الشعراء في فضاء الفردوس قراءة ذرائعية في جدلية السؤال والمعنى قصيدة / ماذا يفعل الشعراء في الجنة/ للشاعر السوري منذر يحيى عيسى بقلم الناقدة د. عبير خالد يحيي
ينتمي النص إلى نمطٍ أدبيٍّ مفتوح يتخذ
صيغة التساؤل الفلسفي-الشعري مدخلًا لإعادة النظر في التصورات الميتافيزيقية حول
"الحياة الأخرى". فبدلًا من أن يكتفي بتصوير الجنة كفضاء مكتملٍ للنعيم
الأبدي، يضعها النص في مرمى الأسئلة النقدية التي تتجاوز الخطاب الوعظي التقليدي،
لتثير قضايا جوهرية عن معنى الوجود، والزمن، والعلاقة بين الإنسان والمتعة
والمعنى.
المنهج المعتمد
هنا هو المنهج الذرائعي، عبر التركيز على:
1. المستوى العميق: الحفر
في الدلالات الفكرية والرمزية وراء الخطاب.
2. المستوى النفسي (المدخل
السلوكي-التساؤلي): تتبع البنية النفسية والذهنية التي تتحكم في إنتاج النص، ورصد
السلوك اللغوي القائم على التكرار الاستفهامي.
أولًا: المستوى
العميق
يتأسس النص على
إشكالية وجودية كبرى: ماذا بعد تحقق الوعد؟ هل يتوقف الوعي عن طرح الأسئلة حين
يدخل الإنسان الجنة؟
من خلال سلسلة
طويلة من الأسئلة، يُعاد إنتاج الجنة كفضاء مفتوح للتفكير، لا كخاتمة مطمئنة.
فالنص يحفر في عدة مستويات:
الطقوس
والعبادة: هل تسقط الفرائض بانتهاء زمن التكليف، أم تستمر العبادة في حالة نشوة
خالدة؟
الزمان
والذاكرة: كيف يُقاس الزمن في مكانٍ لا ليل فيه ولا نهار؟ وهل يبقى للساكن ذاكرة
يسترجع بها ماضيه الدنيوي؟
الطبيعة والكون:
كيف تنمو الأشجار دون فصول وتعاقب؟ وهل تظل الألوان الأخرى مهمشة أمام هيمنة
الأخضر؟
الهوية
والعلاقات: هل يبقى الساكن بشريًا بمواصفاته القديمة، أم يتحول إلى كائن جديد
يتناسب مع الفردوس؟ وكيف تُبنى العلاقات دون تناسل أو غيرة أو تنافس؟
الفن والشعر: ما
موقع الشعراء في فضاء لا يعرف النقصان ولا الحزن؟ وهل تظل الحاجة قائمة للشعر إذا
كانت السعادة مطلقة؟
بهذا يكشف
المستوى العميق أن النص لا يقدّم صورة "أخروية" بقدر ما يقدّم نقدًا
للوجود نفسه، عبر إعادة التفكير في المعنى والغاية، وكأن الجنة لا تنهي مسيرة
التساؤل البشري بل تديمه في أفق جديد.
ثانيًا: المستوى
النفسي (المدخل السلوكي – التساؤلي)
1. البنية السلوكية
النص مبني
بالكامل على تتابع سلوكي لغوي قائم على الاستفهام. استخدام أداة "هل" في
معظم الأسطر يعكس إصرارًا على تحويل النص إلى مجموعة من الأسئلة المفتوحة، لا
أجوبة لها، بل هي غاية في ذاتها. هذا السلوك يشي بعقلية نقدية لا تهدأ حتى في
مواجهة الفردوس.
2. التوتر بين الحسي
والميتافيزيقي
الأسئلة الأولى
تنشغل بالملموس: الطقوس، الضوء، الأشجار، الألوان، الولدان، الطيور.
ثم ترتقي
تدريجيًا إلى الميتافيزيقي: الهوية، الذاكرة، معنى الزمن، دور الشعراء.
هذا التناوب
يعكس حالة نفسية مزدوجة: حنين إلى التفاصيل الحسية من جهة، وقلق وجودي عميق من جهة
أخرى.
3. المدخل السلوكي التساؤلي
كاستراتيجية دفاعية
السلوك النفسي
هنا يقوم على رفض اليقين، فالكاتب لا يطمئن للوصف الجاهز للجنة، بل يعيد تفكيكه
عبر سلسلة من "هل" و"كيف".
هذا يكشف عن لا
يقين وجودي؛ فحتى أمام وعدٍ أبدي بالسعادة، تبقى النفس البشرية مشدودة إلى السؤال،
كأنها لا تستطيع العيش بلا قلق معرفي.
4. الدلالة النفسية
النص يكشف أن
الخيال البشري عاجز عن تصوّر الكمال، فيلجأ إلى أدواته القديمة: الرغبة، السؤال،
الشك. حتى في صورة الجنة، يبقى الشاعر أسير طبيعته الإنسانية التي تبحث عن
"المعنى" أكثر مما تبحث عن "المتعة".
ثالثًا: المستوى
الحجاجي
النص في جوهره
يقوم على جدل مفتوح مع الموروث الديني والفكري. لكنه لا يدخل في مواجهة مباشرة، بل
يعتمد الاستفهام التوليدي (سلسلة أسئلة متتابعة) كآلية حجاجية. هذا الحجاج يقوم
على عدّة ملامح:
1. الحجاج مع الموروث
الديني
النص يطرح أسئلة
حساسة:
هل في الجنة
طقوس عبادة كما في الدنيا؟
كيف يُقاس الزمن
بلا ليل ونهار؟
من أين يأتي
"الولدان المخلدون" إن كان لا تناسل؟
ما حاجة المؤمن
للشعر في حياة كاملة؟
هذه الأسئلة لا
تنكر الموروث لكنها تفككه وتعيد ترتيبه في ضوء منطق عقلاني، فتصبح أشبه بحوار
داخلي مع النصوص الدينية، يترك للقارئ حرية إعادة التفكير.
2. الحجاج الوجودي–الفلسفي
النص ينقل الجنة
من كونها وعدًا أخرويًا إلى حقل تفكير أنطولوجي:
إذا كانت
السعادة مطلقة، هل يبقى مجال للشعر، وهو نتاج الألم والقلق؟
إذا كانت المتع
حسية، فهل تظل الروح بحاجة إلى معنى يتجاوز الحس؟
بهذا يبرهن النص
ضمنيًا أن المعنى أسبق من اللذة، وأن الإنسان كائن يسأل قبل أن يكون كائنًا يتذوق.
3. الحجاج البلاغي (لغة
السؤال)
تكرار أدوات
الاستفهام ("هل"، "كيف"، "ما مصير") هو بنية خطابية
حجاجية، تجعل النص يبدو وكأنه يقيم مناظرة مع قارئ غير مرئي.
كل سؤال يُنتج
سؤالًا آخر، ما يضع المتلقي في دائرة تفكير لا تنغلق.
الحجاج هنا ليس
لإقناع القارئ بفكرة جاهزة، بل لدفعه إلى المشاركة في القلق المعرفي، أي أن النص
يستخدم "السؤال" كسلاح بلاغي لتوليد الحوار.
في الختام:
إن نص
"ماذا يفعل في الجنة الشعراء؟!" ليس مجرد تمرين شعري، بل هو مشروع
جدلي–فلسفي يوسّع دائرة التفكير في ما بعد الحياة.
على المستوى
العميق، يكشف النص عن عجز المخيلة البشرية عن استيعاب الكمال، فيُحوّل الجنة إلى
أفق للتساؤل بدلًا من الاكتفاء بها كإجابة.
على المستوى
النفسي (التساؤلي–السلوكي)، يظهر القلق الوجودي كطبيعة لا تفارق الإنسان، حتى لو
وُعد بالنعيم المطلق.
على المستوى
الحجاجي، النص يدخل في حوار ضمني مع الموروث الديني والوجودي، محوّلًا السؤال إلى
أداة بلاغية لإشراك القارئ في رحلة البحث عن المعنى.
بهذا يُبرهن
النص أن الشعراء حتى في الجنة لا يملكون إلا أن يسألوا، وأن الشعر نفسه قد يكون
الشكل الأعلى للخلود، لأنه يعكس حاجة الإنسان الدائمة إلى المعنى قبل المتعة، والسؤال
قبل الإجابة.
النص الشعري
ماذا يفعل في
الجنة الشعراء ؟!
هل في الجنة
أمكنة للعبادة؟!
ام سيكون المؤمن
في حالة أنتشاء
!
وقد تعطلت
الحدود
كأنها فترة
استراحة
من فروض وإظهار
طاعةٍ وطقوس تقوى!
هل يملك ساكن
الجنة
ذاكرة
بها يستعيد
زمناً مضى
كان يضج بالرغبات
ومضت على شاطئ
وقته
كالزبد ؟!
في الجنة
كيف يمضي الوقت!
هل من تعاقب
لليل والنهار
وكيف ترتب
الأيام
هل من يوم
محدد لعطلة
الأسبوع
وهل من تعاقب
للفصول
وكيف تثمر أشجار
الجنة!
وهل تحتاج
الضياء ؟
أكيد انها دائمة
الخضرة
وارفة الظلال!
هناك كيف للخريف
أن يعلن ألوانه!
أم أنه الربيع
فصل ديمومة
وبقاء
هل تمطر السماء
؟!
والسؤال المحيّر
هل يملك ساكن
الجنة
نفس مواصفات
البشر؟!
ام هناك كائن
جنيٌّ
نسبة للمكان ؟!
ما دامت المتع
في الجنة
حسية كما يروى
وتثير الشهية
كما هي في
الدنيا
فلا بدّ من
حواسٍ لساكنيها
بصرٌ ولمسٌ
،ذوقٌ وشمٌ
سمعٌ فقد تصدح
بعض الطيور!
أكيد لا وجود في
الجنة
للبنفسج!
وأكيد أن عشبة
الخلود
توزع بالمجان
وبلا بطاقات
مقننه!
ما دام للأخضر
في الجنة الغلبة
ما هو مصير بقية
الألوان !
في الجنة ذكر
وأنثى
وهل من طارئ على
الأعمار ؟!
لا تناسل ولا
تكاثر
إذن من يأتي
الولدان المخلدون ؟!
في الجنة
هل يتعارف
الساكنون
وهل تداهم وقتهم
ذكريات الحياة السابقة؟!
كيف تكون أنماط
العلاقة؟
أكيد لا مكان
للغيرة
ولا للبغضاء
ولا تنافس
فهم تجاوزوا
مشاعر الإنسان
قبل دخولهم تلك
الجنان...
وأكثر ما يحيّر
سؤال:
هل من حاجة
للشعر
و هل للشعراء
مكانة؟!
هل تكون تلك (
الحياة )
نقولها مجازاً
سعيدة
دون شعر
وأغنيات!
إذا ما وجد
الشعراء
هل سيقولون
كعادتهم في الدنيا
مالا يفعلون ؟!
وهل من وديانٍ
فيها يهيمون ؟!
وإذا ما...
هل سيتبعهم
في تهويمهم
الغاوون ؟!
نص لم يكتمل
١١/٢٠٢١م
منذر يحيى عيسى
#دعبيرخالديحيي الاسكندرية – مصر 25/ 8/ 2025
تعليقات
إرسال تعليق