بين القضمة الأولى وحقل الزمان: قراءة ذرائعية في التجربة الإبداعية في المجموعة الشعرية " تفّاح " للشاعر اللبناني د. سلمان زين الدين بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي
يمثّل ديوان «تفاح»
للشاعر سلمان زين الدين مشروعًا شعريًا متكاملًا يقوم على استدعاء الأسطورة الأولى
(آدم، حواء، التفاحة، والثعبان) بوصفها أصل الوجود الإنساني ومفتاح أزماته. ومن
خلال قصائد متنوّعة، تتخذ الأسطورة أبعادًا وجودية ووجدانية، فتغدو الخطيئة الأولى
استعارة كبرى عن الحب، الرغبة، الموت، القدر، والقلق الإنساني.
القصائد مثل «ليل»، «كرى»، «قضاء وقدر»، «رمش»،
وغيرها، تجسّد مواجهة الشاعر مع الزمن والفناء واليقظة الروحية. أما الغلاف
الأمامي والخلفي والإهداء فيوحّدون الرؤية في صورة بصرية–دلالية للإنسان الأسير
للخطيئة الأولى.
من هنا تأتي هذه الدراسة الذرائعية لتقف عند
معالم التجربة الإبداعية للشاعر، عبر تحليل البؤرة الفكرية، الخلفية الأخلاقية،
المستويات البصرية واللغوية والنفسية، وصولًا إلى التقييم النهائي للتجربة.
سأقوم بتحليل بعض القصائد:
§ القصيدة الأولى :شِعر
" قداسة النور ورمزية الخلاص"
تتخذ قصيدة (شِعر) موقعًا خاصًا في بنية التجربة
الشعرية في هذه المجموعة، إذ تقدّم رؤية للشعر بوصفه طقسًا نورانيًا يلامس حدود
القداسة. تتجلّى في النص جدلية بين النور والعتمة، بين الانطفاء والإشراق، ليغدو
الشعر وسيلة خلاص روحي ووجودي. هذه القراءة الذرائعية تستعرض المستويات المتعددة:
الفكرية والأخلاقية والبصرية والديناميكية واللغوية والجمالية والنفسية، إضافة إلى
التناص والتجربة الإبداعية، مع شواهد نصية توضح مسار التحليل.
القصيدة تفعيلة معنونة بعنوان جوهري هو
"شِعر"، وهو عتبة تُعلن أن موضوع النص ليس وصفًا عارضًا بل تعريفًا
للشعر ورؤية فلسفية له. منذ المطلع:
«عندما الشِّعرُ / إلى زُرقِ القناديلِ / التي يُسرِّجها في غفلةٍ/
من زمنٍ ليلٍ/ يناديني، ألبّي…» (ص 9)
يتضح أن الشعر كائنٌ نوراني يُشعل القناديل
ويقاوم الليل، بما يفتح أفقًا روحيًا وخلاصًا وجوديًا.
البؤرة الفكرية تتمثّل في:
الشعر فعل قداسة وإشراق، يتجاوز الوظيفية الأدبية ليصبح خلاصًا من العتمة ووسيلة
لخلق الفردوس الداخلي:
الخلفية الأخلاقية هنا تقوم على
إيمان الشاعر برسالة الشعر كقوة تطهيرية وإحيائية. فالنص يصوّر الشعر
كـ"براكين" محررة، تقذف نارها لتحرق كل ما هو يابس (ميت، عقيم، بلا حياة)
في "عشب القصيدة".
«من زمانٍ/ يطلق الشعرُ/ من الأسر
براكيني/ فتمضي تقذفُ النارَ/ التي تحرقُ اليابسَ/ من عشب القصيدة» ص11
بذلك، الأخلاقية الكامنة: رفض الجمود، ومحاربة
العقم الفني والفكري، وإعلاء قيمة الشعر بوصفه فعل حرية وخصب متجدد.
يعلن الشاعر أن الشعر مسؤولية لا تقتصر على
التعبير، بل تتجاوز إلى تغيير الواقع الفني والأخلاقي: إزالة ما فسد، وإحياء ما
يصلح.
المستوى البصري : يتأسس النص
على ثنائية بصرية قوية:
النور/القناديل/الأضواء: « مُذْ راودَ
الضوءُ/ عن الريش جناحي، / تُفتِنُ الأضواءُ قلبي»
العتمة/الليل/الطريدة: «فتعييني
الطريدة»
البنية البصرية تمنح القصيدة مسرحية ضوئية، أشبه
بطقس شعائري.
المستوى اللغوي والجمالي:
اعتماد التكرار البنائي: «عندما الشعر…»
ما يرسّخ الإيقاع الداخلي.
لغة صوفية رمزية مشبعة بالاستعارات (النور،
الفردوس، الطريدة، يمّمت شطري).
إيقاع تفعيلة حرّ يسمح بانسيابية المعنى وتوتره
الشعوري.
المستوى الديناميكي:
1. التقنيات: الحوار مع الشعر (يناديني، يدعوني، يغويني).
2. التضاد البنائي: النور/الظلام – النار/الفردوس –
النداء/الطريدة.
3. الحركة النصية: من نداء الشعر «يناديني، ألبّي»
إلى فعل الخلاص بالنور «أطلق النار على تفاحه حينًا»
المستوى النفسي::
السلوكي: الشعر فعل مقاومة، إذ يوقظ القلب: «تُفتِنُ
الأضواءُ قلبي»
التقمّصي: الذات تتماهى مع الشعر ككائن نوراني: «أعشقُ التَّحليق
/ في ضوء القناديل»
الإيحائي العميق: رمز الفردوس، الطريدة، النار،
يمّمت شطري، التطواف، الشعلة← إحالات صوفية وجودية.
الوجداني: صدق التوتر الشعوري حاضر في الأفعال
الانفعالية (يناديني، يدعوني، يغويني).
التناصّي:
تناص مع آية النور: «ضوء
القناديل».
تناص مع التراث الصوفي (ابن الفارض، الرومي): الشعر
طريق الخلاص.
تناص مع الرمزية المسيحية–الإسلامية في مفهوم
الفردوس.
التجربة الإبداعية تنطق بوعي الشاعر أن الشعر
ليس مجرد فن، بل قدر وجودي، ومصدر خلاص داخلي. فهي تُخضِع اللغة لحركة صوفية/رمزية
تجعل من القصيدة فضاءً قدسيًا.
قصيدة (شِعر) نصّ يعلن الشعر قداسةً نورانية، لا
أداة إغرائية أو زخرفية. القراءة الذرائعية تكشف عن طبقات رمزية وإيحائية تجعل
النص علامة في أدب الرؤية الصوفية–الرمزية، حيث الشعر وسيلة للخلاص الروحي وصناعة
الفردوس الداخلي.
§ القصيدة الثانية: أندلس
" في ذاكرة الوصل وحنين المكان"
قصيدة (أندلس) تستعيد الأندلس كرمز للزمن الجميل
المفقود، وتجعل من المكان الفردوسي إطارًا لذكريات الطفولة والوصال. النص يقوم على
بنية حنينية وجدانية، حيث يذوب المكان في القلب، وتتماهى الطفولة مع الأغصان
الخضراء، لينسج النص رؤيته حول الزمن الذي ولّى لكنه لا ينمحي من الذاكرة. الدراسة
الذرائعية تكشف مستويات البؤرة الفكرية، الخلفية الأخلاقية، البصري، الديناميكي،
اللغوي، النفسي، والتناصي، بما يوضح خصوصية هذا النص في استعادة أندلس الداخل لا
التاريخ فقط
منذ الافتتاح:
«لزمان الوصل / في أندلسِ العُمر / مكانٌ في فؤادي / لا يُجارِيه
مكان»
نجد الشاعر يوظف "الأندلس" ليس كمكان جغرافي
فحسب، وإنما كرمز داخلي مقيم في القلب. الأندلس هنا فضاء حنين ومقام وصل، يعلو على
الزمان والمكان.
البؤرة الفكرية تتمثل في:
الأندلس بوصفها رمزًا للوصال والطفولة والفردوس المفقود، يظل حيًّا في القلب رغم
تقادم الأزمنة:
«يومها كنّا شياطينَ صغارًا/ نطلق السيقانَ للريح/ ونمضي ».
الخلفية الأخلاقية تتجلّى في تقديس الماضي الطاهر/البريء، حيث لم
يكن هناك خوف ولا ملاحقة:
«لم نكُ نخشى من الصيادِ غدرًا / كانت اللحظةُ كنزًا من أمان»
هنا يظهر موقف أخلاقي يمجّد الطفولة والأمان في
مقابل واقع لاحق ملوّث بالخوف.
المستوى البصري:القصيدة غنية بالصور البصرية:
«كُنّا عصافير / على أغصاننا الخُضر نُغنّي»
«والقمر… / ودوالي الغيم أذنى / من عناقيد المطر»
« فإذا ما أطلق الحلمُ يديه/ يقطفُ الضوءَ أو الماءَ / ولا يعنيه
ما يحيا من اللؤلؤ»
هذه المشهدية تجعل النص لوحة طبيعية نابضة.
المستوى اللغوي والجمالي:
اللغة مشبعة بالصور الحسية (العصافير، الأغصان،
القطر، الضوء، اللؤلؤ).
الأسلوب قائم على الجمع بين البساطة (سرد
الطفولة) والرقي البلاغي (صور شعرية مكثفة).
الجمالية في التوازي الإيقاعي: «لم يكن يشغلنا
ماضٍ تولّى / أو أَوانٌ سوف يأتي»
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
الحوار مع الزمان (يا زمان الوصل- لزمان الوصل
).
التكرار البنائي (يومها… يومها…).
الاستدعاء من الماضي إلى الحاضر.
2. الحركة النصية:
النص يبدأ بالوصال ثم ينتقل إلى مشهد الطفولة، فإلى
وصف اللحظة الطاهرة بلا خوف، وأخيرًا إلى مناجاة الزمن/القدر:
«يا زمان الوصل / في أندلس العمر / سقَاك الله غيثًا»
المستوى النفسي
السلوكي: النص يستعيد سلوك الطفولة (الغناء،
اللعب، التسابق).
التقمّصي: الشاعر يتقمص طفولته كعصفور في
الأغصان: «كُنّا عصافير»
الإيحائي العميق: الأندلس تتحول إلى رمز للفردوس
المفقود، لكنها تُستعاد وجدانيًا.
الوجداني: حرارة العاطفة تنبض في نداء الزمن،
والتعلق بالوصال.
المستوى التناصي:
-
مع بيت لسان
الدين بن الخطيب في المطلع (تصدير النص).
-
تناص مع
القصيدة الأندلسية عامة (صور الطبيعة، الغناء، الماء، النور).
-
تناص ضمني مع
سورة "النجم": «قاب قوسين أو أدنى» (ص 13).
التجربة الإبداعية هنا تقوم على
استعادة الطفولة والوصال عبر رمز الأندلس، حيث تتحول الذكريات إلى مساحة خلاص من
واقع الخوف والخذلان. إنها تجربة ذاتية–جماعية، تربط بين حنين فردي (الطفولة) ورمز
حضاري (الأندلس).
قصيدة (أندلس) نصّ يزاوج بين الذكرى الفردية
والتاريخ الجمعي، ليجعل من الأندلس رمزًا للوصال الأبدي والفردوس الضائع. القراءة
الذرائعية تكشف عن غنى بصري ولغوي ونفسي، وعن تجربة شعرية تستعيد التاريخ عبر
الحنين، وتحوّل المكان المفقود إلى يقين قلبي لا يزول.
§ القصيدة الثالثة :سجن
"جدلية الخلود وسجن الحياة"
تستند قصيدة (سِجن) إلى أسطورة يونانية قديمة،
لكنها تعيد قراءتها برؤية وجودية معاصرة: الخلود ليس نعمة بل لعنة، إذ يتحوّل إلى
سجن ممتد لا فكاك منه. القصيدة تتحرك في ثنائية الحياة/الموت، النور/العتمة،
الولادة/الرحيل، لتطرح سؤالًا جوهريًا: هل هذه الدنيا- بغير موت- إلّا سجن كبير؟
القراءة الذرائعية تكشف مستويات النص المختلفة، من البؤرة الفكرية حتى التجربة
الإبداعية.
القصيدة تُفتتح بتصدير، على شكل إحالة أسطورية:
«حين أحبّت أورورا (ربة الفجر) تيثونوس ابن ملك طروادة… الواني
يشكو الخلود ويتمنى الموت»
هذا المدخل يضع النص في إطار جدلية كبرى: الرغبة
بالخلود مقابل وطأة الزمن. ومنه تنطلق القصيدة إلى رؤية شعرية تعالج علاقة الإنسان
بالموت والحياة.
البؤرة الفكرية هي: الخلود
سجن، والموت ضرورة تمنح للحياة معناها.
يتضح ذلك في:
«هل هذه الدنيا بلا موتٍ / سوى سِجنٍ كبير».
القصيدة تحمل خلفية
أخلاقية–وجودية ترى أن الموت ليس عدوًا بل حكمة كونية، بينما
الخلود عذاب:
«ولأنها محكومةٌٌ/ بالموت حكمًا مبرمًا / هذه الحياة نحبها»
الموت هنا يُمنح قيمة إيجابية لأنه يمنع الحياة
من التحول إلى عبث.
المستوى البصري
النص مشبع بالصور الكونية:
البحر الكبير: «ولأنها تمضي /
إلى البحر الكبير»
الجسر: «ولأنها الجسر
/ الذي يصل الولادة بالرحيل»
الشمس والنجوم: « فالنجمُ
أجملُ/ إذ يموتُ مع الصباح/ والشمسُ تغلو كلما أوْفَتْ / على طيّ الجناح»
هذه المشاهد البصرية تجعل الموت جزءًا من دورة
كونية (بحر/جسر/شمس).
المستوى اللغوي والجمالي:
لغة رمزية وجودية، تمزج الأسطورة بالواقع.
الأسلوب قائم على الجمل القصيرة المتقطعة، ما
يعكس التوتر الشعوري.
التكرار يرسخ الفكرة: «ولأنها…»
الجمال في المفارقة: الموت يُصوَّر كجسر،
والخلود يُصوَّر كسجن.
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
التمهيد الأسطوري (أورورا- تيثونوس- زيوس).
التكرار البنائي: «ولأنها…».
الأسئلة الفلسفية: «هل هذه الدنيا
بلا موت…؟».
2. الحركة النصية:
تبدأ بمحدودية الإنسان أمام الموت.
تنتقل إلى صورة البحر والجسر والرحيل.
تنتهي بالسؤال الحاسم عن الدنيا كسجن:
«هل هذه الدنيا بلا موت/ سوى سجن كبير / يقتضي إنفاذنا / الحكمَ
المؤبد بالحياة؟»
المستوى النفسي
السلوكي: قبول الموت كفعل وجودي طبيعي.
التقمّصي: الشاعرة تتقمص موقف تيثونيوس الأسطوري
الرافض للخلود.
الإيحائي العميق: الأسطورة تُحيل إلى معانٍ
وجودية عميقة (الموت خلاص).
الوجداني: صدق العاطفة يتجلى في الصراع الداخلي
بين حب الحياة والرغبة في نهايتها.
المستوى التناصي:
التناص الأسطوري: أسطورة أورورا وتيثونيوس.
التناص الفلسفي: قريب من رؤى ألبير كامو عن
عبثية الحياة بلا نهاية.
التناص الديني: الجسر يوحي بـ"الصراط"
في التصور الإسلامي.
التجربة الإبداعية تكشف عن وعي
شعري فلسفي يوظف الأسطورة لطرح أسئلة كبرى حول معنى الحياة والموت. الشاعرة لا
تستسلم لفكرة الخلود كنعمة، بل تقلبها إلى لعنة وجودية، لتؤكد أن الموت هو الذي
يمنح للحياة قيمتها.
قصيدة (سِجن) نص وجودي بامتياز، ينطلق من
الأسطورة ليعود إلى أسئلة الإنسان الكونية. القراءة الذرائعية أبرزت كيف يتشكل
النص من جدلية الخلود/الموت، ليخلص إلى أن الخلود ليس حياة، بل سجن ممتد، وأن
الموت ضرورة للمعنى.
§ القصيدة الرابعة: رَمْش
"رمزية الفناء وخفّة الوجود"
قصيدة (رَمش) تتخذ من التراب رمزًا للفناء الذي
يبتلع الأجساد عبر القرون، وتضع القارئ أمام مواجهة مباشرة مع حتمية الموت. النص
يقوم على جدلية: ثقل الأجساد/خفّة الروح، النوم الأبدي/حكايات القناديل، السير على
التراب/المشي فوقه. بهذه الثنائيات يعيد الشاعر صياغة وعيه الوجودي، مؤكدًا أن
الفناء ليس عبثًا بل عودة إلى الأصل.
منذ الافتتاح:
«الثرى الغارقُ / في بحر الكرى / أجسادُنا…»
يضع النص الأجساد في مواجهة التراب والنوم
الأبدي، حيث الجسد رهينة الفناء منذ لحظة الوجود.
العنوان (رَمش) يوحي باللحظة العابرة، وكأن
الحياة كلها ليست إلا رمشة في عين الأبدية.
البؤرة الفكرية هي: الفناء
الحتمي الذي يحكم الوجود الإنساني، والعودة إلى التراب كقدرٍ أبدي.
«تلك التي نامت / على مرّ القرون» .
الخلفية الأخلاقية تكشف عن رؤية
واعية بالزمن، لا تسعى إلى إنكار الموت وإنما إلى قبوله كجزء من دورة كونية:
«ولا تستنهضِ الموتى من النومِ / فقد أتعَبَهم طولُ السهر»
القصيدة ترفض وهم الخلود، وتؤمن أن الاستقرار في
الفناء هو شكل من أشكال الرحمة.
المستوى البصري
النص ممتلئ بالصور البصرية القوية:
«التُراب الغارق في بحر الكرى»
صورة حسية–رمزية للفناء.
«وحكاياتُ القناديلِ/ التي قد أسرجُوها» القناديل رمز للذاكرة
التي تضيء رغم الموت.
«هذا الثرى أجسادُنا/ تلك التي ائتُمِنتْ على أرواحِنا» صورة
للجسد المثقل بالمصير.
المستوى اللغوي والجمالي
اللغة وجودية رمزية مشحونة بإيحاءات فلسفية.
إيقاع النص يتأرجح بين الجمل الطويلة المتأنية (إيحاء
بالثقل) والقصيرة الحادة (إيحاء بالصرامة).
التكرار: «وهو رمش… وهو
رمشي…» يعكس دائرية الحياة.
المفردات تحمل تناوبًا بين الثقل/الخفة (ثقل
الوطء/خفيف الوطء).
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
التكرار (وهو رمش… ).
الحوار مع "الصديق": «يا صديقي…»
التضاد (الموت/النوم – السير/المشي فوق التراب).
2. الحركة النصية:
البداية: صورة التراب الغارق والأجساد النائمة.
الوسط: توكيد استحالة استنهاض الموتى، واكتفاء
القناديل بذاكرة خافتة.
النهاية: الحكمة الفلسفية:«خفِّف الوطءَ
قليلاً / فأديم الأرض عرشٌ/ نستوي، في بادئ الأمر، عليه»
المستوى النفسي
السلوكي: دعوة إلى التواضع وخفّة السير على
الأرض.
التقمّصي: الشاعر يتقمص صوت الحكيم الناصح
للصديق.
الإيحائي العميق: التراب رمز للقدر والعودة إلى
الأصل.
الوجداني: حرارة العاطفة تنعكس في التحذير
العاطفي: «خفّف الوطءَ قليلاً».
المستوى التناصي
-
تناص مع النص
القرآني
-
تناص مع أبيات
أبي العتاهية في الزهد (الموت والنهاية الحتمية).
-
تناص فلسفي مع
هايدغر (الإنسان ككائن نحو الموت).
التجربة الإبداعية : تكشف عن وعي
فلسفي–وجودي، يعيد قراءة الحياة بوصفها رمشة قصيرة تنتهي حتمًا إلى التراب. النص
يوازن بين الشعرية (القناديل، القمر، البحر) والفلسفة (الموت، الفناء، الزمن).
قصيدة (رَمش) نصّ وجودي–رمزي يعيد صياغة علاقة
الإنسان مع الموت والفناء، ليؤكد أن الحياة ليست إلا رمشة عابرة فوق الأرض.
القراءة الذرائعية أبرزت ثنائية الثقل والخفة، والتناوب بين النوم الأبدي وحكايات
القناديل، في خطاب شعري يمزج بين الرؤية الفلسفية والبعد الجمالي.
§ القصيدة الخامسة : كرى
" رمزية النوم وضرورة يقظة القلب"
قصيدة (كرى) تقوم على ثنائية النوم/اليقظة، حيث
يرمز الكرى إلى موتٍ بطيء للروح وانطفاء العاطفة، بينما اليقظة قرينة الحب والعشق
والانفعال بالحياة. من خلال صور حسية ووجدانية (القلب، النوم، القوس، القُبَل،
الفجر)، يعيد النص صياغة موقف وجودي: القلب الذي لا يستيقظ على الحب يظل في سبات
أبدي يشبه القبر. القراءة الذرائعية تكشف عن المستويات الفكرية والجمالية والنفسية
التي تؤطر هذه الرؤية.
القصيدة تنطلق من نداء إيقاظ:
«أيقظيه من كَراهُ / ذاك القلبَ الذي يوغِلُ فيهِ»
العنوان نفسه (كرى) يحيل إلى النوم الثقيل، لكنه
ليس نومًا جسديًا بل سباتًا روحيًا، ما يجعل النص تأملًا في المصير الداخلي
للإنسان.
البؤرة الفكرية: الحبّ واليقظة
شرط الوجود الحقيقي، أما النوم/الكرى فهو موت مؤجل للقلب.
«من زمانٍ / لم يعد ينبضُ بالحبّ / ولم تقرعْ نواقيسَ الغَرام».
الخلفية الأخلاقية :النص يرسّخ خلفية قِيَمية تعتبر أن غياب الحبّ
يقود إلى التصلّب والجمود، وأن الحياة بلا عشق لا معنى لها:
«ما تُرى يبقى من القلب غدًا / إن لم يَغُصْ في الحبِّ حتى قعرِه».
الحب هنا ليس ترفًا، هو شرط خلاص أخلاقي–إنساني.
المستوى البصري:
النص زاخر بالصور:
«مُذ عَراهُ هَوَسُ القُبَل / على دُرِّ السلام»
«ولم يَقرغ نواقيسَ الغرام»
«ذلك القلبُ / الذي يوغل في النوم / على قارعة الكهف وحيدًا».
الكرى ككهف مظلم: صورة للجسد والروح في سباتهما.
المستوى اللغوي والجمالي
لغة صوفية–رمزية مشبعة بالمجاز (القلب كهف، الحب
نواقيس، الكرى قبر).
إيقاع النص يعتمد التكرار البنائي: «أيقظيه من كَراه…»
الصور تمتد من الحسي (القُبَل، النواقيس) إلى
الرمزي (القلب، الكهف).
الجمالية تتجلّى في التوازي الإيقاعي والجدلية الداخلية.
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
- نداء مباشر: «أيقظيه…».
- تكرار شعائري يعمّق الدلالة.
- التضاد (النوم/اليقظة، الجمود/الحب).
2. الحركة النصية:
البداية: وصف القلب الغارق في الكرى.
الوسط: الدعوة لإيقاظه بالحب.
النهاية: التحذير من فوات الأوان:
«أيقظيه من كَراه / قبل أن تمحو مِمحاةُ الثرى / كهفَ الكرى»
المستوى النفسي
السلوكي: دعوة إلى الانفعال بالحب كقيمة حياتية.
التقمّصي: المتكلمة تتقمص دور المخلّص/المنبّه
للغافلين.
الإيحائي العميق: الكرى رمز للغفلة والجمود
الروحي، والحب رمز للحياة والخلود.
الوجداني: النص مشحون بحرارة العاطفة والشفقة
على قلبٍ غافٍ.
المستوى التناصي:
-
تناص مع النص
الديني: الكهف يحيل إلى "أصحاب الكهف" والنوم الطويل.
-
تناص مع الأدب
الصوفي: الحب كشرط يقظة القلب (ابن عربي).
-
تناص مع التراث
الشعري العربي حيث القلب رمز الحياة والوجد.
التجربة الإبداعية تكشف عن رؤية
للشعر كوسيلة إيقاظ وفضح لغفلة القلوب. الشاعرة تعيد صياغة تجربة وجودية شخصية
(موت القلب بالجمود) إلى خطاب شعري إنساني عام.
قصيدة (كرى) نصّ وجودي–رمزي يعالج النوم لا
كحالة جسدية وإنما كرمز لغياب الحب والحياة.
القراءة الذرائعية أبرزت بنية النص القائمة على
النداء والجدلية بين الموت واليقظة، لتؤكد أن الخلاص مرهون بالحبّ.
§ القصيدة السادسة: قضاء وقدر
" جدلية الزمن وحتمية المصير"
قصيدة (قضاء وقدر) تقيم جدلًا بين الإنسان
والقدر، بين المكان/الزمن والوعي الفردي. النصّ يضع الوجود تحت سطوة التغيّر، حيث
كل شيء رهين الانبثاق والفناء، الطلوع والأفول، الولادة والموت. ومن خلال صور
بصرية وفلسفية، تتحوّل الحياة إلى مسرح تتناوب فيه الأقدار، فلا بقاء إلا لقانون
التغيّر.
القراءة الذرائعية تكشف مستويات النص المختلفة.
يفتتح النص بالحديث عن عودة الذات إلى المكان
بعد غياب طويل:
«المكان الذي قد رجعتُ/ إليه غداةَ غيابٍ طويل / هو غيرُ المكان
الذي قد ترحّلتُ عن أرضه»
من هنا تتأسس ثنائية المكان والزمن في ضوء
التغيّر، لتشير إلى أن العودة مستحيلة بالمعنى الوجودي.
البؤرة الفكرية: التغيّر قانون
الوجود، والقدر حاكم لا فكاك منه، حيث كل عودة تُقابلها مفارقة، وكل حضور محكوم
بالفناء.
«كل شيءٍ /على هذه الأرض / رهنُ اهتراءِ القميص/ وتجديدِه».
الخلفية الأخلاقية للنص تقوم على
التسليم بحتمية القدر، ووعي الإنسان بمحدودية وجوده، مقابل سعيه لاستخلاص معنى من
التغيّر:
«إنه النهر /لا نُستحمّ سوى مرّة/ في خرير مياهه».
إشارة إلى فلسفة هيراقليطس (لا نستحمّ في النهر
مرتين)، بما يحيل إلى وعي أخلاقي بضرورة قبول حركية الحياة.
المستوى البصري
النص زاخر بالصور الحسية والفلسفية:
«النهر… لا نستحم سوى مرة» → صورة فلسفية للحياة المتدفقة.
« رهن اهتراء القميص وتجديده» → صورة بصرية للفناء والتجدّد.
«تتلظّى وتخبو، تغوص وتطفو، تموت وتحيا» → مشهد جدلي للحركة
الدائمة.
المستوى اللغوي والجمالي
اللغة مشحونة بجدلية الفلسفة
(المكان/الزمان/النهر/القميص).
الجمل متوازنة ذات إيقاع متردّد يوازي حركة
القدر.
استعمال التضاد يمنح النص عمقه الجمالي: (تخبو/تتلظّى
، تموت/تحيا، قضاء/قدر).
التكرار الشعائري: «حين… حين…» يعمّق الوقع
النصي.
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
المقابلة (غياب/عودة، اهتراء/تجديد).
التكرار البنائي (حين، زمان).
الاستدعاء الفلسفي (النهر، القميص).
2. الحركة النصية:
البداية: الوعي بالمكان الذي تغيّر.
الوسط: إدراك الزمن كقوة تغييرية مستمرة.
النهاية: التسليم بالحتمية الكونية:
«فحُكم القميص قضاء، وحُكم المرايا قدر»
المستوى النفسي
السلوكي: الذات تنفتح على الفهم لا على
المقاومة.
التقمّصي: الشاعريتقمص صوت الفيلسوف/الشاهد على
الزمن.
الإيحائي العميق: النهر ← إشارة لتدفق الحياة، القميص ← رمز للإنسان الفاني.
الوجداني: حضور الحنين والخذلان في الوعي بتغيّر
المكان.
المستوى التناصي:
-
تناص مع
الفلسفة اليونانية (هيراقليطس: النهر).
-
تناص مع النص القرآني:
«كل شيء هالك إلا وجهه»، و*«وتلك الأيام نداولها بين الناس»*.
-
تناص مع التراث
الشعري العربي (أبو العتاهية والزهد، المتنبي في حديثه عن الزمن).
التجربة الإبداعية: تكشف عن شاعر
يواجه الزمن والفناء، ويعيد صياغة القلق الوجودي في صور رمزية (النهر، القميص،
المرايا). التجربة متفردة بقدرتها على المزاوجة بين الفلسفة والشعرية.
قصيدة (قضاء وقدر) نصّ فلسفي–رمزي يضع الإنسان
أمام مرايا الزمن والقدر، مؤكدًا أن التغيّر هو الحقيقة الوحيدة. القراءة
الذرائعية أبرزت البنية القائمة على جدلية الوجود والفناء، واللغة المشحونة بالصور
الحسية والفلسفية، لتجعل النصّ شهادة شعرية على حتمية القدر.
والآن إلى القصيدة السابعة الأخيرة التي اخترتها
من ضمن قصائد المجموعة التي حملت عنوانها:
§ القصيدة السابعة : تفاح
" الخطيئة الأولى وتجليات الرغبة"
منذ العنوان "تفاح" يتجه النص إلى
مركز الأسطورة الإنسانية الكبرى: التفاحة الأولى التي أكلها آدم بإغواء حواء
والثعبان. غير أن الشاعر سلمان زين الدين لا يكتفي باستعادة القصة التقليدية، بل
يقدّمها بلغة شعرية رمزية تستبطن أبعادًا وجودية: الإنسان كائن ضعيف، محكوم
بالشهوة، يدفع ثمن اللذة الأولى عبر التاريخ. النص إذًا يجمع بين الديني والأسطوري
والفلسفي، وبين اللغة الشعرية الغنية بالمجاز والإيقاع الداخلي.
البؤرة الفكرية تدور حول:
الخطيئة الأولى ليست حدثًا من الماضي، بل قدر ممتد في "حقل الزمان"
يعيشه كل إنسان.
«ومن زمان،/ آدم المسكين يمضي / مسرعًا، في قطفه التفاح، كي يطفئ
جوعًا/ أيقظته القضمةُ الأولى،/ وراحتْ نارُهُ تذكو لهيبًا»
التفاحة هنا ليست مجرد ثمرة، بل استعارة للحب،
والرغبة، والمعرفة، وللعقاب في آن واحد.
الخلفية الأخلاقية تتمثّل في نقد
الضعف الإنساني أمام غواية الشهوة والإغراء. الشاعر يقدّم صورة مأساوية:
الشيطان يستعمل التفاح وسيلة إغواء:
«هي شيطانٌ جميل / تتقنُ الإغواءَ والإغراء/ في فردوسها»
الإنسان يصير أسير اللذة متى ظهر الشيطان له:
«حتى انبرى الشيطان / يغويه بما يكتنزُ التفاحُ من شهد»
الأخلاقية هنا مزدوجة: لوم على السقوط المتكرر،
وتحذير من تكرار "القضمة الأخرى".
المستوى البصري
القصيدة غنية بالصور:
صورة الشيطان الجميل في الفردوس - جمالية مفارِقة.
صورة التفاح/الشهد: ← لذة حسية.
« يغويه بما يكتنز التفاح من شهد»
صورة الجسد المصنوع من الماء والطين: ← إحالة إلى الهشاشة البشرية:
«جسمه قدّ من الماء / ومن طين الثرى».
صورة الشهوة الحمراء ← تكثيف بصري للرغبة
المحمومة:
«يتردّى في فحيح الشهوة الحمراء»
المستوى اللغوي والجمالي
اللغة قائمة على التضاد: (الملَك ↔ الشيطان،
الفردوس ↔ النار، التفاح ↔ الشهوة الحمراء).
التكرار البنائي (قضمة/قضمة) يضفي إيقاعًا
دائريًا يوحي بتكرار الخطيئة عبر الزمن:
«قضم القضمة تلو القضمة الأخرى»
الجمل الشعرية مشحونة بالمجاز: التفاح = قدر،
الشهوة = نار، الإنسان = طين وماء.
المستوى الديناميكي
1. التقنيات:
الحكاية الأسطورية كإطار ديناميكي.
الاستدعاء الشعري المباشر للشيطان والتفاح وحواء.
2. الحركة النصية:
البداية: وصف التفاحة بوصفها "شيطانًا
جميلًا".
الوسط: لحظة السقوط/القضمة.
النهاية: إدراك أن الخطيئة ممتدة عبر التاريخ:
« ... ، أضحى لعبة/ يلهو بها تفاح حواء / الذي ازدان بهِ / حقل
الزمان»
المستوى النفسي
السلوكي: آدم يتصرّف بدافع الغريزة لا العقل.
التقمّصي: الشاعر يتقمّص صوت الشيطان أحيانًا
وصوت الإنسان الضعيف أحيانًا أخرى.
الإيحائي العميق: التفاح = رمز للرغبة الأبدية،
والجوع = رمز للنقص الوجودي الذي لا يُروى.
الوجداني: النص يعكس قلقًا وجوديًا عميقًا أمام
قدر الإنسان.
المستوى التناصي:
-
تناص قرآني:
«فوسوس لهما الشيطان»، «فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما».
-
تناص مع
الموروث المسيحي: التفاحة كرمز للخطيئة الأصلية.
-
تناص
أسطوري–فلسفي: الإنسان ككائن هابط من الفردوس بسبب الرغبة.
تتجلّى التجربة
الإبداعية للشاعر في قدرته على تحويل القصة الدينية إلى
استعارة شعرية معاصرة. فالقصيدة لا تعيد رواية الحدث، بل تستثمر رموزه لتقول: نحن
ما زلنا نكرّر القضمة الأولى في كل زمن.
إنها تجربة قائمة على الجمع بين البنية الرمزية
واللغة الشعرية المتدفقة بالإيحاء، ما يجعل النص مفتوحًا على التأويل الأخلاقي
والفلسفي معًا.
قصيدة "تفاح" هي نص محوري يختصر رؤية
الشاعر في الديوان: الإنسان عبدٌ للرغبة، والقدر محكوم بالقضمة الأولى. النص يبرع
في الجمع بين الصورة البصرية (التفاح/الشهوة) والرمزية الفلسفية (القدر/الزمن).
نقاط القوة: توظيف الأسطورة الكبرى، كثافة
الرمز، ثراء الصور البصرية.
الضعف النسبي: الاعتماد على لغة مأساوية–اتهامية
قد تجعل الخطاب مغلقًا أمام القارئ البسيط.
لكنها في مجملها قصيدة تؤكد أن سلمان زين الدين
يكتب تجربته الإبداعية كمن ينقّب في جوهر الإنسان منذ لحظة السقوط الأولى حتى
الآن.
وهكذا...
يمثّل ديوان «تفاح» للشاعر سلمان زين الدين
مشروعًا شعريًا متكاملًا يقوم على استدعاء الأسطورة الأولى (آدم، حواء، التفاحة،
والثعبان) بوصفها أصل الوجود الإنساني ومفتاح أزماته. ومن خلال قصائد متنوّعة،
تتخذ الأسطورة أبعادًا وجودية ووجدانية، فتغدو الخطيئة الأولى استعارة كبرى عن
الحب، الرغبة، الموت، القدر، والقلق الإنساني.
القصائد مثل «ليل»، «كرى»، «قضاء وقدر»، «رمش»،
وغيرها، تجسّد مواجهة الشاعر مع الزمن والفناء واليقظة الروحية. أما الغلاف
الأمامي والخلفي والإهداء فيوحّدون الرؤية في صورة بصرية–دلالية للإنسان الأسير
للخطيئة الأولى.
من هنا تأتي هذه الدراسة الذرائعية لتقف عند
معالم التجربة الإبداعية للشاعر، عبر تحليل البؤرة الفكرية، الخلفية الأخلاقية،
المستويات البصرية واللغوية والنفسية، وصولًا إلى التقييم النهائي للتجربة.
معالم التجربة الإبداعية للشاعر
في مجمل المجموعة:
1.
البؤرة الفكرية
تتمركز حول: الإنسان يعيش تحت سطوة الخطيئة
الأولى.
التفاح يتحوّل إلى رمز للحب والإغواء معًا،
وللقدر الذي لا مفر منه.
«وما نزال ندفع ثمن تلك القضمة!» (الإهداء).
2. الخلفية الأخلاقية
القصائد تستند إلى وعي أخلاقي مزدوج:
-
ضرورة الاعتراف
بالخطأ الإنساني.
-
إدراك أن
الحياة لا تستقيم بلا حب، حتى لو كان محفوفًا بالخطيئة.
«إن لم يغصّ في الحب حتى قعره / أو يحترق بالعشق حتى جمره» (كرى،
ص97).
3.
المستوى البصري
يقدّم كتاب «تفاح» للشاعر سلمان زين الدين نفسه
منذ العتبة البصرية الأولى كعمل شعري–فكري مشغول بالأسطورة، وبخاصة أسطورة التفاحة
الأولى (آدم/حواء/الثعبان). الغلاف الأمامي والخلفي، مع الإهداء، يشكّلون معًا
خطابًا سيميائيًا متكاملاً يهيّئ القارئ لمناخ النصوص الداخلية. هذه القراءة تستند
إلى المنهج الذرائعي في مقاربة النصوص البصرية واللغوية بوصفها عتبات أولى تحمل
البؤرة الفكرية للعمل.
الغلاف الأمامي :
(تفاحة/ثعبان/آدم وحواء/شجرة) يختصر البنية
الرمزية.
1. البنية البصرية
العنوان «تفاح»: كلمة مفردة، مكثفة، تضع القارئ
مباشرة أمام الرمز المركزي.
التفاحة الحمراء: تحتل قلب الغلاف، لونها الأحمر
يرمز إلى ثنائية الإغراء/الخطيئة من جهة، والحياة/الدم من جهة أخرى.
الثعبان: يلتف داخل التفاحة، رمز الإغواء والشر،
في إشارة إلى الشيطان، ويخرج رأسه من مكان قزع التفاحة.
آدم وحواء: ظلّان متقابلان، غير محددين الملامح،
يرمزان إلى البشرية كلها.
الشجرة: تتوزع على جانبي التفاحة، مؤكدة رمز
«شجرة المعرفة».
2. الدلالات الإيحائية :
الغلاف يجسد ثلاثية وجودية: التفاحة =
الرغبة/المعرفة، الثعبان = الشر/الإغواء، آدم وحواء = الإنسان/السقوط.
اللون الأحمر المحيط يوحي بالدم كثمن للخطيئة.
حركة العين من العنوان إلى رأس الثعبان ثم إلى
الشخصين تؤكد دينامية «السقوط».
3. القراءة الذرائعية للغلاف:
البؤرة الفكرية: الإنسان محكوم بالخطيئة الأولى.
الخلفية الأخلاقية: الرغبة تقود إلى العقاب،
والحرية محمولة بثمن.
المستوى البصري الجمالي: لوحة تجمع
الأبيض/الأسود/الأحمر في جدلية حياة–موت.
النص في الغلاف الخلفي:
1. البنية اللغوية
«من زمان، آدم المسكين يمضي مسرعًا في قضمة التفاح…»
لغة سردية/شعرية تستعيد المشهد التأسيسي لسقوط
آدم.
توظيف مفردات: المسكين، يقظة، نار، لهب، التفاح،
حقل الزمان.
2. الدلالات
التفاحة ليست ثمرة بل قدر ممتد.
«المسكين» تضيف بعدًا إنسانيًا شفيقًا لآدم، لكنها لا تعفيه من
المسؤولية.
الزمن يحوّل الخطيئة إلى قانون دائم: «يلهو بها
تفاح حواء… حقل الزمان».
3. القراءة الذرائعية
البؤرة الفكرية: الخطيئة الأولى = يقظة مؤلمة
للوعي البشري.
الخلفية الأخلاقية: التباس بين اللذة/العقاب.
الرمزية: التفاح يتحول من غذاء جسدي إلى لعنة
وجودية.
الإهداء
«إلى
جدّتنا حوّاء
التي أغرت
جدّنا آدم بقضم
التفاحة
الأولى،
وما نزال ندفع
ثمن تلك القضمة!»
الدلالات:
توجيه اللوم إلى حواء يعيد إنتاج السردية
التقليدية.
الجملة الأخيرة تربط القارئ مباشرة بالرسالة
المركزية: نحن جميعًا ما زلنا ندفع ثمن تلك القضمة.
الإهداء ليس شخصيًا بل كونيًا، موجّهًا إلى أصل
البشرية.
القراءة الذرائعية:
البؤرة الفكرية: الخطيئة مستمرة عبر الأجيال.
الخلفية الأخلاقية: المرأة/حواء مركز الإغراء،
والرجل/آدم مركز السقوط.
الوظيفة النصية: الإهداء يمثّل مفتاح القراءة
للنصوص كلها.
التكامل السيميائي بين الغلاف الأمامي والخلفي والإهداء
1. الغلاف الأمامي: يقدّم المشهد البصري (التفاحة–الثعبان–آدم/حواء).
2. النص الخلفي: يقدّم الشرح الشعري/الرمزي (الخطيئة، النار، حقل
الزمان).
3. الإهداء: يقدّم البعد الوجداني/الإنساني (حواء/آدم/الثمن
المستمر).
هذا التكامل يجعل الكتاب مغلقًا على ثيمة واحدة:
الإنسان كائن خطّاء يعيش تحت سطوة التفاحة الأولى.
إذن، الكتاب يقدّم نفسه من خلال عتباته الأولى
كعمل شعري–فلسفي يشتغل على أسطورة السقوط ويعيد إنتاجها شعريًا. الغلاف الأمامي
بالصورة، والخلفي بالنص، والإهداء بالوجدان، تشكّل معًا ثلاثية ذرائعية
بصرية–دلالية تضع القارئ مباشرة أمام المحور المركزي: الخطيئة الأولى ليست حادثة
ماضية، بل قدر ممتد يعيشه الإنسان حتى اليوم.
الخاتمة التقييمية
تجربة سلمان زين الدين في «تفاح» هي تجربة شعرية
متكاملة تحمل طابع الأسطورة المعاصرة. فهو لا يستعيد قصّة الخلق لغايات سردية فقط،
بل يوظفها كـ بؤرة رمزية كبرى لطرح الأسئلة الوجودية حول الزمن، الحب، القدر،
والموت.
نقاط القوة:
-
وضوح البؤرة
الفكرية واتساقها عبر القصائد.
-
الغنى البصري
والرمزي.
-
التكامل بين
العتبات (الغلاف والإهداء) والنصوص الداخلية.
الضعف النسبي:
-
الاعتماد
المكثف على الرمز قد يجعل بعض المقاطع عصيّة على القارئ العادي.
لكن مجمل التجربة يرسّخ موقع الشاعر كصوت يجمع
بين الرمزية والفلسفة في إطار شعري إنساني، يجعل من التفاحة الأولى مرآة للإنسان
المعاصر.
#دعبيرخالديحيي الإسكندرية – مصر سبتمبر 2025
تعليقات
إرسال تعليق