في مكتب البريد كرهائن، معبرًا عن رفضه الشخصي لوجود علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. طالب بطرد السفير الإسرائيلي، مما جعله رمزًا شعبيًا للمقاومة الوطنية رغم الأسلوب العنيف الذي استخدمه.

2. نهايته: بعد مواجهة مع السلطات استمرت عدة ساعات، قُتل حلاوة على يد قوات الأمن المصرية.

3. رمزيته: الحادثة أثارت جدلًا واسعًا في مصر، حيث نظر إليه البعض كبطل قاوم التطبيع مع إسرائيل، بينما رأى آخرون أنه تجاوز حدود القانون.

 

كيفية توظيف الرواية لهذا الحدث:

في سياق رواية الهامسون، توظيف حادثة سعد حلاوة يمكن أن يتم عبر عدة محاور رمزية وسياسية:

1. رمزية الصراع الفردي ضد السلطة: سعد حلاوة يمثّل الفرد الذي يقف بمفرده أمام النظام السياسي، تمامًا كما قد تكون الشخصيات في الرواية تعاني من صراعات فردية ضد قوى أكبر، سواء كانت سياسية، اجتماعية، أو نفسية.

2. ربط الماضي بالحاضر: الرواية قد تستخدم حادثة حلاوة كاستدعاء لزمن الصراعات السياسية الكبرى التي شكلت الهوية الوطنية المصرية. هذا يمكن أن يظهر عبر الشخصيات التي تتأمل في أثر تلك الأحداث على حاضرها.

3. الوشم كذاكرة وطنية: إذا كان الوشم يمثل نقطة النفاذ للشخصيات، فقد يرتبط بقصص مثل سعد حلاوة باعتبارها أحداثًا تركت ندوبًا في الروح الوطنية، تمامًا كما يترك الوشم علامة دائمة على الجسد.

4. النقد السياسي: الرواية قد تُبرز حادثة سعد حلاوة كرمز للرفض الشعبي لاتفاقية السلام، مع التركيز على المشاعر الوطنية التي تتعارض مع القرارات السياسية الرسمية.

5. الثمن الشخصي للمقاومة: من خلال توظيف هذه الحادثة، يمكن للرواية أن تناقش كيف أن التمرد على الظلم أو القهر السياسي يأتي بثمن كبير يدفعه الأفراد، سواء كان ذلك الثمن حياتهم، أو سمعتهم، أو حريتهم.

الرسالة:

حادثة سعد حلاوة تمثل حالة فريدة من الصراع بين القيم الوطنية والفردية والقوانين الدولية. عبر توظيفها، قد تسعى الرواية لإثارة أسئلة أعمق:

هل يمكن للفرد أن يُحدث تغييرًا حقيقيًا ضد سلطة سياسية قوية؟

كيف تُشكل الأحداث الكبرى الهوية الفردية والوطنية؟

ما الذي يجعل من شخصٍ مثل سعد حلاوة رمزًا يُحتفى به رغم النهاية المأساوية؟

 

حادثة دنشواي وإبراهيم ناصف الورداني :

حادثة دنشواي، التي وقعت في 13 يونيو 1906، كانت نقطة تحول هامة في تاريخ الحركة الوطنية المصرية. في تلك الحادثة، تعرضت مجموعة من الفلاحين المصريين لمعاملة قاسية من قبل الاحتلال البريطاني، مما أثار مشاعر الغضب والاحتجاج في المجتمع المصري.

إبراهيم ناصف الورداني، الذي وُلد عام 1886، كان صيدليًا مصريًا وعضوًا في الحزب الوطني الذي أسسه مصطفى كامل. تأثر الورداني بحادثة دنشواي، حيث شعر بالظلم الذي تعرض له الفلاحون المصريون على يد الاحتلال البريطاني. في عام 1910، قرر الورداني الانتقام لمجزرة دنشواي باغتيال بطرس غالي، رئيس الوزراء المصري في ذلك الوقت، الذي كان يُعتبر خائنًا للوطن بسبب تعاونه مع الاحتلال البريطاني.

في 20 فبراير 1910، أطلق الورداني النار على بطرس غالي أمام وزارة الخارجية في القاهرة، مما أدى إلى مقتله. تم القبض على الورداني، ومحاكمته، وأدين بجريمة القتل العمد، حيث حكم عليه بالإعدام. تم تنفيذ حكم الإعدام في 28 يونيو 1910، ليصبح الورداني بطلًا قوميًّا في نظر الكثير من المصريين.

تُعد حادثة دنشواي واغتيال بطرس غالي من الأحداث البارزة التي ساهمت في إشعال مشاعر الوطنية والمقاومة ضد الاحتلال البريطاني في مصر.

رمزية حادثة قتل إبراهيم الورداني لبطرس غالي في الأدب العربي قد تكون مرتبطة بعدد من المعاني والدلالات التي تعكس الصراع الاجتماعي والنفسي. هذا الفعل قد يعكس التوترات بين الشخصيات التي تمثل تيارات فكرية أو اجتماعية متضادة، حيث يعبر الورداني عن حالة من الغضب أو الانتقام ضد بطرس غالي الذي قد يمثل نظامًا أو فكرًا مخالفًا لمعتقداته أو توجهاته. يمكن أن تشير هذه الرمزية إلى تمرد الورداني ضد سلطات أو قيم معينة، ورفضه للوضع القائم الذي يمثله بطرس.

من ناحية أخرى، قد يمثل القتل تحولًا دراميًا في الشخصيات، حيث يمكن أن يكون خطوة نحو تحرر الورداني من قيود الماضي أو التقاليد التي كان يمثلها بطرس، أو تعبيرًا عن عملية صراع داخلي مع الذات، بما يعكس الصراع بين الرغبات الشخصية والواجبات الاجتماعية.

رسالة حادثة قتل إبراهيم الورداني لبطرس غالي يمكن أن تتنوع حسب السياق الأدبي والاجتماعي الذي تُطرح فيه. هذه الحادثة قد تحمل رسائل عدة، أبرزها:

1. التمرد على السلطة والنظام القائم: قد يُنظر إلى قتل بطرس غالي كرمزية للتمرد ضد الأنظمة الاستبدادية أو الفكرية التي تسعى لتقييد الفرد وتحديد مصيره. قد يعكس ذلك رغبة الورداني في التخلص من القيود المفروضة عليه من قبل الشخصيات أو القوى التي تمثل السلطة.

2. صراع القيم والأيديولوجيات: القتل قد يعكس صراعًا بين فكرين أو قيم متناقضة. الورداني قد يمثل تيارًا فكريًا أو اجتماعيًا يرى أن بطرس غالي، الذي يمثل قيم أو أفكارًا مغايرة، يشكل تهديدًا لهويته أو مستقبله، ما يجعله يلجأ إلى العنف كوسيلة لحسم هذا الصراع.

3. عنف النفس والوجود: الحادثة قد تحمل دلالة عن العنف الداخلي الذي يعيشه الورداني، وهو صراع بين رغباته النفسية والفكرية وما يتوقعه المجتمع منه. القتل قد يكون تجسيدًا لهذا الصراع الداخلي، حيث يعبر عن محاولة للتخلص من جزء من الذات لا يتوافق مع تطلعاته.

4. التبعات النفسية والاجتماعية للقرارات المتطرفة: يمكن أن تحمل الحادثة أيضًا رسالة حول العواقب الوخيمة التي قد تنجم عن اتخاذ قرارات متطرفة في سبيل تحقيق هدف معين. قتل بطرس غالي قد يؤدي إلى تأزم الموقف وزيادة تعقيد الحياة الشخصية والاجتماعية للورداني.

 

5. التحدي لأيديولوجيات قديمة: قد تبرز الحادثة كرمزية لتحدي الأيديولوجيات القديمة التي يمكن أن تكبح تطور الشخص أو المجتمع. الورداني، من خلال هذه الحادثة، قد يكون يعبر عن رفضه لفكر بطرس غالي باعتباره جزءًا من الماضي الذي لا يتناسب مع تطلعاته المستقبلية.

هذه الرسائل قد تكون متشابكة وتعتمد على تفسير السياق الأدبي للمؤلف ومدى تأثير الشخصيات والأحداث في تطور الرواية أو العمل الأدبي.

 

-       مضمون اجتماعي:

تناولت رواية الهامسون لهالة البدري قضايا اجتماعية معقدة تُبرز التصدعات داخل الأسرة والمجتمع، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الأسرية غير السوية وتأثيرها العميق على الأفراد. من خلال العلاقة المتوترة بين الأم وابنتها هنية، كشفت الرواية عن أنماط التنشئة القائمة على التمييز والتفريق بين الأبناء، والتي تؤدي إلى مشاعر الإحباط والاغتراب العاطفي، مما يعكس خللًا جوهريًا في قيم العدالة الأسرية.

برز موضوع إجبار هنية على ترك خطيبها والزواج من زوج أختها المتوفاة كأحد مظاهر الضغط الاجتماعي والثقافي الذي يمارس على النساء، حيث سلطت الرواية الضوء على استلاب الإرادة الفردية لصالح الأعراف والتقاليد. هذا الصراع بين رغبة الفرد ومتطلبات المجتمع يعكس الصدام بين الحرية الشخصية والقيود الاجتماعية، مما يجعل الرواية مرآةً لتجارب حقيقية تعانيها العديد من النساء في المجتمعات التقليدية.

أظهرت الكاتبة ببراعة كيف تتحول الأسرة، التي يُفترض أن تكون مصدر الأمان، إلى ساحة صراع تُزرع فيها بذور الألم والندوب النفسية. وقدمت الرواية نقدًا عميقًا للمفاهيم الموروثة عن الواجبات الأسرية التي تُفرض دون اعتبار لرغبات الأفراد واحتياجاتهم العاطفية.

ختامًا، تُعد الهامسون عملاً أدبيًا مهمًا يعرّي الجوانب المظلمة من العلاقات الأسرية في المجتمعات العربية، ويطرح أسئلة جوهرية حول مدى تأثير الثقافة والعادات على حرية الأفراد وسعادتهم. من خلال معالجة هذه القضايا، لم تسهم الرواية فقط في فتح باب النقاش حول المشكلات الاجتماعية، بل دعت القارئ أيضًا إلى التفكير في سبل إصلاح هذه التحديات بما يضمن التوازن بين الفرد والمجتمع.

-       مضمون تاريخي :

أوردت الكاتبة قصة قيام محمد علي بقتل وتهجير الغجر من مصر هي إحدى القصص التاريخية التي يعتقد البعض أنها جزء من تاريخ مصر في عهد محمد علي، لكن من الناحية التاريخية الدقيقة، لا توجد سجلات موثقة بشكل واضح تؤكد حدوث هذه الواقعة بشكل رسمي. القصة قد تكون مبنية على إشاعات أو روايات متناقلة عبر الأجيال، وقد تكون جزءًا من الحكايات الشعبية حول القمع الاجتماعي أو الطرد الذي تعرض له بعض الفئات في المجتمع في فترات مختلفة.

إذا كانت الكاتبة هالة البدري قد اختارت تضمين هذه القصة في روايتها "الهامسون"، فمن المحتمل أنها ليست بالضرورة عرضًا دقيقًا للأحداث التاريخية، بل ربما تم استخدامها كأداة رمزية أو أدبية لتعزيز بعض المواضيع أو الدلالات في الرواية. قد تكون دلالة القصة على عدة مستويات:

1. القمع والتهجير الاجتماعي: القصة قد تشير إلى سياسة القمع والتهجير التي مارستها السلطات في فترات معينة ضد فئات اجتماعية معينة، مثل الغجر أو غيرهم من المجموعات المهمشة. يمكن أن تكون هذه الدلالة تعبيرًا عن التوترات بين السلطة والفئات الاجتماعية الهامشية.

2. التمييز الاجتماعي: القصة قد تُستخدم للإشارة إلى كيفية التعامل مع الأقليات في المجتمع وكيف يمكن للمجتمعات الأكثر هيمنة أن تمارس العنف أو التمييز ضد الفئات التي تعتبرها "غريبة" أو "غير مرغوب فيها".

3. التاريخ وعلاقته بالهوية: قد تكون هذه القصة تمثل علاقة التاريخ بالصراعات العميقة التي تمر بها الشخصيات في الرواية، بحيث يُستحضر التاريخ لتوضيح تأثيره على الهوية الفردية والاجتماعية.

في النهاية، سواء كانت القصة دقيقة من الناحية التاريخية أو لا، فإن دلالتها في السياق الأدبي تساهم في تعزيز موضوعات مثل الظلم الاجتماعي، القوة، والهويات الجماعية المتأثرة بالتاريخ.

 

-       مضمون ثقافي :

تناولت هالة البدري موضوع الفساد في الوسط الثقافي. وهو موضوع يمكن أن يُنظر إليه كجزء من التوتر بين المثالية الثقافية والتحدّيات الاجتماعية، التي تخلق بيئة مليئة بالازدواجية والانتهازية. يمكن أن يظهر الفساد الثقافي في صور عدة: من خلال الشخصيات التي تسعى وراء الشهرة الأدبية أو الفعالية الثقافية على حساب القيم الإنسانية أو الاجتماعية، إلى المثقفين الذين يقدّمون أنفسهم كأدوات نقدية رفيعة بينما يتورطون في علاقات مشبوهة أو مصالح ضيقة.

قد تتداخل هذه الصور مع أسئلة حول الأصالة والمصداقية في الإنتاج الثقافي، حيث يصبح الفن والكتابة مجرد أداة لتحقيق مكاسب شخصية أو اجتماعية، ما يؤدي إلى أزمة في الهوية الثقافية والنقدية. هذا الفساد في الوسط الثقافي يعكس، في الواقع، أزمة أوسع في المجتمع حيث تتداخل المصالح الشخصية مع القيم الجماعية.

رُفضت مسرحية عباس ماهر من إدارة المسرح من قِبل لجنة من كبار النقاد والمؤلفين بعد أن رفضت أيضا من قبل قصور الثقافة لأنها جاءت أعلى من الفن كما جاء بتقريرهم:

" لا مجال لاتهام مدير القصر، علي صميدة، بأنه وراء الرفض. هذه لجنة من كبار النقاد والمؤلفين. هل أثّر فيهم عدم ترشيح عملي للتنفيذ في أي قصر ثقافة آخر بعد أن أوقفت هنا؟ مجرد احتمال، والاحتمال الآخر أن أفكار المسرحية الجديدة جاءت أعلى من الفن كما جاء في تقريرهم." ص 130

رفض مسرحية عباس ماهر من قبل إدارة المسرح ولجنة من كبار النقاد والمؤلفين قد يعكس صراعًا بين الفن وقيود المؤسّسات الثقافية في المجتمع. إذا كانت المسرحية قد "جاءت أعلى من الفن" كما ورد في تقرير لجنة قصور الثقافة، فهذا قد يعني أنها تتحدى المفاهيم التقليدية للفن المسرحي أو تطرح أفكارًا تثير الجدل أو تطلب مخاطرة فنية كبيرة.

هذا النوع من الرفض يطرح تساؤلات عن الحدود التي يضعها الوسط الثقافي بين الفن "الآمن" المقبول وبين الفن الذي يتجاوز التوقعات أو الأطر التقليدية. قد يعكس هذا أيضًا فكرة الخوف من التجديد أو التغيير داخل الثقافة الرسمية أو المؤسسات التي تميل إلى المحافظة على المعايير المألوفة.

من جهة أخرى، فإن هذا الرفض يمكن أن يُنظر إليه على أنه نقد ضمني لفرص الإبداع في الساحات الثقافية التي قد تكون مشبعة بالمصالح الشخصية أو السياسية، ما يؤدي إلى تجاهل الأعمال التي تثير الأسئلة الكبرى أو تميل إلى كسر القوالب التقليدية للفن.

 

-       مضمون  روحاني:

تناولت الكاتبة موضوع  الطاقة الكونية  والتصوّف من خلال رؤية شخصية  المهندس الشيخ حسين.

 تناول الشيخ حسين مفهوم "مسارات الكون وأوردته" ضمن سياق فلسفي وروحي. يدور النص حول العلاقة بين الإنسان والطاقة الكونية، حيث يُبرز دور التأمل والفهم الروحي في التفاعل مع هذه الطاقة. النص يطرح أفكارًا رئيسية تتعلق بما يلي:

1. الكون كمنظومة طاقة:

" الكون حالة تردّد يا رأفت، لا وجود للمادة، وهو حالة اهتزاز. ... العالم كله حالة كهرومغناطيسية، علاقات هندسية " ص 159

يتحدّث النص عن الكون ككيان حي مترابط من خلال مسارات وأوردة تحمل الطاقة. هذه الطاقة تتأثر بأفعال الإنسان وأفكاره، مما يعكس تفاعلًا مستمرًا بين الداخل والخارج.

2. الطاقة الداخلية والتوازن:

"... حين يصل الشخص إلى التوازن الكامل ستكون الأشكال واحدة، الدائرة والنقطة عند ابن عربي، الإنسان الكامل. في سورة يوسف " فلما رأينه أكبرنه". " ص 160

يربط النص بين الطاقة الداخلية للإنسان ومسارات الكون، حيث يشير إلى أهمية تحقيق التوازن الداخلي للوصول إلى الانسجام مع الكون. ويُشدّد على أن الطاقة المحتبسة داخل الإنسان يمكن أن تتحرر عبر التأمل، مما يؤدي إلى شعور بالراحة والانسجام.

3. التجربة الروحية:

" الآن أنت لست عابرة، ابدئي بترديد لا إله إلا الله خمسمائة مرة، وسيبدأ النظام في إعادة صياغة نفسه، وكلما ردّدت هذه الجملة يستجيب الكون، وتنطلق خارجك الطاقة البينية المحتبسة التي تسبب لك الألم. تستسلم الجزيئات التي تشدّ بعضها بعنف، تترك نفسها للطفو وتشعر أنها عائمة ثم تموت رغم استمرار الجسم متماسكًا. تعرفين بالطبع أن الجزيء كائن حي منفصل" ص 162

يناقش النص تجربة التأمل بوصفها وسيلة لفهم "المصفوفة الكونية". يشير الشيخ حسين إلى أن التأمل العميق يمكن أن يساعد الإنسان على رؤية مكانه في الكون بشكل أوضح وفهم العلاقات التي تربطه بالعالم من حوله.

4. الصوفية وعلم الطاقة:

" تنفتح الطاقة فينفذ الضوء داخلك، وأنت تتعمّقين في لا إله إلا الله، فجأة تشعرين أنك ترغبين في النوم بشدة، لا تنامي! قومي بعمل توازن أعلى، "زن" مثل الهندوس، مثل النيرفانا بصورة ما، في كل مرة نعطيها اسمًا إذا حولتها إلى نمط فقدتها. ولاحظي أن الشيطان يشتت لك الطاقة الجيدة التي بداخلك إلى مائة مكان، أقصد المعنى المجازي بالطبع. إذا عرفت الله داخلك يتيسر لك كل شيء" ص 162-163

يعكس النص تداخلًا بين الفكر الصوفي وعلم الطاقة. يظهر ذلك من خلال الدعوة إلى التنقية الداخلية عبر الاستغفار والتأمل لتخليص النفس من العوائق التي تمنعها من التفاعل مع الطاقة الكونية بشكل إيجابي.

5. الرمزية في الحديث عن المسارات والأوردة :

استخدام مصطلحات مثل "المسارات والأوردة " يعكس رؤية رمزية للطاقة، حيث يتم تقديم الكون كجسد حي، وكل إنسان جزء منه. هذا الطرح يقترح أن فهم الذات يمكن أن يؤدي إلى فهم أعمق للكون.

هذا الطرح في الرواية يعكس نهجًا فلسفيًا يمزج بين الروحانية والعلم الحديث. يمكن فهم هذه المفاهيم ضمن سياق البحث عن معنى أعمق للحياة ودور الإنسان في الكون.

الخلاصة

من خلال هذه المواضيع، يعمل العمل الروائي على تصوير التفاعلات المستمرة التي تشكل الديناميكيات الذرائعية وتؤدي إلى التطورات المفاجئة أو التدريجية في مسار الأحداث.

 

3-   التشويق :

عنصر التشويق في المستوى الديناميكي الذرائعي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالصراع الدائم والتحولات السريعة في الأحداث والشخصيات، وهو يعكس تفاعل القوى الداخلية والخارجية التي تخلق توترًا متزايدًا في النص. من خلال النظر إلى التشويق من منظور ذرائعي، يمكن ربطه بعدة آليات:.

عوامل التشويق في الرواية:

-        الغموض حول الهامسون: من العنوان

من أين تأتي؟

هل هي أصوات حقيقية أم نتاج خيال الشخصيات؟

ما علاقتها بالوشوم؟

هذا الغموض يُحفّز القارئ على متابعة القصة بحثًا عن إجابات.

-         التوتر النفسي:

الشخصيات تعيش صراعًا داخليًا بين الإذعان للأصوات ومحاولة مقاومتها.

تُظهر الرواية كيف تدفع الهامسات الشخصيات إلى اتخاذ قرارات خطيرة أو كشف أسرار مظلمة، مما يزيد من حدة التوتر.

-        الحبكة المتشابكة:

الرواية تطرح خيوطًا متعددة للأحداث، كل شخصية لديها مسار خاص يتقاطع مع الآخرين بطريقة غير متوقعة، مما يجعل القارئ يتساءل عن الرابط النهائي بين الجميع.

-        الوشوم كرمز مجهول:

كيف تظهر هذه الوشوم؟ ولماذا على أشخاص بعينهم؟

الغموض حول الوشوم يزيد من التشويق، حيث تصبح كل علامة مفتاحًا لفهم أعمق للقصة.

-        التحولات المفاجئة:

الرواية مليئة بمفاجآت غير متوقعة، مثل تغيرات الشخصيات المفاجئة، أو اكتشافات جديدة تغير مسار السرد بشكل كامل.

-        التمرد ضد النظام: عندما تتحرك الشخصيات في اتجاه التمرد على القوى أو الأعراف التي تحكم حياتهم، فإن هذا التمرد يخلق ديناميكية مشوقة تثير الفضول حول كيفية سير الصراع وكيف ستؤثر هذه المقاومة على تطور الشخصيات والأحداث. التشويق هنا ينبع من البحث عن النتائج التي سيؤدي إليها هذا الصراع.

-         الصراع بين الأهداف الداخلية والخارجية: الشخصيات التي تواجه صراعات داخلية تتعلق بالقرارات الشخصية أو الأخلاقية تتفاعل مع قوى خارجية تشكل تهديدًا لنجاحهم أو استقرارهم. التشويق يظهر في تلك اللحظات الحرجة التي يمكن أن تخلق تغييرات جذرية، مما يجعل القارئ يتسائل عما سيحدث بعد ذلك.

-         إدارة المعلومات والتشويش الذهني: عندما يتم تقديم المعلومات بشكل تدريجي أو مموه، فإن هذا يخلق غموضًا حول ما سيحدث في المستقبل. تسعى الشخصيات لفهم واقعها أو ماضيها من خلال قراراتها وأفعالها، بينما يسعى القارئ لمعرفة الحقيقة وراء هذه الألغاز، مما يعزز عنصر التشويق.

كيف يُستخدم التشويق؟

الرواية تعتمد على التشويق كوسيلة لجذب القارئ ودفعه للتعمق في القصة، مع تأجيل الإجابات عن الأسئلة المحورية حتى اللحظات الأخيرة، مما يجعل القراءة تجربة مشوقة ومليئة بالإثارة.

بالمجمل، يمكن اعتبار التشويق في المستوى الديناميكي الذرائعي أداة ضرورية لإبقاء القارئ مشدودًا إلى تطور الأحداث والشخصيات، وتوليد التوتر المستمر الذي يدفعه للتساؤل عن مسار القصة والنهاية.

 

4-   الزمكانية :

الزمكانية في المستوى الديناميكي الذرائعي تشير إلى الطريقة التي تتفاعل فيها الزمان والمكان مع تطور الأحداث والشخصيات داخل النص الروائي، وكيفية تأثيرهما في الديناميكيات التي تدفع الرواية إلى التحولات الحاسمة. في هذا السياق، يمكن فهم الزمان والمكان ليس فقط كعناصر ثابتة، بل كقوى ديناميكية تساهم في تشكيل الصراعات والتحولات داخل الرواية.

في رواية "الهامسون"، الزمكانية تلعب دورًا مركزيًا في تعزيز الغموض والارتباط بين الشخصيات والأحداث.

الزمانية:

1. الزمان كعامل محفز للتغيير:

الزمان يُعتبر أداة تُسهم في تسريع أو تأخير الأحداث، وتُعتبر اللحظات المفصلية (مثل فترات الأزمات أو الانتقالات الزمنية الكبيرة) هي التي تدفع الشخصيات للتفاعل مع محيطها بشكل مختلف. فمثلاً، التغيير المفاجئ في الوقت (كأن ينتقل الزمن من الحاضر إلى الماضي أو العكس) قد يُحدث صراعًا داخليًا يفرض على الشخصيات التكيف أو المقاومة.

في هذا السياق، الزمان يصبح أداة تُستخدم لتعزيز التطورات النفسية أو التحولات الحاسمة في الشخصيات، حيث يمكن أن تؤدي مفارقات الزمن إلى تغييرات غير متوقعة في السلوكيات والقرارات

الرواية تقع في زمن غير محدد بدقة، ما يضفي عليها طابعًا عالميًا وشعورًا بالاستمرارية أو التكرار، كأن هذه الأحداث يمكن أن تحدث في أي وقت.

تنقسم الأحداث إلى لحظات زمنية متقطعة، تعكس تأثير الوشم والهامسين على الشخصيات، حيث يصبح الزمن مشوشًا أو غير خطي.

العلاقة بين الماضي والحاضر محورية، فالوشم والهامسون يفتحان بوابات إلى ذكريات وأحداث دفينة، مما يجعل الحاضر متشابكًا مع الماضي.

الزمن يُبرز الفجوة بين الأجيال وتغير القيم الثقافية.

المكانية:

الأماكن (القرى، المدن، المنازل) تُوظّف بشكل رمزي لتصوير القيود والتطلعات.

الأمكنة حيث تدور الأحداث تبدو معزولة ومليئة بالرموز، وكأنها شخصية بحد ذاتها، تحوي أسرارًا تتماشى مع غموض الرواية.

 2. المكان كمساحة لتفاعل القوى:

المكان يتفاعل مع الشخصيات ويشكل سياقات جديدة تؤثر في أفعالهم وتفاعلاتهم. يمكن أن يكون المكان ذاته عاملًا ضاغطًا على الشخصيات، مثل مدينة مزدحمة أو مكان معزول، مما يعزز التوترات والصراعات.

المساحات التي تحتوي على تاريخ ثقافي أو اجتماعي معين قد تكون ساحة للصراع بين الهويات الفردية والجماعية، وبالتالي فإن المكان يُستخدم ديناميكيًا لخلق التوترات بين الشخصيات والظروف المحيطة.

الأماكن التي تظهر الوشوم أو تُسمع فيها الهامسات هي نقاط محورية تُبرز تأثير الظاهرة على الشخصيات،

المكان يتغير تبعًا لتغير الشخصيات، وكأن المكانية متأثرة بالتحولات النفسية للموشومات .

3. الانتقال بين الزمان والمكان:

الانتقالات بين الأزمنة والأمكنة تُستخدم كمحركات للنص، حيث تقفز الشخصيات بين فترات زمنية مختلفة أو أماكن متنوعة، مما يعزز من التفاعل الديناميكي بين الشخصيات والظروف المتغيرة. هذا التحول الزمكاني يمكن أن يشكل تجارب مختلفة تساهم في تطوير الأبعاد النفسية والاجتماعية للأبطال.

الزمكانية في الرواية لا تُقدم فقط كخلفية للأحداث، بل كأداة سردية تعزّز الأجواء المقلقة وتساهم في تعقيد القصة وربطها بالمعاني الرمزية العميقة، أمثلة على تلك الأماكن ( نجع حمادي ـ قنا – إسنا

في الختام:

الزمكانية في المستوى الديناميكي الذرائعي ليست مجرد إطار ثابت، بل هي عنصر حيوي يتحرك ويتغير في تفاعل مستمر مع الشخصيات والأحداث. من خلال هذه الديناميكية، تُخلق بيئة قابلة للتحول، حيث يصبح الزمن والمكان أدوات تُسهم في تغيير الواقع الداخلي والخارجي للشخصيات.

 

5-   الشخصيات

      الشخصيات في المستوى الديناميكي الذرائعي تشير إلى تلك الشخصيات التي تشهد تحولًا داخليًا أو خارجيًا في استجاباتها، متأثرة بالظروف المحيطة والمحفزات التي تؤدي إلى تغييرات في سلوكها وتوجهاتها. هذا المستوى يرتكز على قدرة الشخصيات على التفاعل مع المحيط بطريقة مرنة، حيث قد تتحقق هذه التحولات في إطار الصراع الداخلي أو الخارجي. الشخصية في هذا المستوى قد تكون في بداية الرواية تتخذ مواقف معينة، ولكن مع تطور الأحداث تصبح أكثر قدرة على التكيف أو المقاومة، مما يعكس فهمًا أعمق لدوافعها النفسية والاجتماعية.

إذا كانت هذه الشخصيات تتسم بالتمرّد أو بالتحولات المفاجئة، فإنها تظهر استعدادًا للتغيير، مع وجود قوى خارجية (اجتماعية، ثقافية، أو نفسية) تحفز هذا التغيير. كما أن التفاعلات الذرائعية يمكن أن تشمل التحولات النفسية التي تحدث كنتيجة مباشرة لهذه الصراعات، مما يجعل الشخصيات أكثر تنوعًا وثراء في تعبيراتها عن الذات والآخرين.

شخصيات الرواية ليست ثابتة، بل تمر بتحولات نفسية واجتماعية.

 وهي شخصيات متعددة ومصممة بدقة لتُبرز التحولات النفسية والاجتماعية التي تعيشها.

 

1-    شخصية قمر

تحليل شخصية "قمر" من رواية "الهامسون" في ضوء تبني القيم الجديدة:

شخصية "قمر" محورية في الرواية، حيث تحمل دلالات رمزية وصراعات أخلاقية واجتماعية تعكس التوجه نحو قيم جديدة:

1.    الصراع بين الحرية والمسؤولية

وصفها:

قمر شخصية تسعى لتحقيق ذاتها خارج القيود التقليدية التي فرضها المجتمع عليها.

يبدو أنها تحمل شغفًا أو رغبة خاصة (مثل العمل بالوشم) تُعتبر غير تقليدية وتتنافى مع توقعات المجتمع المحافظ.

البعد الأخلاقي:

القيمة التقليدية: المسؤولية تجاه العائلة أو المجتمع هي الأولوية.

القيمة الجديدة: تحقيق الذات والشغف ليسا أمرين يجب التضحية بهما.

قمر تتحدّى هذه التقاليد من خلال شجاعتها في اتباع شغفها، ما يُظهر أن الحرية الفردية تستحق المخاطرة.

2. الهوية والتناص

قمر تحمل صراعًا داخليًا بين التقاليد والهويات المختلفة التي تحيط بها:

هويتها الاجتماعية كجزء من مجتمع تقليدي.

هويتها الفردية كفنانة تسعى لتطوير موهبتها.

التناص الرمزي:

اسم "قمر" يحمل دلالات مرتبطة بالضوء والوضوح وسط الظلام، مما يرمز إلى رغبتها في الإشراق رغم قسوة الظروف.

تناص محتمل مع شخصيات نسائية في الأدب العربي مثل شخصية زينب في رواية "زينب" لمحمد حسين هيكل، التي تمثل التوق إلى الحرية رغم القيود.

3. التحدي الأخلاقي في عملها (الوشم)

عمل قمر في الوشم يضعها في مواجهة مع المجتمع الذي قد يرى هذا الفن غير أخلاقي أو غير لائق.

البعد الأخلاقي:

تُعيد قمر تعريف الوشم كوسيلة للتعبير عن الذات، وليس كعمل هامشي.

تُظهر الرواية أن العمل لا يحدد قيمة الإنسان، بل شغفه وإبداعه.

4. علاقتها بالآخرين

قمر تعيش وسط شبكة من العلاقات التي تُبرز قيمًا متناقضة:

مع النساء: تبدو وكأنها تُلهم النساء الأخريات بالتجرؤ على الحلم وتحدي القيود.

مع المجتمع: تواجه رفضًا، لكن هذا الرفض يُبرز التوتر بين القيم القديمة والجديدة.

5. الرمزية الأخلاقية في شخصيتها

قمر تمثل الشخصية التي ترفض الاستسلام للظروف وتختار طريقًا جديدًا.

هي صورة رمزية للشباب الذين يتحدون الوضع القائم بحثًا عن هوية أكثر أصالة وحرية.

رسالة الرواية من خلال قمر:

الطريق إلى الحرية محفوف بالمخاطر، لكنه ضروري لتحقيق العدالة الأخلاقية للفرد.

6.    التحولات النفسية والأخلاقية:

في البداية: ربما تبدو قمر مترددة أو محاصرة بالضغوط الاجتماعية.

مع الوقت: نراها تُحقق تحولًا نفسيًا واضحًا، حيث تتبنى قيمًا جديدة تدعم حرية الاختيار والمواجهة.

7.    أبعاد القيم الجديدة في قمر

الحرية الشخصية: تتجسد من خلال مقاومتها للقيود التقليدية.

الابتكار والإبداع: من خلال شغفها بالوشم، تقدم فنًا جديدًا بعيدًا عن القوالب النمطية

الخلفية والمظهر: قمر تظهر في النص كرابط بين الموروث التقليدي والحداثة. تتمتع بخلفية تاريخية غنية تربطها بالوشم والطقوس الثقافية القديمة، مما يعكس صراعًا بين الإرث الثقافي والمستقبل.

الدور والمحور: تمثل الشخصية محاولة لإعادة تعريف الهوية الثقافية في سياق حديث، وتتعامل مع قضايا فردية واجتماعية عبر فنون الوشم التي تعتبر جزءًا من تراثها ومصدرًا للرزق والتأثير في الآخرين.

الرمزية: قمر تُجسد جسرًا بين الماضي والحاضر، حيث تعمل على دمج التقاليد مع الحياة المعاصرة.

 

2-     شخصية هنية

الخلفية والأحداث: تظهر شخصية هنية كأم وزوجة تعاني من صراعات داخلية وخارجية، بما في ذلك التوقعات الاجتماعية والصراعات الأسرية.

الصراع: تعاني من صراع نفسي وشعور بالخذلان بسبب التضحيات التي تقدمها مقابل عدم تحقيق ذاتها بشكل كامل.

الدور والتحوّل: تجسّد هنية نضال المرأة في مواجهة الأدوار التقليدية المفروضة عليها، وتبرز قدرتها على التكيف رغم المعاناة الشخصية. التحولات النفسية التي تمرّ بها تحدث نتيجة تجارب قاسية (مثل الزواج القسري أو العنف الاجتماعي من قِبل أمها).

حدث تحوّل في حياة هنية، فقد كانت من الموشومات اللواتي قامت السلطة باعتقالهن بسبب الوشم، بتهمة أنهن يوشمن أجسادهن بأسماء خلية إرهابية، هذا الاعتقال كان الذرة التي أحدثت تحوّلًا كبيرًا في عواطف هنية تجاه زوجها هاني الذي أُجبرت على الزواج منه بعد موت زوجته ( أختها)، هذا التحول في مشاعر هنية يعد نقطة فارقة ومهمة في تطوّر شخصيتها، ويمكن أن يكون مرتبطًا بشكل وثيق بالذروة السردية للرواية. إذا كانت هنية قد مرّت بتجربة الولادة أثناء الاعتقال، فهذا يمكن أن يُعد لحظة إعادة تقييم عميقة لحياتها، حيث تؤثر الظروف القاسية والضغط النفسي على تحولها الداخلي.

" أناجي الله طوال يومي متسائلة عما اقترفته، وعن حرماني من أمي وعيالي وأبيهم. تعلقت به وجمعتنا المحن، لم يعد لي سواه. اشتقت إلى حنانه واكتشفت في ليل السجن الطويل أني أحببته سهوًا، وأن حبي له مختلف." ص208

الاعتقال كان عاملًا محفّزا لحدوث هذا التغيير الكبير في مشاعرها تجاه زوجها. التحول من شعور بالإجبار إلى الحب الحقيقي يشير إلى نمو نفسي وتطور في شخصيتها، وقد يكون مرتبطًا بالظروف الصعبة التي تجد نفسها فيها، مما يدفعها إلى النظر للأمور من منظور جديد. إن هذا التغيير يمكن أن يعكس أيضًا تحولات في تصورها للهوية والواجب، مع تحول دورها من شخص مُجبر إلى شخص قادر على إيجاد مشاعر حقيقية في سياق حياتها الجديدة.

من جانب آخر، قد تكون هذه اللحظة بمثابة تفاعل بين شخصيتها الداخلية وما فرضته عليها السلطة الخارجية (مثل اعتقالها وسجنها)، مما يعزّز من تفاعل الشخصيات مع الصراع الأكبر في الرواية. فنشهد تغيّر وتحوّل كبير من أم هنية تجاهها، تغيّرت مشاعرها الجافية اتجاه هنية :

" أخبرتني مها ضاحكة أن أمي تبكي فراقي قائلة : أخذ العصا من الأعمى وتركه يحسس. وأردفت : اعترفت أخيرًا أنك عصاها وألا أحد يريحها غيرك ..." ص228

 على المستوى الذرائعي، يظهر هذا التغيير الداخلي كاستجابة لما تمر به هنية من معاناة، وقد يكون نتيجة لإدراكها لحقيقة مشاعرها في ظروف تتسم بالضغط والمأساة.

إذا تم استكشاف هذا التحول بشكل عميق، سيظهر هذا التغيير في الحب من خلال التقنيات السردية التي قد تبرز مشاعرها المتناقضة وتأثير البيئة المحيطة عليها، مما يجعل من هذا التحول جزءًا رئيسيًا من الحبكة وأداة لفهم تطور الشخصية.

3-     شخصية عفاف

الأحداث والدوافع: عفاف شخصية تبدو مرتبطة بقضايا غامضة وغير متوقعة، مثل ظهور وشم على جسدها دون علمها، مما يُشير إلى طابع نفسي أو ماورائي يحيط بها.

الدور والمحور: تمثل عفاف رمزية للصراع بين العقلانية والخرافة، وتبحث عن تفسيرات لما يحدث لها، مما يجعلها تعكس أسئلة وجودية وشخصية عميقة.

التحول: تتحرك الشخصية بين الإنكار والقبول في سعيها لفهم ما يحدث لها.

 

4-    شخصية خالد

في رواية "الهامسون" تمثل شابًا ينتمي إلى جيل جديد يواجه تحديات الحياة الحديثة، لكنه في الوقت ذاته يجد نفسه متعلقًا بجده، الذي يشكل رمزًا للهوية والثبات والقيم التقليدية. هذا التعلق يحمل أبعادًا نفسية واجتماعية تعكس صراع الأجيال ومحاولة فهم الذات من خلال العودة إلى الجذور.

-        خالد كرمز للبحث عن الهوية:

خالد يظهر كشخصية متأرجحة بين الماضي والحاضر. هو يمثل الجيل الذي يسعى إلى تحقيق ذاته في عالم مليء بالتغيرات، ولكنه يحتاج إلى جذوره لفهم هويته ومكانته.

علاقته بجدّه تجسد هذا البحث؛ الجد يمثل القيم التقليدية والصلابة، بينما خالد يواجه الحداثة والضياع الذي قد يسببه الانفصال عن هذه القيم.

-        الجَدّ كرمز للثبات والحكمة:

الجد في الرواية يرمز إلى الثبات في مواجهة التغيرات السريعة، وإلى الحكمة التي تأتي من تجربة الحياة الطويلة. يُنظر إليه كمعلم ضمني لخالد، حيث يتعلم منه القيم التي تساعده على مواجهة أزماته.

هذه العلاقة تُظهر عمق تأثير الأجيال السابقة على تشكيل هوية الأجيال الحالية، وتبرز فكرة أن الحكمة المتراكمة عبر الزمن تُعد جزءًا لا يتجزأ من بناء الشخصية.

-        البُعد الفلسفي والرمزي:

تعلق خالد بجده يتجاوز الحب العائلي البسيط، ليصبح رمزًا لفكرة الاتصال بالتراث والتاريخ. يمثل الجد تجسيدًا للزمن الماضي الذي يحاول خالد من خلاله أن يفهم موقعه في العالم.

الرواية تعكس من خلال هذه العلاقة فكرة أن الحاضر لا يمكن أن يكون مكتملًا دون استيعاب الماضي.

-        الصراع النفسي لشخصية خالد:

خالد يعاني من صراع داخلي؛ فهو يشعر بالانجذاب إلى الحداثة والانفصال عن القيم التقليدية، لكنه يجد في جده نقطة استقرار. هذا الصراع يعكس تجربة الشباب الذين يعيشون بين عالمين متناقضين.

-         دور الجد في مسار خالد:

الجد لا يقتصر دوره على كونه رمزًا، بل يصبح دافعًا لخالد لفهم العالم ومكانه فيه. من خلال ذكرياته ومواقفه، يُلهم خالد للبحث عن طريقه الخاص دون أن يفقد جذوره.

العلاقة بين خالد وجدّه في "الهامسون" ليست مجرد علاقة عائلية، بل هي تمثيل رمزي للصراع بين الأجيال، والرغبة في البحث عن الذات من خلال العودة إلى القيم التقليدية. الجد يجسد الحكمة والثبات، بينما خالد يعكس تحديات التحديث والبحث عن الهوية، مما يجعل هذه العلاقة محورًا فلسفيًا وإنسانيًا في الرواية.

خلاصة:

"الهامسون" في الرواية ليسوا فقط الشخصيات، بل يشمل أيضًا الأسلوب، الرمزية، والمضامين التي تدعو القارئ للتفكير في تأثير الأصوات الخافتة وغير المرئية في تشكيل الأحداث والمعاني.

 

 

6-   الحبكة :

الحبكة في المستوى الديناميكي الذرائعي تركز على تطور الأحداث وتأثيرها على الشخصيات بشكل تدريجي ومتصاعد، حيث يتشابك الصراع الداخلي والخارجي للشخصيات في شكل تحولات مستمرة تؤدي إلى تغييرات جذرية في المواقف والقرارات.

يتمحور هذا النوع من الحبكة حول تفاعل الشخصيات مع المحفزات التي تطرأ على حياتها، سواء كانت تلك المحفزات خارجية (كالأزمات الاجتماعية أو الظروف البيئية) أو داخلية (كالصراعات النفسية والتحولات الذاتية).

يُظهر المستوى الديناميكي الذرائعي كيفية تأثير القوى الخارجية على الشخصيات ودفعها لتغيير سلوكياتها ووجهات نظرها. قد تتخذ الحبكة منحنيات غير متوقعة حيث يبدأ الشخص في التعامل مع تحدياته بطريقة جديدة، مما يعكس تطورًا في طبيعته النفسية والاجتماعية. التغيرات التي تحدث في الحبكة قد تكون مفاجئة أو تدريجية، ولكن في كلتا الحالتين يتجسد الصراع كمحرك رئيسي لظهور التغيرات الكبرى.

علاوة على ذلك، يتسم هذا النوع من الحبكة بإثارة الأسئلة حول مصير الشخصيات وحريتها في اتخاذ القرارات التي تؤثر في مجريات الأحداث. تساهم الحبكة الديناميكية في تعميق الفهم العام للموضوعات التي يعالجها النص الأدبي، مثل الهوية، التمرد، والتحول النفسي، من خلال تسليط الضوء على استجابات الشخصيات التي تتغير مع مرور الوقت.

الحبكة متشابكة ومعقدة، لكنها تتبع تطورًا منطقيًا:

-        البداية

الرواية تبدأ بعرض الحياة اليومية للشخصيات، مع التركيز على القهر الاجتماعي الذي تعانيه النساء.يتم تقديم الخلفية النفسية للشخصيات من خلال استرجاعات زمنية (فلاش باك)، مما يساعد في فهم طبيعة الصراعات التي تواجهها.

-        التصاعد

 عرض الصراعات الداخلية والخارجية.

-        الذروة: لحظات التمرد والتحول الحاسمة للشخصيات.  

في هذه الحالة، يصبح الاعتقال بسبب الوشم الذي يظهر على شكل أسماء لرجال تحولًا دراميًا ومؤثرًا للغاية في الحبكة. يمكن اعتبار هذا الاعتقال ذروة رئيسية في الرواية، خاصة إذا كان يُظهر تصاعدًا في التوتر بين الشخصيات النسائية والنظام الحاكم.

الوشم الذي يحمل أسماء لرجال يمكن أن يكون رمزًا قويًا للهوية الشخصية والتحدي الاجتماعي، خاصة إذا كانت الحكومة تفسره على أنه تهديد للأمن القومي، مما يعكس تصادمًا بين الحرية الفردية والرقابة الاجتماعية أو السياسية. إن ربط الحكومة لهذه الأوشام بعناصر خلايا إرهابية يعزز من الطابع الغرائبي والرمزي للرواية، حيث أن الوشم يصبح ليس مجرد علامة شخصية أو ثقافية، بل أداة اتهام تهدد بوجود الشخصيات وتحقيق رغباتهن.

هذه الذروة يمكن أن تكون نقطة تحول حاسمة في تطور الشخصيات، حيث يعكس هذا الاعتقال صراعًا عميقًا مع السلطة، ويتحرك نحو الكشف عن تأثير المجتمع القمعي على الأفراد. كما أن ذلك يفتح المجال لدراسة مفاهيم مثل التحكم بالهوية، وكيف يمكن للأنظمة السياسية أن تسيء تفسير أو تضغط على الرموز الفردية، مما يؤدي إلى تحولات كبيرة في الشخصيات وتفاعلها مع الواقع.

إذا تم تسليط الضوء على هذا الحدث كذروة، فإن الأحداث التي تليه ستكون بالغة الأهمية لفهم كيفية تطور الشخصيات، وكيفية تفاعلها مع هذا الاتهام ونتائجه على مستوى النفوس والوجود

يُظهر المستوى الديناميكي الذرائعي كيفية تأثير القوى الخارجية على الشخصيات ودفعها لتغيير سلوكياتها ووجهات نظرها. قد تتخذ الحبكة منحنيات غير متوقعة حيث يبدأ الشخص في التعامل مع تحدياته بطريقة جديدة، مما يعكس تطورًا في طبيعته النفسية والاجتماعية. التغيرات التي تحدث في الحبكة قد تكون مفاجئة أو تدريجية، ولكن في كلتا الحالتين يتجسد الصراع كمحرك رئيسي لظهور التغيرات الكبرى.

علاوة على ذلك، يتسم هذا النوع من الحبكة بإثارة الأسئلة حول مصير الشخصيات وحريتها في اتخاذ القرارات التي تؤثر في مجريات الأحداث. تساهم الحبكة الديناميكية في تعميق الفهم العام للموضوعات التي يعالجها النص الأدبي، مثل الهوية، التمرد، والتحول النفسي، من خلال تسليط الضوء على استجابات الشخصيات التي تتغير مع مرور الوقت.

الأحداث تتطور تدريجيًا مع تصاعد الصراعات:

-        الصراع

الرواية تعتمد على صراعات متعددة:

الصراع الداخلي: تعاني الشخصيات من تناقضات نفسية بين القيم الشخصية وضغوط المجتمع.

الصراع الخارجي: يتمثل في مواجهة الشخصيات للقيود الاجتماعية والتقاليد.

"قمر" تواجه تحديات تتعلق بالهوية والحرية الشخصية.

يتم إدخال الرموز مثل الوشم والحناء كعناصر سردية تعكس التقاليد والتمرد.

-        النهاية :

 مفتوحة تحمل طابعًا فلسفيًا، حيث تُركت القضايا الاجتماعية والأخلاقية للتأمل دون تقديم إجابات مباشرة. هذا يدعو القارئ للتفكير في الأسئلة المطروحة حول الحرية والهوية.

دلالة مشهد النهاية:

انتهيت من قراءة رواية هالة البدري " منتهي" جلست في انتظار وصول خالد لنطلّ معًا على بيتنا الجديد قبل الزفاف بيومين، تأمّلت كثيرًا المشهد الأخير في الرواية الذي انتصر فيه الفلاحون على الهجانة وحصدوا قمحهم:

 ضاعت صيحاتهم في الفضاء تحت وطأة الليل الذي غلفهم وحدهم، وأصوات المِحشات في أيدي الفلاحين تزداد سرعة والعيدان تنام أمام الأجسام المنحنية فوقها، والكفوف تكبس الحزم والضحكات تعلو، وتنفلِت مارقة في المدى.

بعد أيام اكتشفتهم الشمس، وقد داهمهم العطن!

المشهد الأخير في الرواية يحمل دلالات رمزية قوية تتعلق بالصراع، والإنجازات، والفقدان، والواقع القاسي. تحليل هذا المشهد:

1. انتقال الفلاحين من الصراع إلى الانتصار

"انتصر فيه الفلاحون على الهجانة وحصدوا قمحهم": تشير هذه العبارة إلى النجاح والتغلب على القوة الظاهرة (الهجانة) واستعادة الحق أو الجهد المحق (حصد القمح). يمكن اعتبار هذا انتصارًا للإرادة الشعبية على القوى المعاكسة، سواء كانت سلطات سياسية أو اجتماعية.

هذا الانتقال يعكس النضال المستمر للمجتمع ضد القوى الظالمة، ويُظهر أن المكافأة بعد الصبر والعمل الشاق ممكنة.

2. الصوت والتضحية

"ضاعت صيحاتهم في الفضاء تحت وطأة الليل الذي غلفهم وحدهم": رغم تحقيقهم للانتصار، تبقى صيحات الفلاحين مجهولة أو غير مسموعة. هنا، الليل يمكن أن يرمز إلى الظلام أو العزلة، مما يوحي بأن الفلاحين قد عانوا طويلاً، لكن مع حصولهم على النصر، يظلون مغلفين بالوحدة أو أن تضحياتهم لم تجد الآذان الصاغية.

"تحت وطأة الليل" يدل على التحديات القاسية التي يواجهها الفلاحون، كما يشير إلى العزلة الروحية أو النفسية التي يعيشونها رغم قوتهم.

3. المجهود الجماعي والانتصار المشترك

"أصوات المِحشات في أيدي الفلاحين تزداد سرعة": هذه العبارة تشير إلى العمل الجماعي، حيث يصبح صوت المحشات مظهرًا للعمل المتواصل والمتناغم بين الفلاحين. تشير السرعة إلى الحماسة والجهد الموحد لتحقيق الهدف.

هذا العمل لا يتوقف عند ما هو مادي (الحصاد) بل يحمل دلالات رمزية عن الصبر والمثابرة التي تنبثق من مجهود جماعي.

4. الاستسلام للمصير والفقدان

"والعيدان تنام أمام الأجسام المنحنية فوقها": "العيدان" هنا تمثل الثمار أو المكافآت التي يتم الحصول عليها، ولكن بوجود الأجسام المنحنية، تتجسد التعب والإرهاق في شخصيات الفلاحين. يوحي هذا بأن النصر يأتي بعد الكثير من الألم والجهد الجسدي.

هذا يشير إلى أن التضحية تكون مؤلمة، وقد تعني أنهم لم يحصلوا على الاسترخاء أو الرضا الذي كانوا يتوقعونه.

5. التضحية والهزيمة المفاجئة

"والضحكات تعلو، وتنفلِت مارقة في المدى": رغم التعب والمشقة، هناك فرح لحظي وانفجار من السعادة نتيجة للنصر. هذه الضحكات تنتشر في الأفق، وكأنها تشير إلى التطلع للأمام بعد الانتصار.

لكن هذا الفرح لا يدوم طويلًا، لأن "العطن" سوف يداهمهم بعد أيام.

6. الفقدان والانتكاسة المفاجئة.

"بعد أيام اكتشفتهم الشمس، وقد داهمهم العطن": هذه الجملة تحمل دلالة المفاجأة والخذلان. الشمس، التي تمثل الحقيقة والوضوح، تكتشف أن الفلاحين لم ينجحوا تمامًا في تحقيق ما كانوا يأملون به، بل إن جهودهم تآكلت أو تدهورت بسبب الظروف القاسية.

العطن هنا يرمز إلى التدهور أو الفساد الذي يصيب حتى الأشياء التي كانت تنبئ بالنجاح. فحتى بعد النصر، لا مفر من مواجهة الواقع القاسي الذي يترك أثراً سلبياً.

7. دلالة الغياب والإهمال

يمكن اعتبار العطن بمثابة الخذلان الذي يأتي بعد النصر، وأن الفلاحين على الرغم من نضالهم المستمر، يواجهون الهزيمة من جديد، لكن هذه المرة على يد الزمن نفسه أو الظروف غير المتوقعة.

هذا يطرح سؤالًا حول الديمومة والاستمرارية في الحياة: هل يمكن للنصر أن يدوم طويلًا؟ وهل يُعاقب الشخص على نجاحه بعد أن يحقق ما سعى إليه؟

الخلاصة

     المشهد يعكس التناقض بين النجاح والفشل، ويُظهر كيف يمكن للظروف والواقع أن يغيروا مسار الأمور بشكل مفاجئ. رغم الانتصار الظاهر للفلاحين في بداية المشهد، إلا أن الواقع القاسي (العطن) يظهر بعد أيام، ليعكس فكرة الفقدان بعد الانتصار والتضحية التي تذهب سدى. المفارقة بين الفرح اللحظي والواقع المؤلم تجعل هذا المشهد محملًا بالرمزية حول حقيقة الحياة وألمها، حيث لا يدوم الفرح طويلًا، حتى وإن تحقق النجاح.

تقوم الذرائعية بتحليل النصوص الأدبية من خلال مستوياتها الأربع (الفكري، البلاغي، الدلالي، التواصلي "الرسالة")، وهي أداة مثالية لفهم الدلالات المتعددة لمشهد النهاية في رواية "منتهي" لهالة البدري.

1. المستوى الفكري:

العمل الجماعي والتضحية: المشهد يظهر قدرة الكاتبة على خلق تصوير ديناميكي يصور الصراع الإنساني الجمعي والانتصار المؤقت. إذ نجد تصويرًا مؤثرًا للفلاحين وهم يواجهون الظلم (الهجانة)، مما يعكس إبداعية في رسم الشخصيات في لحظة توحدها لتحقيق هدفها.

النهاية المفتوحة: تُرك المشهد للنهاية التأملية، مما يُظهر إبداعية المؤلفة في استدعاء القارئ ليصبح مشاركًا فاعلًا في النص، عبر طرح أسئلة حول الجدوى من النضال واستمرارية النجاح.

2. المستوى البلاغي:

الألفاظ والصور البلاغية:

استخدام كلمات مثل "صيحاتهم"، "المحشات"، "الأجسام المنحنية"، و"العطن" يخلق إحساسًا مكثفًا بالصراع والإنهاك والانتصار المشوب بالفقدان.

التشبيه الضمني بين ضحكات الفلاحين التي "تنفلِت مارقة" وحالة الفرح العابر يشير إلى ديمومة الصراع، وهو تصوير يحمل ثقلًا رمزيًا.

التكرار والإيقاع: يُلاحظ في تصوير الجهد المستمر عبر أصوات المحشات وسرعتها، مما يعكس روح التحدي والعمل الجماعي بلغة بلاغية موسيقية.

3. المستوى الدلالي:

الرمزية في المشهد:

الليل: يرمز إلى القهر أو الغموض الذي يلف انتصار الفلاحين.

المحشات: تمثل سلاح الكفاح الجماعي.

العطن: يشير إلى الفساد والتدهور الذي يلتهم الانتصارات، ويدل على هشاشة الإنجازات البشرية أمام الزمن والظروف.

الشمس: تحمل دلالتين مزدوجتين؛ الأولى الوضوح والحقيقة، والثانية القسوة التي تكشف المصير المأساوي.

التناقض: ينتقل النص من حالة الانتصار إلى الانكسار، مما يعكس فلسفة الواقع الذي يتأرجح بين النجاح والفشل.

4. المستوى التواصلي:

رسالة الرواية:

الخطاب الموجه للقارئ يعكس فلسفة الحياة المليئة بالمفاجآت؛ حيث يُحتفل بالنجاحات المؤقتة، ولكنها غالبًا ما تواجه خذلان الواقع.

يثير المشهد تساؤلات حول جدوى النضال الطويل، وعن العلاقة بين الجهد المبذول والنتائج المحققة، مما يجعل الرواية دعوة للتأمل في طبيعة الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

التأثير على القارئ:

النهاية المفتوحة تترك القارئ أمام مشاعر متباينة من الأمل والحسرة، مما يُشركه في إعادة تقييم القضايا الاجتماعية التي تعاني من التقلب بين النجاح المؤقت والعجز أمام الواقع.

ربط المشهد بالذرائعية العامة:

الذرائعية الاجتماعية: المشهد يعكس بنية اجتماعية متأزمة، حيث الانتصار الشعبي غالبًا ما يُقابل بظروف تُجهض مكاسبه، وهو تحليل يتماشى مع دور الأدب كناقد للتفاوت الطبقي والفساد المؤسسي.

الذرائعية النفسية: النص يعرض الحالة النفسية للفلاحين الذين يتأرجحون بين الفرح اللحظي والشعور بالفقدان، مما يعمق وعي القارئ بتعقيدات النفس البشرية في مواجهة المصير.

الذرائعية الأخلاقية: الرواية لا تقدم حلولًا نهائية، لكنها تثير تساؤلات حول الحرية والمسؤولية، مما يجعلها أداة للتفكير في القضايا الأخلاقية والاجتماعية.

الخلاصة:

من منظور ذرائعي، يُبرز المشهد الأخير قدرة الكاتبة على استغلال العناصر السردية والبلاغية والدلالية لتقديم صورة شمولية للواقع، تجمع بين الانتصار المؤقت والانكسار أمام قوى أقوى. النهاية المفتوحة لا تكتفي بسرد الحكاية، بل تدعو القارئ للمشاركة في التفكير في قضايا الهوية والحرية والمصير.

 

7-   التقنيات السردية :

التقنيات السردية في المستوى الذرائعي تتمحور حول استخدام استراتيجيات سردية متقدمة لخلق التوتر والتطور في النص الأدبي. هذه التقنيات تتيح للروائي توجيه التركيز على تحولات الشخصيات والمواضيع المعقدة مثل الهوية، الصراع الداخلي والخارجي، والتغيرات النفسية. من أبرز التقنيات السردية التي يمكن أن تُستخدم ذرائعيًا:

-        التقاطع بين الزمان والمكان: حيث يبرز الراوي التفاعل بين الأماكن والأزمنة المختلفة لتشكيل سياقات متعددة تساعد على كشف أبعاد نفسية للشخصيات، كما يمكن أن يكون التداخل بين الأزمنة نقطة تحول رئيسية في تطور الشخصيات.

-        السرد غير الخطي: هذه التقنية تسمح بالانتقال بين لحظات زمنية متباعدة، وتُستخدم لإظهار التحولات المفاجئة في الوعي أو الشعور، مما يعزز من عنصر المفاجأة في الرواية.

-        الصوت المتعدد: حيث يتيح الراوي استخدام أصوات متعددة للشخصيات، مما يعكس التنوع في الرؤى والمواقف. يمكن أن تكون هذه الأصوات متناقضة، مما يعزز التوتر بين الشخصيات.

-        المونولوج الداخلي: وهو تقنية تُستخدم لإظهار الصراع الداخلي للشخصية، وخصوصًا عندما تكون الشخصية في مرحلة تحول نفسي أو تبحث عن إجابات لأسئلة وجودية. يُظهر المونولوج تأملات الشخصية في أبعادها الداخلية والمعركة التي تدور في ذهنها.

-        . التكرار: استخدام التكرار يمكن أن يكون ذا تأثير ذرائعي قوي عند الإشارة إلى أفكار أو مشاعر معينة تظهر مرارًا في ذهن الشخصية، مما يعكس الصراع المستمر أو التحول في الرؤى.

-        المفارقة والتناقض: تقنيات مثل المفارقة تتيح للشخصيات التفاعل مع الواقع بطريقة غير متوافقة مع توقعات القارئ، مما يعزز من أهمية التغيير والتطور.

-        الرمزية والتشبيه: يتم استخدام الرموز والمفردات المجازية لتوصيل الأفكار والمشاعر التي يصعب التعبير عنها مباشرة. هذه الرموز تُستخدم للربط بين الصراع الداخلي والخارجي، مع تعزيز المعاني العميقة للنص.

الوشم: يمثل الهوية الفردية والجماعية.

 الطقوس: تعكس صراعات المرأة مع المجتمع التقليدي.

مقارنة رمزية الوشم في "وشم الهامسين" وروايات أخرى:

1.  الوشم في " الهامسون" – هالة البدري:

الوشم في " الهامسون" يُستخدم كرمز يعكس الصراع بين الماضي والحاضر، وبين الفرد والمجتمع. الوشم يمثل ذاكرة جسدية تُحمل الأحداث التاريخية والاجتماعية مثل حادثة دنشواي وسليمان خاطر، مما يجعل الجسد نفسه مساحة للتفاعل بين الفرد وموروثاته.

الوشم في "الهامسون" ليس مجرد زينة، بل هو علامة تعبر عن الهوية الفردية والجمعية، وتُبرز التوتر النفسي والاجتماعي للشخصيات، إذ يتحول الجسد إلى مرآة تُظهر صراعات الهوية والقهر والمقاومة.

2. "وشم على الصدر العاري" – عبد الرحمن منيف:

في رواية "وشم على الصدر العاري"، يتحول الوشم إلى رمز للقهر السياسي والاجتماعي، حيث يمثل العلامة الجسدية آثار التعذيب والاستبداد. الوشم هنا ليس اختيارًا فرديًا، بل نتيجة إجبارية تُظهر آثار النظام القمعي على الأفراد.

مقارنة بـ"الهامسون"، نجد أن كلا الروايتين تستخدمان الوشم كعلامة للتاريخ والقهر، ولكن في "وشم على الصدر العاري" يرتبط الوشم بشكل أكبر بالعنف الجسدي الممنهج ضد الفرد.

3. "الوشم" – ياسوناري كواباتا (اليابان):

في هذه الرواية، يُعتبر الوشم علامة على الجمال الممزوج بالألم. القصة تركز على وشم تنين مرسوم على ظهر امرأة، حيث يعكس الوشم قوة التحول الداخلي والخضوع لعملية تغيير نفسي وجسدي. الوشم هنا مرتبط بالجمال الفني والقدرة على التعبير عن الذات.

مقارنة بـ" الهامسون"، نجد أن الوشم في رواية كواباتا يركز على الفردية والجمال، بينما في "الهامسون" يتوسع إلى تمثيل صراع جماعي مع الذاكرة والتاريخ.

4. "بيت الأرواح" – إيزابيل الليندي:

في روايات إيزابيل الليندي مثل "بيت الأرواح"، يظهر الوشم كرمز للهوية والانتماء. يُستخدم الوشم في سياق سردي يعكس الروابط العائلية والروحية بين الأجيال، مما يجعله علامة على التواصل بين الماضي والحاضر.

بالمقارنة مع " الهامسون"، يشترك كلا النصين في جعل الوشم رمزًا للذاكرة والارتباط بالماضي، ولكن عند الليندي يبرز الجانب الروحي والعائلي أكثر من التركيز على الصراعات السياسية والاجتماعية كما هو الحال عند هالة البدري.

5. "ذاكرة الجسد" – أحلام مستغانمي:

في رواية "ذاكرة الجسد"، الجسد يحمل رمزية الذاكرة، تمامًا مثل الوشم. وإن لم يكن الوشم مذكورًا حرفيًا، فإن الجسد المجروح يصبح تمثيلًا للحب والحرب والماضي. الشخصيات تحمل آثارًا نفسية وجسدية تمثل الألم الجمعي والفردي.

بالمقارنة، نجد أن "الهامسون" يجعل الوشم علامة مادية مرئية، بينما في "ذاكرة الجسد"، الجروح والآثار تُعتبر رموزًا نفسية غير مرئية ولكنها فعالة في تشكيل الشخصيات.

التحليل المقارن:

1. التشابهات:

جميع الروايات تجعل من الجسد مساحة للتعبير عن الصراعات الداخلية والخارجية.

الوشم يُستخدم كوسيط بين الفرد والمجتمع، وكأداة لتذكير الشخصيات والجماعات بماضيها.

2. الاختلافات:

في "الهامسون"، الوشم هو امتداد للصراع بين الهوية الفردية والجمعية، وللذاكرة التاريخية وتأثيرها.

في روايات مثل "وشم على الصدر العاري"، الوشم يعبر عن أثر القمع السياسي، بينما عند كواباتا يركز على الجمال والتحول الداخلي.

في "ذاكرة الجسد" و"إيزابيل الليندي"، الجسد ذاته هو الذي يحمل رمزية الذاكرة والارتباط بالماضي، مع اهتمام أكبر بالجانب الروحي والعاطفي.

الخلاصة:

رمزية الوشم في "الهامسون" تنفرد بتركيزها على البعد السياسي والاجتماعي وربطه بصراعات الهوية والذاكرة الجمعية. بينما تستخدم الروايات الأخرى الوشم أو الجسد بطرق متباينة، فإن القاسم المشترك بينها هو أن الوشم يظل دائمًا رمزًا للتجربة الإنسانية المعقدة، سواء أكانت تجربة فردية، جماعية، جمالية، أو سياسية.

-        الغرائبية والواقعية السحرية:

من المهم التفريق بين الغرائبية والواقعية السحرية :

والغرائبية والواقعية السحرية هما نوعان من الأدب اللذان يدمجان الواقع والخيال، لكنهما يختلفان في بعض الجوانب الأساسية:

1. الغرائبية: هي حالة يتمّ فيها إدخال عنصر غريب أو غير مألوف في السياق الواقعي، مما يجعل القارئ يشعر بعدم التوازن أو عدم الراحة. قد تكون الظواهر أو الأحداث التي تظهر في النص غير قابلة للتفسير بسهولة، وتكون غالبًا مشحونة بالمفاجأة أو الدهشة. الهدف من الغرائبية هو خلق حالة من الاغتراب النفسي أو الاجتماعي، حيث يصبح الواقع مشوّهًا أو غير واضح.

2. الواقعية السحرية: هي نوع أدبي يتم فيه دمج العناصر السحرية أو الخارقة للطبيعة في واقع حياتي يومي. في هذا النوع، يُقبل السحر باعتباره جزءًا طبيعيًّا من الحياة اليومية دون أن يُستغرب أو يُنكر من قبل الشخصيات. لا يتسبّب السحر في اضطراب الواقع، بل يُعرض كما لو كان جزءًا طبيعيًّا من العالم.

بإجمال، يمكن القول إن الفرق يكمن في أن الغرائبية تركز على خلق شعور بالدهشة والتشويش من خلال إدخال عناصر غير مفهومة، بينما الواقعية السحرية تدمج السحر بشكل طبيعي في الواقع اليومي دون إثارة الاستغراب.

والغرائبية في رواية "الهامسون" تظهر من خلال استخدامها للخيال والتصوير غير التقليدي للواقع، مما يخلق تجربة سردية لا تتبع المنطق المعتاد للعالم الحقيقي. هذه الغرائبية تتجسد في عدة مستويات:

1- الدمج بين الواقع والخيال: في الرواية، يتم استخدام تقنيات مثل الأحلام والتداعيات الذهنية لتقديم رؤى غير واقعية تدمج بين ما هو حقيقي وما هو خيالي. هذا يسمح بخلق عوالم غير مألوفة تجسد الصراعات النفسية لشخصيات الرواية.

2- الشخصيات الغرائبية: الشخصيات في الرواية غالبًا ما تكون محكومة بصراعات نفسية معقدة، حيث يتنقلون بين عوالم مختلفة تشوش الحدود بين ما هو واقعي وما هو متخيل، مما يضيف بعدًا غرائبيًا لتجربتهم الحياتية. وهذا محقّق في كل الشخصيات الماضوية الهامسة في الرواية.

الوشم في رواية "الهامسون" لهالة البدري يمكن أن يُعتبر عنصرًا غرائبيًا، خاصةً مع انتقاله من هنية إلى وليدها، وهو حدث يتجاوز الواقع المألوف. هذا الانتقال ليس فقط جزءًا من الواقع، بل يعكس نوعًا من الفجوة بين ما هو ممكن وما هو غير ممكن، مما يخلق حالة من الاغتراب والتشويش.

"... وكتبت الطبيبة في تقريرها انتقل الوشم من جسم المريضة إلى الطفل المولود لحظة الميلاد، بشهادة الشهود وهذا يدحض اتهامها بقصدية الوشم، وبالتالي العمالة لجهة ما " ص 230

الغرائبية هنا تتجلّى في كيفية تقبّل الشخصيات لهذا الحدث الغريب دون الاستغراب أو الوقوف عند تفسيره، مما يجعل القارئ يواجه تداخلًا بين الواقع والخيال. يُمكن أن يُنظر إلى الوشم كرمزية لتحولات الشخصية أو الهوية بين الأجيال، وربما يكون أيضًا تعبيرًا عن تأثير الأم على الابن بطريقة غير تقليدية، حيث يتم تمرير الطابع الشخصي بطريقة خارقة للطبيعة.

امتداد الحمل إلى فترة أطول من المعتاد في رواية "الهامسون" يمكن أن يُعتبر مثالًا على الواقعية السحرية، حيث يتداخل العنصر الخارجي (الحمل الممتد) مع الواقع المادي بطريقة لا تتفق مع القوانين الطبيعية، ولكنها تُقدَم ضمن سياق ثقافي وذهني يجعلها جزءًا من تجربة الشخصيات.

" سجلتني موسوعة غينيس باعتباري أطول حمل بشري" ص 208

" أصبح موعد ولادتي حديث الناس، تابعته وكالات الأنباء والشائعات . حكوا أن وزير الصحة اجتمع مع مستشاريه في المعجزة التي تحدث. أبلغوه أن حالتي طبيعية وأن جسمي مستمر في دورته دون الدفع بالمولود إلى الخارج، وأن الجنين ينمو طبيعيًّا بعد الشهر التاسع." ص 227

في هذا السياق، يمكن تفسير هذا الامتداد كإشارة إلى حالة غير طبيعية، لكنها ليست مجرد غرائبية بعيدة عن المنطق، بل هي جزء من الواقع النفسي والوجداني للشخصية. الواقعية السحرية تقوم على دمج الظواهر غير المألوفة مع الحياة اليومية، بحيث تتداخل هذه الظواهر مع الواقع بشكل طبيعي، وتبدو جزءًا من العالم المعيش دون أن تثير الاستغراب أو الرفض.

في "الهامسون"، قد يُنظر إلى هذا الامتداد في الحمل كرمزية أو تمثيل لمشاعر الشخصية أو تحولاتها النفسية، مما يعكس فكرة أن التجارب النفسية والفكرية قد تأخذ شكلًا ماديًا يمتد على نحو غير تقليدي. وبالتالي، فإن هذا الامتداد ليس غرائبيًا بقدر ما هو سحر واقعي يعكس تطور الشخصيات في سياق غير مألوف.

بينما، طقوس الزار يمكن أن تُعتبر تداخلًا بين الغرائبية والواقعية السحرية في آن واحد. فالغموض والغرائبية جزء أساسي من طقوس الزار التي تشمل الترانيم، الرقصات، والطقوس الدينية التي تهدف إلى طرد الأرواح أو علاج الأمراض النفسية والجسدية. هذه الطقوس تتضمن عناصر خارقة للطبيعة، مما يجعلها تُشعر بعض الأشخاص بأنها غرائبية.

" نصبت الكودية بالأمس الطبلية وأحاطتها بالشموع والبخور والحنة وماء الورد، والهبات والعطايا التي جهزتها كاميليا وصديقاتها المشاركات. تصاعدت سرعة الإيقاع وعلت أصوات الدفوف والطبلة والصاجات التي تدقها خمس سيدات سمينات تنبهت إلى ما يجري :

أصل الشلو بيشبه للوه حتى حمار الزبالين" ص 94-95

من ناحية أخرى، يمكن اعتبار طقوس الزار واقعية سحرية لأنها تقدم تفسيرًا ميتافيزيقيًّا للأحداث والعوالم التي قد لا تكون مرئية أو مفهومة في الواقع المادي. وفقًا للواقعية السحرية، يتم دمج الظواهر الخارقة للطبيعة مع الواقع الملموس بطريقة سلسة وطبيعية، مما يخلق عالمًا يدمج بين ما هو حسي وميتافيزيقي. في سياق الزار، ما قد يبدو غريبًا أو خارقًا في البداية قد يُنظر إليه من قبل المشاركين كجزء من واقعهم الثقافي والاجتماعي، مما يضفي عليه طابعًا سحريًا مرتبطًا بالثقافة والمعتقدات الجماعية.

" تلصصت من النافذة على كاميليا وهي تسقط في حالة غياب على الأرض من فرط الرقص وخروج الطاقة السلبية من جسمها منطلقة إلى عالم روحاني لا تشعر فيه بنفسها، متحررة من كل القيود. حالة نادرًا ما تصل إليها إلا ونحن نرقص معًا في ديسكو." ص 96

إذن، طقوس الزار تمثل مزيجًا من الخيال الميتافيزيقي والتفسير الواقعي للأحداث التي تكون جزءًا من عالم الشخصيات التي تؤمن بها.

 

-        تقنية الرسائل:

استخدام الكاتبة هالة البدري لتقنية الرسائل في روايتها "الهامسون" يعتبر أسلوبًا يعزز التواصل بين الشخصيات ويُظهر التفاعل النفسي والوجداني بينها. الرسائل قد تكون أداة للكشف عن الأفكار الداخلية للشخصيات، خاصة فيما يتعلق بمشاعرهم أو أفكارهم التي قد تكون غير ظاهرة في السرد المباشر.

دلالة هذه التقنية قد تكمن في عدة جوانب:

1. التواصل المقيد: الرسائل تُظهر أن الشخصيات قد تكون في حالة تواصل مقيد أو معزول، مما يعكس مسافة عاطفية أو اجتماعية بين الأفراد في الرواية.

2. كشف الأسرار والتطور الشخصي: قد تكون الرسائل وسيلة للكشف عن جوانب من الشخصية لم تكن مكشوفة في البداية، مما يسمح للقارئ بفهم أعمق للتحولات النفسية أو العاطفية التي تمر بها الشخصيات.

3. الزمن والمكان: الرسائل تُسهم في خلق أبعاد زمنية ومكانية قد تكون محورية في تطور القصة، فقد تُكتب الرسائل في أوقات مفصلية أو في أماكن تعكس حالة معينة في حياة الشخصية.

4. التمرد على الصمت: من خلال الرسائل، قد تسعى الشخصيات للتعبير عن نفسها في مواجهة الصمت أو القمع الاجتماعي، مما يعزز موضوعات التمرد أو البحث عن هوية شخصية.

تعتبر الرسالة المسجلة التي استلمتها عفاف من المدعو إبراهيم ناصف الورداني الذي أُعدم في العام 1910 أنموذجًا عن دلالة هذة التقنية . انظر ص 220-221-222-223

توظيف الكاتبة لحادثة قتل إبراهيم ناصف الورداني من خلال تقنية الرسائل في روايتها يعد خطوة سردية ذكية تعزّز من طبقات السرد وتعمق تفاعل القارئ مع الحدث. إذ أن الرسائل تمثل وسيلة تواصل غير مباشرة، مما يخلق حالة من التوتر والتشويق، حيث تصل الرسالة إلى شخصية عفاف إحدى الموشومات، مما يعكس التفاعل بين الشخصيات والأحداث التاريخية أو الاجتماعية التي تؤثر في حياتهم.

هذا التوظيف لا يقتصر فقط على نقل الحدث، بل يعكس أيضًا كيف يمكن أن تؤثر هذه الحادثة في تكوين الوعي الشخصي للشخصيات، خاصة إذا ما تم ربطها بالصراع الداخلي لعفاف أو بتفاعلاتها مع الشخصيات الأخرى. إضافة إلى ذلك، يمكن للرسائل أن تضيف بُعدًا دراميًا للرواية، حيث تكون وسيلة للكشف عن أفكار أو مشاعر غير معلنة، وبالتالي تساهم في تعميق الطابع النفسي والرمزي للشخصيات.

كما أن استخدام الرسائل يخلق نوعًا من التفاعل بين السرد المباشر والتاريخي، مما يعزز الإحساس بالواقع ويُضفي على الرواية بعدًا اجتماعيًا ثقافيًا.

5. الرمزية: الرسائل قد تحمل دلالات رمزية ترتبط بالقضايا الكبرى في الرواية مثل الحب، الفقدان، أو الصراع الداخلي.

رسالة المدعو عبد المجيد سلامة، جد قمر، لحبيبته قمر التي أصبحت فيما بعد زوجته، جدة البطلة المحورية قمر. انظر ص 142- 143

كذلك رسالته إلى أخيه بعد هروبه من بيت العائلة بعد أن قتلت زوجة أخيه زوجته قمر. انظر ص 144- 145- 146

إجمالًا، تقنية الرسائل في الرواية تساهم في إثراء السرد وتوفير مستويات متعددة من المعنى، مما يتيح للكاتبة تقديم رؤى جديدة من خلال أداة غير تقليدية.

 

-        تقنية الأحلام:

" حلمت بالأمس وأنا جالسة هنا حلمًا أشك أنه حلم يقظة، وأظن أن له علاقة بما يحدث لي. ظهر لي شاب في الحديقة أخبرني أنه سعد، وأنهم وصفوه بالجنون في قصر العيني، وأنهم قتلوه لأنه خنجر سليمان الحلبي المسافر في رئتي الجنرال كليبر. أدار ظهره ومضى، ناديته متسائلة : مَن الذين قتلوك ولماذا ؟ قال : أرسلني القدر لأقول جملة واحدة فقط وأموت بعدها: هذه ليست مصر". ص 157

التقنية السردية في هذه الفقرة تعتمد على حلم اليقظة، حيث يتداخل الواقع مع الخيال أو الأحلام في حالة وعي مشوشة، مما يجعل الراوي غير قادر على التمييز بين ما هو حقيقي وما هو خيالي. يظهر ذلك في التشويش الذي يعيشه الراوي بين شعوره بالهلع واليقين بأن ما يراه قد يكون حلم يقظة.

كما أن الفقرة تحتوي على تقنية الظهور المفاجئ للشخصيات (خاصة شخصية "سعد" التي تمثل ظلاً أو شبحاً من الماضي)، إذ أن ظهور هذا الشخص في الحلم يحمل دلالة على العلاقة بين الماضي والحاضر، ويثير تساؤلات عن الحقيقة والذاكرة.

إضافة إلى ذلك، هناك التناص التاريخي من خلال ذكر "سليمان الحلبي" و"الجنرال كليبر"، مما يربط الحلم بالوقائع التاريخية الشهيرة، مما يعمق التأثير الرمزي والمعنوي في الحلم ويجعله يحمل بعدًا دلاليًا عميقًا يتعلق بالهوية والمصير.

الراوي هنا يختبر التداخل بين الماضي والحاضر، والوجود والغياب، عبر حوار غريب مع شخصية تُنبئ برسالة محورية وهي "هذه ليست مصر"، ما يعكس تشويشًا داخليًا يتعلق بالمكان والهوية.

 

-        تقنية الاسترجاع  )الفلاش باك(:

إذ يعيد الراوي تقديم أحداث ماضية بطريقة تؤثر في فحص الشخصيات وتحولات أفكارها ومشاعرها مع تطور الأحداث، مما يتيح للقارئ رؤية الشخصية من زوايا متعددة.

" استرجعت حواري مع سعد، مازالت كلماته مبهمة بالنسبة لي. فجأة وجدته أمامي، اقشعر جلدي، فلما تمالكت نفسي فرحت كأني رأيت صديقًا غاب عني طويلًا، يا إلهي كيف أشتاق إلى من تسلّل إلى جلدي واختبأ تحته. سألته قبل أن يضيع كما فعل في المرة الماضية :... " ص 166

هنا يعود السرد إلى الماضي لاسترجاع اللحظات أو الذكريات المرتبطة بشخصية "سعد" الذي ظهر فجأة أمام الراوي(عفاف). يتم استحضار ذكريات حوار قديم مع سعد، مما يعمق الارتباط العاطفي بين الشخصية والمكان الزمني الذي كانت فيه.

كما أن السرد هنا يعتمد على التقنية النفسية (تداخل الوعي الداخلي)، حيث ينقل القارئ إلى حالة نفسية مؤثرة تتمثل في شعور الراوي بالدهشة والحنين، مما يعكس كيف أن "سعد" (شخصية هامسة آتية من الماضي البعيد) قد استحوذ على مشاعر الراوي لدرجة أنه يصف شعوره كما لو أن سعد قد "تسلل إلى جلده واختبأ تحته".

استخدام تقنية "الفلاش باك" يعيد القارئ إلى ماضٍ يُفسر الحاضر ويُثري الخلفية الدرامية للشخصيات. الزمن في الرواية ليس خطيًا، بل يتنقل بين الحاضر والماضي لتوضيح العلاقة بين التجارب الشخصية والتحولات الاجتماعية.

الدمج بين هذه التقنيات يعزز من الطابع العاطفي والوجداني للسرد ويمنح القارئ إحساسًا بالقوة والتأثير الذي تتركه الذكريات في حياة الشخصيات.

 

-        تقنية التضمين :

استخدمت الكاتبة هالة البدري في رواية "الهامسون" تقنية "التضمين" أو "الاستشهاد النصي"، حيث تدمج نصوصًا من رواية سابقة لها ("منتهى") داخل سياق روايتها الحالية. هذه التقنية تتضمن إدخال جزء من نص آخر في نص الرواية بشكل يساهم في إبراز معاني معينة أو إعطاء بعد آخر للنص الحالي.

دلالة هذه التقنية قد تتنوع، لكنها غالبًا ما تكون محاولة من الكاتب لإظهار تداخل النصوص بين الأعمال المختلفة، وتأسيس صلة بين الشخصيات أو المواضيع التي قد تكون مشتركة بين الروايتين. كما قد تستخدم لإعادة طرح أفكار أو مفاهيم سابقة، مما يتيح للقارئ إعادة التفكير في المفاهيم أو الأحداث في سياقات مختلفة. من ناحية أخرى، قد تكون التقنية جزءًا من استراتيجية لتوسيع عالم الرواية، وإظهار تطور الشخصيات أو الفكر الأدبي لدى الكاتبة.

مشهد النهاية ....

-        تقنية السخرية :

وظّفت هالة البدري هذه التقنية الأسلوبية  في فقرات عديدة من المتن السردي، سيما على لسان هنية الشخصية المرحة التي تسخر من أحوالها، ولكني اخترت هذه الفقرة المروية على لسان دميانة البنت الصعيدية المسيحية الأمية شخصية مهمة من شخصيات الرواية النسائية الموشومة:

"ضربت عربة كارو يجرها حمار اتوبيس رحلة المدرسة إلى مصنع السكر في نجع حمادي. دخل في نخلة ووقعت البنات والاولاد فوق بعضهمووجُرحوا، ضحك الناس من منظر البنات:  غطين رؤوسهن وعرين «طيازهن». ضحكت معهم والرجل ما زال يصرخ غطي راسك يا «به»، ونسيت همي". ص 86

الفقرة تعتمد بشكل واضح على تقنية السخرية والمفارقة كأداة أسلوبية، حيث يتم تسليط الضوء على تناقضات الموقف بطريقة هزلية، مما يجعل القارئ يشعر بمزيج من الفكاهة والتأمل في الأحداث.

تحليل السخرية والمفارقة:

1. المفارقة الموقفية:

الموقف بأكمله يحمل مفارقة واضحة، حيث أن حادثًا خطيرًا - اصطدام العربة الكارو بحافلة مدرسية - يتحول إلى مشهد مضحك بفعل ردود أفعال الشخصيات. المفترض أن يكون الحادث مصدرًا للقلق والهلع، لكن السخرية تنبع من تحويله إلى مصدر للضحك الشعبي بسبب الوضعية المحرجة للبنات.

2. السخرية الاجتماعية:

الفقرة تسخر من القيم الاجتماعية التي تركز على مظاهر معينة (مثل تغطية الرأس) وتغفل عن الأمور الأهم (مثل السلامة الجسدية). صراخ الرجل "غطي راسك يا به" يكشف التناقض في الاهتمامات، حيث يتم تجاهل حجم الحادث والجروح للتركيز على مفهوم اجتماعي يتعلق بالحشمة.

3. سخرية الراوي:

الراوي يشارك الناس الضحك في موقف غريب يتناقض مع جدية الحادث. هذا يضيف طبقة أخرى من السخرية، حيث تنقل السردية حالة من الهروب من الهموم عبر السخرية من الأوضاع المحرجة أو المأساوية.

4. اللغة الساخرة:

استخدام ألفاظ مثل "عرين طيازهن" يعزز الطابع الكوميدي غير الرسمي، مما يجعل السخرية أكثر وضوحًا ومباشرة. الأسلوب اللغوي هنا يهدف إلى كسر الجدية ونقل الطابع الشعبي للحادث.

فالسخرية والمفارقة في هذه الفقرة تكشف عن تناقضات اجتماعية عميقة وتخلق توازناً بين المأساة والكوميديا، مما يعكس أسلوبًا ذكيًا في التعبير عن التوترات الاجتماعية والثقافية بطريقة غير مباشرة.

 

-        الأصوات السردية

الرواية متعددة الأصوات، حيث يتم سرد الأحداث من وجهات نظر مختلفة.

هذا الأسلوب يعكس تعددية التجارب والمواقف، ويُعطي القارئ فرصة لفهم الشخصيات بشكل أعمق.

تأثير تعدد الأصوات:

-        يجعل القارئ جزءًا من القصة، حيث يشعر وكأنه يتنقل بين أفكار ومشاعر الشخصيات.

-        يعزز من موضوع الرواية الأساسي حول الهوية والتفاعل الاجتماعي.

 

خلاصة المستوى الإجرائي الديناميكي:

 

الرواية تُبرز تطور الشخصيات والأحداث بطريقة تدريجية ومتماسكة، مع تركيز على الصراعات النفسية والاجتماعية، بتقنيات رمزية وغرائبية.

الرواية ليست فقط سردًا للأحداث، بل هي دراسة معمقة للطبيعة البشرية والهوية الثقافية. تجمع بين ديناميكية الشخصيات والتطور النفسي، وبين البناء الفني الذي يوظف الرموز والأصوات السردية بمهارة.

هذه التقنيات السردية تعمل معًا لخلق تأثير ذرائعي يجعل من السرد أكثر تفاعلاً مع القارئ، ويتيح له استكشاف تحولات الشخصيات والأحداث من زوايا متعددة، ويعزز من قيمة الصراع والتطور النفسي الذي يعكس الواقع الاجتماعي والنفسي للشخصيات.

 

 

·      المستوى النفسي

يُعَدُّ المستوى النفسي أحد المكونات الأساسية في المنهج الذرائعي، حيث يتم تحليل الشخصيات من خلال دوافعها النفسية وسلوكها الظاهر وتفاعلها مع السياقات الاجتماعية والثقافية.

إذا أخضعنا الشخصيات الفاعلة في هذه الرواية للتحليل النفسي سنجد  الآتي:

1. الشخصيات الموشومة كرمز لصراع داخلي:

الشخصيات التي تحمل الوشم تعكس صراعًا نفسيًا مركبًا بين القبول والرفض، بين الرغبة في التمرد والخوف من التغيير.

دلالة الوشم نفسيًا:

الوشم ليس مجرد علامة جسدية، بل هو تمثيل للذاكرة والتجارب العاطفية. إنه جرح مفتوح يعيد الشخصيات إلى لحظات من الألم أو التحدي. الوشم، في هذا السياق، يُعبّر عن محاولة الشخصيات لفرض هوية أو خلق مساحة شخصية في مواجهة القوى الاجتماعية أو الضغوط العائلية.

التحليل النفسي:

هذه الشخصيات تُظهر توجهات دفاعية (Defensive Mechanisms)؛ الوشم يصبح أداة للإسقاط (Projection) أو التعويض (Compensation) عن صراعات داخلية لم تُحل.

2. صراع الهوية الفردية والجماعية:

الشخصيات تُصارع بين رغباتها الفردية وبين ما يُفرض عليها من قوى خارجية (اجتماعية، سياسية، أو ثقافية).

مثال نفسي:

المرأة الموشومة تواجه ضغطًا بين جسدها كمساحة شخصية وبين الجسد الذي يُفرض عليه الوشم كموروث اجتماعي.

 هذا الصراع يُمكن تحليله نفسيًا على أنه صراع بين الأنا (Ego) التي تحاول الحفاظ على التوازن، وبين الضغوط الخارجية التي تؤدي إلى اضطرابات نفسية.

3. التحولات النفسية عبر الحبكة:

التطور النفسي التدريجي:

بعض الشخصيات تكتسب وعيًا تدريجيًا بالظروف التي تحكمها، مثل استعادة السيطرة على حياتها أو مواجهة موروثاتها الثقافية.

التحولات المفاجئة:

هناك شخصيات تتغير نتيجة أحداث درامية تُعيد تشكيل قناعاتها. من منظور نفسي، يُمكن تفسير هذه التحولات على أنها لحظات إدراك حاسمة (Epiphanies)، حيث تصل الشخصية إلى فهم جديد لنفسها أو للمجتمع.

4. الجسد كمساحة للصراع النفسي:

الجسد في الرواية ليس مجرد حيز فيزيائي، بل هو أيضًا رمز لصراع الشخصيات مع ذواتها.

الوشم كتعويض نفسي:

الألم الجسدي الناتج عن الوشم يُمكن أن يُنظر إليه على أنه وسيلة للتعامل مع الألم النفسي. هذا يتماشى مع مفهوم التحويل (Conversion) في علم النفس، حيث يتحول الألم النفسي إلى تعبير جسدي.

الحناء والطقوس النسائية:

هذه الطقوس تُبرز محاولة النساء للبحث عن معنى وسط القيود الثقافية. يمكن النظر إلى هذا على أنه استجابة نفسية لمحاولة فرض الذات ضمن حدود المجتمع.

5. دور الذكريات في تشكيل النفسية:

الشخصيات تعيش تحت تأثير الذكريات والموروثات. الذكريات المؤلمة أو الأحداث التاريخية (مثل حادثة سليمان خاطر أو دنشواي) تُشكل جزءًا من اللاوعي الجمعي (Collective Unconscious) للشخصيات.

العلاقة مع الماضي:

بعض الشخصيات تسعى لفهم الماضي كوسيلة لتحرير الحاضر، بينما تظل أخرى عالقة فيه. من منظور نفسي، يمكن تحليل ذلك كحالة من العيش في مرحلة "تثبيت" (Fixation) تمنع الشخصيات من التقدم.

6. أصوات الهامس كانعكاس نفسي:

"الهامسون" في الرواية يُمكن فهمهم على أنهم أصوات داخلية تمثل الضمير أو الوعي الجمعي. من منظور نفسي، يمكن اعتبارهم تمثيلًا للـ"Superego" الذي يُراقب الشخصيات ويُذكرها بمسؤولياتها الاجتماعية أو الأخلاقية.

7. الصراعات النفسية المحورية:

التمرد والخضوع:

بعض الشخصيات تُعبر عن تمردها من خلال أفعال رمزية مثل الوشم، بينما تظهر شخصيات أخرى الخضوع نتيجة الخوف أو التقاليد.

الحب والرفض:

علاقات الشخصيات تحمل في طياتها تناقضات عاطفية، حيث تبحث الشخصيات عن القبول ولكنها تخشى الرفض.

التحرر من الماضي:

محاولة بعض الشخصيات لفهم الماضي والتصالح معه تعكس سعيًا نفسيًا لتحقيق الاتزان الداخلي.

8. النشوة كدلالة نفسية:

مفهوم النشوة الذي تم تناوله في الرواية، سواء من خلال الوشم أو طقوس الزار، يمكن تحليله نفسيًا كحالة من الانفصال عن الواقع (Dissociation) تستخدمها الشخصيات كوسيلة للهروب من الألم أو القهر.

 

الخلاصة:

التحليل النفسي للشخصيات في "وشم الهامسين" يكشف عن تفاعل عميق بين العوامل الداخلية والخارجية. الرواية تُظهر كيف يتجلى الألم النفسي في رموز مثل الوشم والجسد، وكيف يمكن للصراعات النفسية أن تكون انعكاسًا للقضايا الاجتماعية والسياسية. هذا التوسع في التحليل النفسي يُبرز دور الرواية كمرآة للتجارب الإنسانية المعقدة، مما يعزز من قدرتها على التواصل مع القارئ على مستوى عاطفي وفكري أعمق.

ولهذا المستوى النفسي في الذرائعية ثلاثة مداخل تربط النص بالتحليل الذرائعي:

1. المدخل السلوكي التساؤلي

يركز هذا المدخل على دراسة السلوكيات الظاهرة للشخصيات وتحليل دوافعها النفسية والاجتماعية.

الرؤية الذرائعية:

 يتم تصنيف السلوكيات كوسيلة لرصد العلاقة بين الذات الفردية والظروف الاجتماعية. تُستخدم هذه السلوكيات لإثارة أسئلة عميقة حول طبيعة التكيف أو التمرد.

الأمثلة النصية:

عند مواجهة الزواج القسري، يظهر السلوك الظاهري كاستجابة قهرية، بينما يكشف التحليل النفسي عن رغبة دفينة في التحرر.

مشاهد الهروب من الماضي تثير تساؤلات حول أثر الصدمة على الخيارات المستقبلية للشخصيات.

الإسقاط الذرائعي:

يتمحور هذا المدخل حول دراسة العلاقة بين المؤثرات الخارجية (كالبيئة الاجتماعية أو السياسية) وبين استجابات الشخصية، مما يدعم فهم العمق النفسي للصراع الداخلي للشخصية.

 

2.    المدخل التقمصي الوعظي

يُستَخدم هذا المدخل لدفع القارئ إلى التماهي مع الشخصيات واستيعاب معاناتها من خلال تقديمها كرموز أخلاقية أو إنسانية.

الرؤية الذرائعية:

يُنظر إلى التقمص كوسيلة لخلق اتصال عاطفي بين النص والقارئ. الرواية لا تُظهر الشخصيات كبشر فقط، بل كقضايا أخلاقية حية، ما يجعل القارئ يتبنى مواقف نقدية تجاه الواقع.

الأمثلة النصية:

شخصية (هنية) التي تخضع للزواج القسري، تدعو القارئ للتفكير في قيمة الحرية الفردية مقابل التقاليد الاجتماعية.

شخصيات تسعى للتضحية من أجل الأسرة تُبرز أبعادًا أخلاقية متداخلة، تدعو القارئ لمراجعة قناعاته.

الإسقاط الذرائعي:

الرسائل الأخلاقية في النصوص تُبرز أهمية مقاومة القهر الاجتماعي وتحدي السلطة المجتمعية، ما يجعل القارئ متورطًا في الأسئلة الأخلاقية المطروحة.

 

3. المدخل التوليدي العقلاني (التناص)

التناص يُعيد صياغة التجربة النفسية للشخصيات من خلال استحضار نصوص وأفكار موروثة تُثري النص بالدلالات.

الرؤية الذرائعية:

يُظهر التناص كيف تُعيد الرواية توظيف الرموز والأساطير لخلق مشهد نفسي واجتماعي مركب. التناص ليس مجرد استدعاء لنصوص أخرى، بل إعادة إنتاجها لتتناسب مع السياق النفسي للشخصيات.

الأمثلة النصية:

استحضار الرموز الطقوسية كحفلات الزواج والوشم يكشف عن صراعات نفسية واجتماعية متجذرة.

التناص مع نصوص نجيب محفوظ وغسان كنفاني يُظهر التشابه في معاناة الشخصيات تحت وطأة القهر الاجتماعي والبحث عن الذات.

استحضار الأساطير يُبرز التحولات النفسية التي تُعيد صياغة العلاقة بين الفرد والمجتمع.

الإسقاط الذرائعي:

التناص يُستخدم لتوسيع أفق المعاني النفسية في الرواية، ما يجعل النص وسيلة لإعادة النظر في الموروث الثقافي وكيفية تأثيره على سلوكيات الأفراد.

الربط بالمستوى الذرائعي العام

السياق النفسي في الذرائعية:

يتكامل تحليل المداخل الثلاثة في رواية "الهامسون" ضمن المنهج الذرائعي من خلال:

1. الكشف عن الدوافع النفسية والسلوكية للشخصيات (السلوكي).

2. إشراك القارئ في التجربة النفسية والأخلاقية للشخصيات (التقمصي).

3. استدعاء النصوص والتقاليد لتوسيع البنية النفسية والاجتماعية للشخصيات (التناص).

 

الخلاصة:

يتمثل التميز في رواية "الهامسون" بقدرتها على دمج البنية النفسية مع البنى الأخلاقية والاجتماعية، ما يُنتج نصًا ديناميكيًا يُثير القارئ للتساؤل والتفكير. هذه الديناميكية تجعل المستوى النفسي جزءًا لا يتجزأ من البناء الذرائعي للنص، حيث يُبرز التحليل الأبعاد المتعددة للشخصيات، ويمنح الرواية قوة استثنائية في مخاطبة الوعي الجمعي والفردي.

 

·       التجربة الإبداعية :

 

    رواية "الهامسون" لهالة البدري تحمل العديد من النقاط الإيجابية التي تجعلها عملًا جديرًا بالقراءة والتحليل. فيما يلي أبرز الجوانب المضيئة في الرواية:

1. تعدد الأصوات السردية (البوليفونية)

الرواية تعتمد أسلوبًا سرديًا يتيح تنوع وجهات النظر، مما يمنح القارئ مساحة لفهم الصراعات من زوايا مختلفة.

يُظهر هذا التعدد مهارة الكاتبة في بناء شخصيات متباينة وتحريكها ضمن سياق سردي متماسك.

2. الرمزية العميقة

"الهامسون" كعنوان وموضوع يحمل بعدًا رمزيًا يُثير تساؤلات فلسفية واجتماعية ونفسية، مما يدعو القارئ إلى التأمل والتفكير.

3. تناول القضايا الاجتماعي

الرواية تسلط الضوء على قضايا مجتمعية مهمة، مثل قمع الأصوات الفردية، التأثيرات النفسية للعزلة، والصراعات بين الفرد والمجتمع.

تعكس الرواية الواقع الاجتماعي والسياسي بطريقة أدبية تُبرز عمق المعاناة الإنسانية.

4. البعد النفسي للشخصيات

تتسم الرواية بقدرة مميزة على التغلغل في أعماق شخصياتها، مما يجعلها تبدو حقيقية وقريبة من القارئ.

التحولات النفسية التي تمر بها الشخصيات تجعل القارئ يتعاطف معها ويفهم دوافعها.

5. اللغة الأدبية

تتميز الرواية بلغة شعرية آسرة، تُظهر براعة الكاتبة في استخدام التشبيهات والاستعارات، مما يضيف جمالًا وقوة للنص.

6. تقنيات السرد

توظيف أسلوب "تيار الوعي" يعزز من فهم القارئ للعوالم الداخلية للشخصيات.

اعتماد الأحلام كعنصر سردي يُثري النص ويمنح الأحداث بعدًا رمزيًا وفانتازيًا.

7. الرسالة العميقة

الرواية تدعو القارئ للتفكير في قضايا إنسانية عالمية، مثل الحرية، الهوية، والقدرة على مواجهة القهر.

قوة الرسالة تُبرزها الطريقة التي تجعل القارئ يتساءل دون تقديم إجابات مباشرة.

8. التشويق والإثارة

العمل يمتلك بنية سردية جاذبة، حيث تبقى الأحداث مترابطة بطريقة تُشعل فضول القارئ لمواصلة القراءة.

إيجابية إضافية (المرونة التأويلية):

يمكن تفسير الرواية من زوايا مختلفة، مما يجعلها متعددة الطبقات وقابلة لإعادة القراءة لفهم أعمق.

بفضل هذه النقاط الإيجابية، تُعد "الهامسون" عملًا أدبيًا جديرًا بالدراسة، لما تحمله من عمق فكري وثراء في التقنيات الأدبية.

وهناك ملاحظة :

 يُنصح الكاتب بتركيز السرد على الشخصيات المحورية، وإيجاد توازن بين الرمزية والوضوح، مع تجنب التكرار أو المط في المشاهد، والعمل على بناء نهاية متينة تسهم في تعميق الرسالة.

لكل ما تقدم؛ فإن التجربة الإبداعية للكاتبة تتسم بالعمق والتركيز على الجوانب النفسية والاجتماعية للشخصيات. من خلال عملها الأدبي، تتناول مواضيع مثل الهوية والتحديات الداخلية، حيث تستكشف التفاعلات المعقدة بين الفرد وبيئته. يتجلى ذلك في قدرتها على إبراز الشخصيات التي تواجه صراعات نفسية وتغيرات مفصلية في حياتها، بالإضافة إلى التقنيات السردية المبتكرة التي تعتمد على سرد الأحلام وطرق تمرد الشخصيات ضد القوى الخارجية.

تُظهر الكتابة قدرة على استخدام الرمزية والتشبيهات التي تُعمق الفهم للظروف النفسية والاجتماعية، مما يجعل الأعمال الأدبية ليست مجرد سرد لحكايات، بل دعوة للتفكير في قضايا معاصرة ومهمة.

 

·      النتيجة والخاتمة :

تُعدّ رواية " الهامسون" للكاتبة هالة البدري نصًا أدبيًا متشابكًا يجمع بين العمق النفسي، الرمزية السردية، والتفاعل مع القضايا الاجتماعية والإنسانية. ومن خلال التحليل الذرائعي، الذي يتناول النص عبر مستوياته المختلفة – الإجرائي، النفسي، الاجتماعي، والأخلاقي – يمكن رؤية العلاقة العضوية التي تربط بين عناصر النص لتقديم رؤية متكاملة.

على المستوى الديناميكي الإجرائي، تُبرز الرواية الوشم كعنصر سردي مركزي يربط بين الماضي والحاضر، ويعمل كأداة للتداخل الزمني بين الذاكرة الفردية والجماعية. هذا الرمز يمتد ليعكس، على المستوى النفسي، صراعات الشخصيات الداخلية، حيث يصبح الجسد مساحة للتعبير عن الألم، الهوية، والمقاومة. في السياق الاجتماعي، يُظهر الوشم كيف تؤثر البنى الاجتماعية والثقافية في تشكيل هوية الأفراد، ويفتح باب التساؤل حول تأثير القوى الخارجية على الوعي الفردي. أما على المستوى الأخلاقي، فتقدم الرواية تساؤلات عميقة حول علاقة الفرد بموروثه التاريخي والاجتماعي، وعن إمكانية التحرر من الماضي أو الحاجة إلى مواجهته لفهم الذات.

الرؤية الذرائعية في هذا التحليل توضح أن النص لا يتعامل مع مكوناته كعناصر منفصلة، بل ككيان ديناميكي يسعى لتحقيق رسالة عامة: أن الهوية الفردية ليست كيانًا ثابتًا، بل هي نتاج تفاعل دائم بين الماضي والحاضر، بين الفرد والمجتمع، وبين القيم التقليدية والرغبة في التجديد.

تدعو الرواية القارئ للتأمل في هذه التداخلات عبر إثارة الأسئلة بدلًا من تقديم إجابات جاهزة، مما يجعلها نصًا حيًا ينفتح على قراءات متعددة. وبذلك، يُمكن القول إن التحليل الذرائعي للرواية لا يسلط الضوء فقط على تقنياتها السردية والرمزية، بل يعزز من فهم رسالتها الإنسانية الأوسع التي تتمثل في الدعوة إلى الوعي بالذات كخطوة أساسية لفهم الماضي واستشراف المستقبل.

أخيرًا، تبقى "الهامسون" نموذجًا للرواية التي تستحق التحليل والدراسة المستمرة، لما تحمله من عمق سردي ورؤية فلسفية تسبر أغوار النفس البشرية، وتفتح آفاقًا جديدة في الأدب العربي الحديث.

 

                                #دعبيرخالديحيي               الإسكندرية - مصر                          4/1/ 2025

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع

 

1.    الغالبي، ع. ع. (2016). الذرائعية في تحليل النص الأدبي. بغداد: دار الكتب العلمية.

2.    فضل، ص. (1992). بلاغة الخطاب وعلم النص. القاهرة: دار الشروق.

3.    مفتاح، م. (1985). تحليل الخطاب الشعري: استراتيجية التناص. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.

4.    يحياوي، ر. (2007). جماليات التداخل الزمني في الرواية العربية. مجلة فصول، العدد 68، ص ص. 103–120.

5.    السعداوي، ن. (1990). الوجه العاري للمرأة العربية. بيروت: دار الآداب.

6.    الشيخ، ح. (2005). حكايتي شرح يطول. بيروت: دار الآداب.

7.    باختين، م. (2004). أسلوب الرواية (س. الغانمي، مترجم). بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر. (نُشر العمل الأصلي 1935).

8.    جينيت، ج. (2000). خطاب الحكاية (م. معتصم، مترجم). الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي.

9.    تودوروف، ت. (1999). مدخل إلى الأدب العجائبي (أ. أبو زيد، مترجم). بيروت: المؤسسة الجامعية للدراسات.

10. غرايس، ب. (1989). المنطق والمحادثة (ع. ج. الطاهر، مترجم). بيروت: دار الفكر الحديث. (نُشر العمل الأصلي 1975).

11. بورديو، ب. (1993). التمييز: النقد الاجتماعي للذوق (ن. العوفي، مترجم). الدار البيضاء: دار توبقال.

12. ليفى-ستروس، ك. (1992). الأسطورة والمعنى (ج. أبي صالح، مترجم). بيروت: دار الحقيقة.

13. موران، إ. (2008). الثقافة والحضارة (ج. سعد، مترجم). بيروت: دار الفارابي.

14. فوكو، ميشيل. (1991). المراقبة والمعاقبة: ولادة السجن. ترجمة: جورج أبي صالح. بيروت: دار النهار.

15. باتلر، جوديث. (2017). الذات تصف نفسها. ترجمة: هشام عبد الكريم. المركز الثقافي العربي.

16. مستغانمي، أحلام. (1993). ذاكرة الجسد. بيروت: دار الآداب.

17. بركات، نجوى. (2006). يا سلام. بيروت: دار الآداب.

18. أتوود، مارغريت. (1985). قصة الخادمة. (The Handmaid’s Tale). ترجمة: نوال نصر الله. دار المدى.

19. مارزانو، ميشيلا.(2007 ). فلسفة الجسد. (ترجمة:نبيل أبو صعب).

20. الرايس،حياة. (1995). جسد المرأة من سلطة الإنس إلى سلطة الجان. سينا للنشر.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

سرد الاغتراب والبحث عن المعنى قراءة ذرائعية في رواية ( منروفيا ) للكاتب المصري أحمد فريد مرسي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

إشهار كتاب النزعة الصوفية والنزعة التأملية في شعر الأديب السوري منذر يحيى عيسى

أدب الرحلات المعاصرة: سفر في الجغرافيا والذات دراسة ذرائعية مستقطعة على كتاب (نيويورك في عيون زائرة عربية) للكاتبة اللبنانية هناء غمراوي بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي