قراءة ذرائعية في البنية الرمزية والنفسية والسياسية في المجموعة القصصية /الطوطم والممحاة/ للقاص العراقي د. إبراهيم مصطفى الحمد بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي
تُمثّل مجموعة «الطوطم
والممحاة» للقاص إبراهيم مصطفى الحمد تجربة سردية خاصة، تقوم على المزج بين القصة
القصيرة والنص المفتوح والرمزية الفلسفية.
النصوص تنفتح على فضاءات متشابكة: رمزية، نفسية، اجتماعية، سياسية، أسطورية
وميتاسردية، ما يجعلها مشروعًا قصصيًا يختبر حدود النوع الأدبي ويغامر بالخروج عن
القوالب المألوفة.
اعتمدنا في هذه الدراسة المنهج الذرائعي
بمستوياته المتعددة (البؤرة الفكرية، الخلفية الأخلاقية، المستوى اللغوي والجمالي،
المستوى الديناميكي، المستوى النفسي بمداخله، المستوى الإيحائي، التجربة
الإبداعية) لرصد جماليات هذه المجموعة وكشف أبعادها الفكرية والإنسانية.
المجموعة تُجسّد ثنائية العنوان:
الطوطم: رمز الخوف والرهبة والسلطة الغامضة.
الممحاة: رمز المحو والنسيان والهرب من مواجهة
الذات.
تستدعي النصوص رموزًا مختلفة: الغواية
(الطُّعم)، الحب الوهمي (الحب أعمى)، الاغتراب الكابوسي (صرصار إبراهيم)، الانقسام
الزمني (إبراهيمان)، السلطة الزائفة (السنجاب يحكم)، والأسطورة
(إبراهيمان/الطوطم). هكذا يبني القاص عالمًا متنوعًا ينطلق من ذاته (إبراهيم) لكنه
يتجاوزها ليحاور القارئ والإنسانية جمعاء.
البؤرة الفكرية: للمجموعة تقوم على تجربة الإنسان في مواجهة
سلطات القهر والقدر والذاكرة. النصوص تعكس رؤية وجودية تبحث عن معنى الألم، وتُظهر
كيف يصبح الفرد محاطًا بأقنعة وأساطير وأطياف نفسية. الغاية ليست فقط الحكاية،
وإنما التأويل عبر استدعاء الطوطم كرمز للخوف والهيمنة، والممحاة كرمز للمحو
والنسيان والتحرر من الذنب.
الخلفية الأخلاقية: تتأسّس على
مقاومة التشيؤ والاغتراب. الشخصيات تُختبر في أزمات (الغواية، الفقد، الخيانة،
الخوف)، لكن القاص لا يقدّم وعظاً مباشراً، بل يضع القارئ أمام مرايا رمزية ليعيد
التفكير في القيم الإنسانية: الوفاء، الحرية، الأمل، مواجهة الفساد والشرور.
الدراسات الذرائعية للقصص المختارة:
القصة الأولى:
· الطوطم والممحاة
القصة تستدعي رمزًا بدائيًا (الطوطم) باعتباره
كيانًا مخيفًا ومسيطرًا، في مقابل أداة بسيطة (الممحاة) تحاول محوه أو التخلص منه.
المفارقة أن الممحاة لا تواجه الطوطم مواجهة حقيقية، بل تمحو أثره فقط، فيبقى
الخوف قائمًا.
البؤرة الفكرية :الصراع بين الخوف العميق
والرغبة في المحو دون مواجهة.
البؤرة تقوم على سؤال: هل يمكن للإنسان أن يتحرر
من خوفه وذنوبه بمحو الذاكرة، أم أن الطوطم سيظل حاضرًا كقدرٍ لا يُفلت؟
القصة تستدعي منطق "الصراع الوجودي"
حيث الإنسان مسكون بالرهبة من قوة غامضة أكبر منه.
القصة تطرح سؤالًا عن جدوى الهرب بدل المواجهة.
شاهد: " الممحاة
ثقيلة، وهو لا يستطيع المشي دونها، .... الممحاة التي لا تنسى محو آثار ختلاته
وهُمزاته... لا تنسى محو جرائمه التي ينساها هو فور إنجاز مهمته التي يقدّسها،
مهمة الإيقاع بالبراءة " ص 21
الخلفية الأخلاقية: نقد للهروب والإنكار كآليات
نفسية–اجتماعية. الكاتب يقدّم رؤية أخلاقية تقوم على مواجهة
الذات بدل الهروب منها.
الرسالة الأخلاقية: لا يكفي أن نمحو الخوف، بل
يجب أن نواجهه. الممحاة ليست خلاصًا بل استلابًا، لأن المحو لا
يحلّ الأزمة بل يخفيها.
المستوى اللغوي والجمالي :
لغة رمزية–إيحائية: مكثفة، متخمة بالرموز
والاستعارات. الجملة غالبًا قصيرة تحمل وقعًا شعوريًا
كثافة الصور: الطوطم = سلطة بدائية، الممحاة =
وسيلة محو هشّة.
الجماليات:
في
المفارقة بين ضخم/مقدس (الطوطم) وصغير/بسيط (الممحاة).
وفي إيقاع يتشكل عبر التكرار (لفظة الطوطم،
الممحاة) مما يعمّق ثقل الدلالة.
الصور: تصوير الطوطم بأنياب صفراء، والممحاة
بثقل على الظهر، صور ترسم كابوسًا سرديًا.
شاهد: "طوطم الممحاة يتكور حول نفسه، أنياب صفراء تفصح عن فحيح الخوف" (ص. 21).
المستوى الديناميكي (التقنيات – الشخصيات –
الحوارات)
التقنيات:
توظيف الفانتازيا الرمزية.
"طوطم الممحاة يبتسم كثيرًا لكن أنيابه
الصفراء تفضحه، الطوطم يغدو ضفدعة بحجم رأس أبي الهول..."
الجمع بين السرد الوصفي والتكثيف الشعري.
" قلبه الذي ينتر كثيرًا بالفجائع أوصل
وجهه إلى تكويرات مشوهة قبل شيخوخته" ص20
استخدام المفارقة (الطوطم كقوة، لكنه أيضًا أسير
ثقل الممحاة).
" الممحاة ثقيلة، وهو لا يستطيع المشي من
دونها" ص21
الشخصيات:
الطوطم: رمز مركزي( الخوف)، يتجسّد كوحش
بدائي/سلطة غامضة.
الممحاة: ليست شخصية بشرية بل رمز موضوعي (
الهرب) ملازم للطوطم.
الراوي/الذات: ينقل الصراع الداخلي.
الحوار: ضمني بين الرمز وأثره.
الحوار: الحوار داخلي أكثر منه خارجي، لكنه
يُبرز توتر الذات.
"لذلك
يدعونه الشيطان الأحمر، وأسميته الصرصار مرّة، صرصار إبراهيم، صرصار المواخير..." ص 20
المستوى النفسي
المدخل السلوكي: الطوطم يجسد الخوف الغريزي، والممحاة سلوك
الهروب والمحو. الأفراد يهربون من الخوف بدل مواجهته.
تقمصي: تقمص التوتر بين الرهبة والرغبة في النسيان.
القارئ يتقمص خوف الشخصية، يشعر بثقل الممحاة وكأنها قدر شخصي.
شاهد: "
... يخشى أن يمشي من دون الممحاة ... " ص 21
تناصّي: تناص مع الطوطمية في الأنثروبولوجيا
(فريزر، دوركايم).
وجوه التناص بين الطوطم وصخرة سيزيف:
1. الرمز الثقيل:
الطوطم: رمز الخوف الجماعي والسلطة البدائية.
الصخرة: عبء أبدي يحمله سيزيف بلا خلاص.
كلاهما يشكل ثقلًا لا يُحمل، يطارد الإنسان/الجماعة باستمرار.
2. العبثية والدوران
الممحاة تمحو الطوطم لكنها لا تقضي عليه؛ يعود
كظلّ في الذاكرة.
سيزيف يدفع الصخرة لتعود من جديد.
الفعل دائري، لا جدوى منه، وكأن الإنسان محكوم بالعبث.
" طوطم الممحاة يتكوّر حول نفسه حينما
ينفرد بنفسه" ص21
3. الهروب مقابل المواجهة
في القصة: الجماعة تلجأ إلى الممحاة للهروب من
الطوطم.
في الأسطورة: سيزيف يواجه عبثه لكنه يستمر
بالدفع.
المفارقة أن سيزيف "يعترف" بعبثه بينما الجماعة في القصة تحاول إنكاره بالمحو.
" يحاول أن يحصي قتلاه ولكن الممحاة تنسيه
عددهم" ص 21
4. البعد الفلسفي
الطوطم = الخوف الجمعي / السلطة.
الصخرة = عبث الوجود / محنة الإنسان.
كلاهما يستدعي السؤال: هل يمكن للإنسان أن يعيش حياةً لها معنى رغم عبثية المصير؟
الإيحاء التناصي:
القصة لا تنقل أسطورة سيزيف حرفيًا، لكنها توحي
بأن الخوف الطوطمي أشبه بالصخرة التي تتدحرج دائمًا في مسارنا الجمعي.
الممحاة هنا تعادل وهم الخلاص الذي لا يتحقق،
مثلما لم يتحقق خلاص سيزيف من صخرته.
هكذا، يغدو النص قريبًا من العبثية الوجودية:
الإنسان يواجه الخوف/العبء، وبدل أن ينتصر، يعيد إنتاج الدائرة.
" يتزحلق وتتجلّخ أطرافه وتتقعّر غضونه،
لكنه يحمد الله أن الممحاة مازالت تقف خلفه بإخلاص نادر، فيبتسم للجميع وقليل من
يرون الضبُع في عينيه، مهيّئًا للانقضاض". ص 22
إذن، يمكن القول إن "الطوطم" هو صخرة
سيزيف الجمعية: ثِقَل رمزي يُطارد الجماعة، والممحاة ليست سوى خدعة شبيهة بمحاولة
الدفع العبثي.
المستوى الإيحائي
الطوطم رمز للسلطة/القهر، الممحاة رمز
للمحو/الإنكار.
إيحاء سياسي–اجتماعي: الأنظمة التي تُخيف
شعوبها، والشعوب التي تكتفي بالهرب.
قصة "الطوطم والممحاة" تجسّد قلب
المجموعة، فهي قصة رمزية نفسية عميقة، تحاور القارئ على مستوى اللاوعي. الكاتب
يوظف الرموز (الطوطم/الممحاة) ليطرح سؤال الحرية والقدر، ويفتح النص على قراءات
أسطورية، نفسية، وسياسية.
القصة الثانية:
· الطُّعم
رجل ينجذب إلى امرأة مغوية، لتتضح تدريجيًا أنها
ليست سوى طُّعم لإيقاعه في الخديعة. القصة تعكس لعبة الجسد والسلطة والضعف
الإنساني.
قصة "الطُّعم" تركز على غواية أنثوية
توقع رجلًا في شرك علاقات ملتبسة. المرأة هنا تُقدَّم كطُعم جذاب، عبر جسدها
ولغتها وإيماءاتها، في حين أن الرجل يتأرجح بين الرغبة والخوف، بين الرفض والخضوع.
القصة تفضح العلاقات القائمة على الاستغلال والابتزاز العاطفي والاجتماعي، حيث
يتحول اللقاء إلى لعبة خفية للإيقاع بالفريسة.
البؤرة الفكرية: الغواية ليست حبًا، بل فخّ. الإنسان
يقع ضحية شهواته وأوهامه.
المرأة
في القصة تستخدم أنوثتها كوسيلة للسيطرة، والرجل ينزلق في لعبة هو يدركها لكنه
يعجز عن مقاومتها.
شاهد: "...
فاته أنها كانت تستدرجه للإيقاع به؛ لأنها إذا أوقعت به فستحصل على مبتغاها ويتم
ترفيعها، فهو العقبة الواقفة في طريقها..."ص 33.
الخلفية الأخلاقية :إدانة للعلاقات التي تُبنى
على الاستغلال. القصة تفضح هشاشة الأخلاق حين يغيب الوعي.
القصة تعكس موقفًا أخلاقيًا ناقدًا: فهي لا
تمجّد الغواية بل تفضحها.
تُحذّر من العلاقات التي تُبنى على المصالح
والابتزاز بدل الصدق والحرية.
المستوى اللغوي والجمالي:
اللغة: جسدية–رمزية - تصويرية، مشحونة
بالإيحاءات الجسدية والأنثوية (الشفتان، العينان، الحركة).
الصور: الابتسامة، العيون، الجسد = أدوات
الإغواء.
جمالية النص: في التلميح لا التصريح. السرد يقوم
على توتر لغوي بين الإغراء والرفض.
الرمزية: الطُّعم هنا ليس فقط جسديًا بل هو
رمزيًا، إذ يحيل إلى كل مغريات الحياة التي تُسقط الإنسان في شراكها.
شاهد: "مدّت يدها اليمنى
إليه بانسياب أفعى لتخمُدَ في كفّه الكبيرة الخشنة كعصفور ناعم أملس..." ص34
المستوى الديناميكي:
استخدم القاص عدة تقنيات سردية:
-
التقنية: المفارقة/الإغراء–الخديعة.
-
المفارقة:
الرجل يعي أنه ضحية لكنه يتورط أكثر.
-
تقنية
اللعبة/الفخ حيث يُدخَل القارئ في شبكة سردية تشبه شبكة الاصطياد.
-
التشويق: من
خلال الحوار المتقطع بين الإغواء والرفض.
الشخصيات: المرأة (الطُّعم)، الرجل (الفريسة)،
الأستاذ (ظل سلطة اجتماعية).
الحوار: موجز لكنه يكشف لعبة الإغواء.
شاهد: "قالت له:الكل هنا
يستميتون لإمالة قلبي لكنه اختارك..." ص 32
الحوار محوري، يكشف التوتر النفسي والجنسي. اللغة بينهما مليئة بالاستفزاز والاختبار.
"- الحب لا يعترف بالعمر، ألم أعجبك؟ ألستُ جميلة بما يكفي
لإغرائك؟ ألا تطمح ب...؟!" (ص. 32).
المستوى النفسي
المدخل السلوكي: سلوك الشخصيات يكشف عن لعبة
الهيمنة: المرأة تُسيطر عبر الإغواء، الرجل يخضع عبر التردد.
شاهد: "...
استهوته اللعبة وأراد أن يكمل الدور بعناية، وربما سيكتشف أشياء أخرى مخفية" ص 33
المدخل التقمصي: القارئ يتقمص قلق الرجل وارتباكه أمام جسد
يتحول إلى فخ.
شاهد: "...
وبرغم اعوجاج الفم كادت أن تطيح به، لكنه ارتعد وتنفس بعمق...." ص 34
القارئ يتقمّص خوف الفريسة ودهشة الخديعة.
المدخل التناصي:
-
تناص مع قصص
الغواية في الأدب الغربي (سالومي، كارمن).
-
تناص مع أدب
الإغواء في التراث العالمي (حكايات الغواية في ألف ليلة وليلة، روايات مثل مدام
بوفاري أو الآلام الشيطانية).
-
التناص حاضر
أيضًا في المقارنة مع نصوص إبراهيم الكوني عن المرأة كغواية (ص. 26).
المستوى الإيحائي:
الطُّعم = رمز للحياة حين تغوي الإنسان بشهواته.
الطُّعم يوحي بالغواية الكبرى: الحياة كفخ، حيث
يُستدرج الإنسان لأخذ ما يريد، لكنه يقع في الأسر.
إيحاء فلسفي: الرغبة قد تكون فخًا يقود إلى
الهلاك.
القصة تلمّح إلى أن الإغراء ليس بريئًا، بل جزء
من منظومة اجتماعية/سلطوية أوسع.
قصة "الطُّعم" تمثّل نصًا ديناميكيًا
يعرّي العلاقات الملتبسة بين الرجل والمرأة. الكاتب يستخدم لغة موحية وحوارًا
متوترًا ليكشف عن لعبة الإغواء والابتزاز.
النص ليس مجرد حكاية شخصية بل هو إسقاط رمزي على
الطُّعم الأكبر للحياة حيث الإنسان دائمًا معرض للفخاخ.
" الطوطم كان يراجع ممحاته فوجدها ما زالت
تعمل بنشاط.... أما هي فبقيت تحفر في ذاتها، لأنها اعتادت الإغواء وليس الإيقاع
بالآخرين". ص 35-36
القصة الثالثة :
· قصتي التي كتبتها أمس
النصّ يبدو أشبه ببوحٍ ذاتي يدوّن لحظة كتابية،
حيث تروي الساردة تجربتها في كتابة قصة بالأمس. لكن القصة نفسها تتداخل مع مشاعرها
وهواجسها، ومع انغماسها في الحلم والذاكرة. السرد يتنقل بين الرغبة في الكتابة
والمعاناة في القبض على اللحظة، ليغدو النص بحد ذاته حديثًا عن معنى الكتابة وعن
الحدود بين الواقع والمتخيّل.
البؤرة الفكرية: هنا
هي وعي الذات الكاتبة بعملية الكتابة ذاتها.
الكاتب يتساءل: هل النص يُكتب في الواقع أم في
الخيال؟ وهل الكتابة فعل وعي أم انزلاق في حلم؟
الخلفية الأخلاقية تتمثل في صدق
التجربة الكتابية. فالكاتب يرفض التزييف، ويعرض معاناته الحقيقية مع الكتابة
والذاكرة.
النص يحذر من أن الكتابة ليست مجرّد زخرفة بل هي
مواجهة مع الذات ومع المعنى.
" قصتي ذات الفم المسنن تكتبني من جديد على
أكثر من فنار للقراءة وأكثر من أقنوم للتأمل،.......تعاتبني أني نسيت الحذف وعلامات
التعجب ...... وأنها كانت تبحث عن نهاية أكثر انفتاحًا." ص 26- 27
على المستوى اللغوي والجمالي:
اللغة: قريبة من لغة الخاطرة السردية، شاعرية،
تعتمد على الجمل الوجدانية والصور المكثفة.
الجماليات: النص مكتوب بلغة رقيقة، تحمل موسيقى
داخلية.
الرمزية: القصة نفسها تتحول إلى رمز لفعل
الكتابة: الكتابة كقدر، كحلم، كخطيئة أحيانًا.
" قصتي كانت تريد مني أن أتركها عارية لأنها شبقة جدًا،.....
نحرتها على نطع الخاتمة، وأحكمتُ الحبالَ حول ثيابها الرمادية قربانًا لآلهة
الغواية، غواية الطرد، غواية الصيد، غواية القنص النبيل، غواية أن تكون بلا ملامح
أو علامات فارقة" ص 26
على المستوى الديناميكي :
التقنيات: نجد تقنيات عديدة منها:
-
الميتاسرد
(النص يتحدث عن كتابة نص).
-
التداعي
والانسياب الشعوري (قريب من تيار الوعي).
ونجد غياب الحبكة التقليدية.
الشخصيات
-
الساردة (الذات
الكاتبة).
-
ظلّ القصة التي
كتبتها: وهي شخصية رمزية، أشبه بكيان يتصارع معها.
لا يوجد حوار خارجي، إنما مونولوج داخلي وحوار
مع النص نفسه.
" قصتي التي تختلف عني كثيرًا في أكثر من تجلٍّ ..... محتفية
بلغتها الشعرية العالية بجنون" ص 25-26
على المستوى النفسي:
المدخل السلوكي: يظهر سلوك الكاتب/الساردة كمن
يطارد شبح الكتابة ويعجز عن الإمساك به.
شاهد: " قصتي
التي غاصت في المحيط الأزرق حتى فقدتُ الأثر إليها، وفقدت الأمل بعودتها ..."
ص25
المدخل التقمصي: القارئ يتقمص الحيرة والارتباك
مع الساردة: هل النص مكتوب حقًا، أم أنه مجرد ذكرى عن نص لم يكتمل؟
المدخل التناصي :
-
تناص مع أدب الميتاسرد العربي (مثل نصوص صنع
الله إبراهيم عن الكتابة).
-
أيضًا مع
الخاطرة الشعرية الحديثة التي تذيب الحدود بين الأجناس الأدبية.
-
يتناص
ميتاسرديًا أيضًا مع نفسه، حيث يورد قصصًا من قصصه في هذه المجموعة مثل ( الصرصار –
الطوطم والممحاة)
".... الصرصار المثقل بممحاته الهائلة المنسوجة من وبر النعاج
المحمولة على ساقين متعامدين"ص26
المستوى الإيحائي:
النص يوحي بأن الكتابة فعل هروب ومواجهة في آنٍ
واحد.
"قصتي التي كتبتها أمس" ص 25
رمز للكتابة التي لا تكتمل أبدًا، والتي تظل
دائمًا مسودة للحياة نفسها.
هذه القصة تمثل بعدًا تجريبيًا وميتاسرديًا في
المجموعة، فهي ليست قصة تقليدية بل خاطرة قصصية، تُدخل القارئ إلى المطبخ السردي
للكاتب، حيث النص يُكتب ويُعاد كتابته بلا نهاية. حضورها في المجموعة يفتح بابًا
للتجريب والاعتراف، ويمنح الدراسة الذرائعية بعدًا إضافيًا: دراسة وعي الكاتب
بالكتابة كموضوع قائم بذاته.
القصة الرابعة
· السنجاب يحكم
قصة رمزية تدور في غابة، تموت فيها الحيوانات
القوية واحدة تلو الأخرى (الفهود، الثعالب، الفيلة، البغال...)، فيظهر السنجاب
فجأة ليملأ فراغ الحكم. يستخدم خطابًا مزيفًا عن الحكمة والتفاؤل ليقنع بقية
الحيوانات
البؤرة الفكرية: تقوم على نقد
السلطة المزيفة التي تنشأ في ظل الفراغ والاضطراب.
القصة تسائل: كيف يمكن أن يُترك الحكم لصغيرٍ
ضعيف؟ وهل الغابة/المجتمع شريك في مأساة صعوده؟
شاهد: "السنجاب
يحمل ممحاته أيضًا ولكنها شفافة جدًا" ص 41
الخلفية الأخلاقية: موقف أخلاقي
ناقد للأنظمة التي تبنى على التزييف لا على الكفاءة.
التحذير من الثقة في الخطابات المضلّلة، حيث
الضعيف يتظاهر بالحكمة بينما يخطط للاستبداد.
شاهد: "كان
السنجاب يبتسم كثيرًا ليُري أبناء الغابة أنه متفائل وعلى معيّته أن يتفاءلوا
أيضَا، خُدع به حتى حكيم الغابة" ص 40
على المستوى اللغوي والجمالي
اللغة: رمزية واضحة، تستبدل البشر بالحيوانات
لإيصال الرسالة السياسية.
الجماليات: أسلوب الحكاية الرمزية، قريب من
"كليلة ودمنة"، يتسم بالبساطة والإيحاء معًا.
الرمزية:
السنجاب = الحاكم الضعيف/المخادع.
الغابة = المجتمع الممزق.
موت الفهود/الثعالب/الفيلة = غياب القوى الكبرى،
ما يفتح المجال للفوضى.
شاهد: " صار
السنجاب رئيس الغابة، نعم صار رئيسًا بعدما ماتت الفهود
والنمور، ومن بعدها ماتت الذئاب
والضباع، ثم ماتت الفيلة والبغال والثعالب" (ص. 39).
على المستوى الديناميكي :
التقنيات: يوظف القاص التقنيات التالية:
-
الحكاية
الرمزية (حيوانات بدل البشر).
-
المفارقة
(سنجاب صغير يحكم الغابة).
-
المفاجأة/السخرية:
الصعود غير المتوقع للسنجاب.
رمزية الشخصيات:
السنجاب: رمز الحاكم الانتهازي.
الحيوانات الغائبة/الميتة: القوى الكبرى التي
اختفت.
سكان الغابة: الكيان الجمعي المخدوع.
المستوى النفسي بمداخله:
المدخل السلوكي:
سلوك السنجاب: انتهازي، يستغل الفراغ ليصعد.
سلوك الحيوانات: انقياد وخضوع للخديعة.
المدخل التقمصي: القارئ يتقمص مشاعر سكان
الغابة، بين السخرية والخوف والقلق من حكم السنجاب.
المدخل التناصي:
تناص مع "كليلة ودمنة" في تمثيل
السلطة بالحيوانات.
تناص مع "مزرعة الحيوان" لجورج أورويل
حيث يتسلط الصغار باسم الشعارات.
المستوى الإيحائي:
-
القصة توحي بأن
الأنظمة إذا فقدت عناصر قوتها وكفاءتها، فإنها تنتج حكامًا صغارًا يسيطرون بخطابات
مزيفة.
-
رسالة إيحائية
سياسية: الاستبداد يولد من فراغ القوة وغياب البديل الحقيقي.
-
استراتيجية
الغياب: المدهش أن القاص لم يذكر الأسد في القصة، وهو الرمز المعتاد للسلطة في أدب
الحيوان. غيابه مقصود ليؤكد أن الحكم لم ينتقل من قوة إلى أخرى، بل من فراغ إلى
عبث. بذلك يتحوّل النص إلى رمزية مضاعفة: الغابة بلا أسد، أي بلا مركز شرعي، فتسقط
في فوضى يتصدرها السنجاب. هذه الاستراتيجية تجعل القصة أكثر سخرية وعمقًا، وتؤكد
أن الانهيار لا يأتي من صراع القوى فقط، بل من غيابها جميعًا.
قصة "السنجاب يحكم" تمثل ذروة الرمز
السياسي في المجموعة، حيث يعرّي الكاتب عبثية السلطة حين يتولاها من لا يملك
مقوماتها. اختيار "غياب الأسد" يعمق المفارقة ويمنح النص قوة رمزية،
فيحاكي انهيار المجتمعات التي تفقد رموزها وتترك المجال للصغار والمتلاعبين.
القصة الخامسة
· إبراهيمان
القصة تتناول شخصية واحدة في زمنين مختلفين: إبراهيم
الشاب (1985): مفعم بالحلم، بالحب، وبالبدايات.
إبراهيم الكهل (2027): مثقل بالخيبات، بعبء
العمر، وبالذاكرة الممزقة.
الحكاية تقوم على حوار صامت بين الذاتين: الشاب
والكهل، حيث يواجه كل منهما الآخر، ليكشف الفارق بين الطموح والخيبة، الحلم
والواقع، البداية والنهاية.
البؤرة الفكرية: تقوم على
الصراع بين زمنين داخل الذات الواحدة.
"إبراهيمان" ليست شخصين، بل وجهان لنفس الإنسان: ماضيه
الطموح وحاضره المثقل.
الفكرة الجوهرية: هل يبقى الإنسان نفسه مع تغيّر
الزمن، أم أن الزمن يمحو هويته ويتركه شخصًا آخر؟
شاهد: " صوتك
يشبه صوتي لكنه أكثر خشونة، وأنت تشبهني ولكنك كهل وأنا شاب..." ص 57
خلفية النص الأخلاقية: تقوم على
المواجهة مع الذات: الاعتراف بالخيبات بدل إنكارها.
الجانب الأخلاقي ليس وعظيًا، بل وجودي: الإنسان
مسؤول عن اختياراته مهما تغيّرت الظروف.
شاهد: "
.... أنا لم أكن أريد ذلك لكنّك كبّلتني وجعلتني أرسف في قيودك البائسة اللعينة،
فبسببك لم أصنع أسطورتي الخاصة، وتركتُ القدر يعبثُ بأوراقي كريح صرصر، لتنزوي في
عالم الخفاء". ص 62
المستوى اللغوي والجمالي:
اللغة: تمزج بين السرد الواقعي والتأمل الفلسفي.
الجماليات: ثنائية التضاد (الحب/الفقد –
الشباب/الشيخوخة – الأمل/الخذلان).
الرمزية: "إبراهيمان" = رمز للذات
المزدوجة التي يحملها كل إنسان في داخله (ذاكرة الماضي/خيبات الحاضر).
شاهد: " أدركت كم
نحن متشابهان ومختلفان في الآن نفسه، متشابهان بعنادنا وعفويتنا وخيبتنا في انتحال
أقنعتنا، ومختلفان في فلسفتناوزمنينا وقوة اندفاع كل منّا" ص 60
المستوى
الديناميكي
التقنيات:
-
تقنية
الازدواج/المقابلة (شخصية واحدة في زمنين).
-
تقنية الحوار
الداخلي بين الذاتين.
-
التنقل بين
المشهدين الزمنيّين لإبراز المفارقة.
بالنسبة للشخصيات:
إبراهيم الشاب: طموح، عاشق، يمثّل البدايات.
إبراهيم الكهل: منهك، مثقل بالخذلان، يمثّل
النهايات.
الراوي: ينسج اللقاء بين الاثنين.
الحوار: داخلي/ميتاسردي بين الشخصيتين، يكشف
التناقض بين الذاكرة والحاضر.
"- نعم يا صديقي الكذب في زماني هذا فنٌّ مهم جدًا......صار
عليك أن تقنع نفسك بالكذبة التي تهيّئها لتصدّرها للناس، عليك أن تصدّق كذبتك
أولًا.
-اللعنة عليك وعلى زمانك سأشكوك لأبي ليقتص منك
ويؤدّبك، ويجتثّ روحك من دنس زمانك هذا الذي تتباهى به"
المستوى النفسي:
المدخل السلوكي:
سلوك الشاب: الاندفاع والبحث عن المعنى في الحب
والحلم.
سلوك الكهل: الاستسلام للتعب والزمن، والانسحاب
نحو النسيان.
المدخل التقمصي:
القارئ يتقمص ألم الكهل ودهشة الشاب معًا، وكأنه
يعيش ازدواجية "أنا في الماضي" و"أنا في الحاضر".
المدخل التناصي:
-
تناص مع الأدب
الوجودي (كامو، سارتر) في مسألة هوية الذات عبر الزمن.
-
تناص داخلي مع
النصوص التي تستعيد "حوار الأجيال" لكن داخل شخصية واحدة (مثل روايات
عبد الرحمن منيف).
المستوى الإيحائي
-
"إبراهيمان"
ليست فقط عن شاب وكهل، بل عن الإنسان الكوني الذي يشيخ داخله حلمٌ قديم.
-
إيحاء فلسفي:
الزمن لا يغيّر الملامح فقط، بل يخلق "أنا ثانية" داخل الشخص نفسه.
-
إيحاء اجتماعي:
جيل الثمانينيات بأحلامه يقف أمام جيل الحاضر بخيباته.
قصة "إبراهيمان" تُمثّل ذروة البعد
الفلسفي–الزمني في المجموعة. هي ليست قصة حدث بقدر ما هي قصة حوار داخلي مع الزمن.
الكاتب يقدّم شخصيةً منقسمة على نفسها، ويجعل القارئ يواجه السؤال الجوهري:
هل نحن الأشخاص أنفسهم في الماضي والحاضر، أم أن
الزمن يخلق فينا "آخرين"؟
القصة السادسة:
· صرصار إبراهيم
تحكي القصة عن شخصية تُدعى إبراهيم، لكنها
تُقدَّم في صورة صرصار يزحف ويُهمَّش ويُحتقر من الآخرين. النص لا يتحدث عن تحول
جسدي وحسب، بل عن اغتراب اجتماعي–نفسي يجعل الإنسان يعيش كحشرة في نظر مجتمعه.
السرد يكشف كيف يتعامل الآخرون معه: بالسخرية، بالاحتقار، وأحيانًا بالتجاهل. وفي
النهاية، يبقى "صرصار إبراهيم" رمزًا للإنسان الذي أُقصي عن إنسانيته.
البؤرة الأساسية: الاغتراب وفقدان الكرامة
الإنسانية.
إبراهيم/الصرصار ليس مجرد فرد، بل رمز لكل إنسان
تم تهميشه وسُلبت إنسانيته.
النص يطرح سؤالًا: كيف يصبح الإنسان
"صرصارًا" في عيون الآخرين؟ أهو ذنبه أم ذنب المجتمع؟
الخلفية الأخلاقية ناقدة بشدة للمجتمع الذي
يحوّل الآخر المختلف أو الضعيف إلى كائن حقير.
النص يحمل إدانة لآليات الإقصاء والتحقير، ويضع
القارئ أمام مسؤوليته الأخلاقية: كيف نتعامل مع المهمشين؟
المستوى اللغوي والجمالي
اللغة: سردية مباشرة لكن مشبعة بالصور الكابوسية
(الزحف، العتمة، الأقدام).
الرمزية:
الصرصار = رمز للتحقير الاجتماعي.
الاسم "إبراهيم" = ثقل
إنساني/ديني/تاريخي.
الجمع بينهما = مفارقة وجودية مرعبة.
المستوى الديناميكي
التقنيات:
-
تقنية المفارقة
الكبرى (إنسان/صرصار).
-
توظيف السخرية
السوداء.
" يتتبع خطاي مبهورًا
بقامة ظلي وبسريرته المشوّهة وبإحساسه الملوّث صاكًّا أسنانه ومكشّرًا عن وسامة
كبيرة تقوم على ترّهات من تعلّم تقريظ الأحاجي في آذان المعتوهين وبقايا النازيين
.... يحرّضني على أن أدهسه ليفاخر بي الأمم!!" ص 82-83
-
الإيحاء
الكافكاوي، لكن بخصوصية محلية (الاسم العربي).
الشخصيات:
إبراهيم/الصرصار: البطل المقهور.
الآخرون (الجماعة): يمثلون السلطة الاجتماعية
التي تسحق الفرد.
الحوار: محدود، وهو حوار مع الذات أكثر من كونه
مع الآخرين. لكنه صادم حين يصرخ :
" كافكا !! ما هذه الورطة؟ قال ضميري وأنا
أحاول رسم شخصيته المسرحية في مرايا محدبة فيرفض بطبعه المقعّر ذلك الصرصار" ص
82
المستوى النفسي
المدخل السلوكي:
"الصُّرصار يَخرُجُ من المرايا مُنشطرًا كالأميبيا، يملأ
الأزقةَ بجرّارهِ، بعباءته الصّارخة في امتداد الأفق، تَمسخُ ما تبقّى من نوارس
الحُب."
المدخل السلوكي هنا:
1. السلوك الكائناتي (الحشرات كرمز):
الصرصار لا يظهر كحشرة عابرة، بل كسلوك عدواني
يتشظى ويتكاثر بلا توقف. هذا الانشطار الأميبي يكشف عن قوة التكرار الفوضوي، وهو
سلوك يثير القرف والرفض، فيصبح رمزًا لكل ما يتسلل إلى الحياة العامة ويشوّهها.
2. السلوك التوسّعي: جرّ الصرصار لجراره في الأزقة سلوك يرمز إلى
تمدّد القبح والخراب في المجال الاجتماعي. ليس فعلًا فرديًا بل جماعيًا غازيًا،
يعكس سلوكًا طفيليًا يملأ المكان ويزيح الجمال (النوارس).
3. السلوك الماحي: فعل "تمسخ" يبين سلوك المحو والإلغاء؛
فالصورة السلوكية هنا تحوّل الأفق من فضاء للنوارس (رمز الحرية والحب) إلى فراغ
يُمحى فيه النقاء.
4. المستوى الرمزي للسلوك:
الصرصار = رمز الفوضى التي تتكاثر وتتغوّل.
الأميبيا = دلالة على سلوك لا إنساني، متضاعف،
بلا وعي ولا ضابط.
النوارس = رمز للبراءة/الحب، يُمحى بسلوك الغزو الفوضوي.
النص يرسم سلوكيات متناقضة: سلوك عدواني متشظٍ
(الصرصار) يواجه سلوكًا جماليًا حرًا (النوارس). هنا يظهر النص كتحذير من أن
السلوك الفوضوي الطفيلي قادر على إلغاء القيم الجمالية والإنسانية إن لم يُواجَه.
المدخل التقمصي:
القارئ يتقمص شعور القهر واللاجدوى مع غريغور
سامسا، فيرتعش من فكرة أن يتحول الإنسان إلى مجرد صرصار في عيون الآخرين.
المدخل التناصي:
-
تناص مباشر مع
كافكا – المسخ.
-
تناص غير مباشر
مع أدب المهمشين والمقموعين في التراث العربي الحديث (مثل نصوص صنع الله إبراهيم
عن الاغتراب).
المستوى الإيحائي
-
يوحي النص بأن
المجتمع نفسه هو الذي يصنع صراصيره: يحوّل المختلف إلى "مسخ" بنظراته
وأحكامه.
-
إيحاء سياسي:
قد يُقرأ الصرصار كرمز للمواطن المقموع.
-
إيحاء فلسفي:
الإنسان لا يفقد إنسانيته لأنه تغيّر، بل لأن الآخرين قرروا إخراجه من دائرة
الاعتراف.
قصة "صرصار إبراهيم" تعكس البعد
الكابوسي–الوجودي في مجموعة الطوطم والممحاة. هي صدى للتجربة الكافكاوية لكن بصوت
عربي محلي، حيث الاسم "إبراهيم" يُعيد الإنسان إلى جذوره
الدينية–التاريخية، بينما الصرصار يُنزله إلى الحضيض. بين العلو والانحطاط تتأرجح
القصة، لتجعل القارئ يواجه حقيقة مُرعبة: الآخرون قد يسلبون عنك إنسانيتك بجرة
نظرة أو فعل سحق.
التجربة الإبداعية
من خلال هذه المحاور التي قامت عليها القصص
المنتقاة، يثبت القاص إبراهيم أنه:
-
يمارس التجريب
عبر المزج بين الأجناس الأدبية: يدمج بين القصة القصيرة والقصيدة النثرية والخاطرة
الفلسفية.
-
كاتب
رمزي–نفسي: يجعل من الرمز أداةً لفضح الواقع ومن النفس الإنسانية مرآة للقلق
الجمعي.
-
صاحب مشروع
ذاتي–كوني: يوظّف اسمه (إبراهيم) داخل النصوص ليحاور ذاته، لكنه في الوقت نفسه
يحاور القارئ والإنسانية جمعاء.
-
البنية
النفسية: النصوص محمّلة بالقلق، الخوف، الغواية، الوهم، وهي عوالم تُدخل القارئ في
تجربة تقمصية عميقة.
-
منفتح على
التناص الثقافي: يحاور الأسطورة (الطوطم، ألف ليلة وليلة)، الأدب العالمي (تشيخوف،
كافكا، أورويل)، والعربي المعاصر( نزار قباني، إبراهيم الكوني)، والتراث (كليلة
ودمنة).
-
البعد
الأخلاقي: رغم انفتاح النصوص على الرموز، فإنها تحمل رسالة واضحة: الإنسان لا ينجو
بالهروب (المحو) أو بالغواية (الطُّعم) أو بالوهم (الحب الأعمى)، بل بالمواجهة
والوعي.
مجموعة «الطوطم والممحاة» ليست مجرد مجموعة
قصصية، هي مختبر سردي لاختبار حدود القصة القصيرة، وتوسيعها لتشمل:
الرمزية السياسية.
الغواية العاطفية.
التأمل الفلسفي.
الاعتراف الميتاسردي.
الكابوس النفسي.
بالختام:
مجموعة «الطوطم والممحاة» تُعد تجربة لافتة في
القصة القصيرة المعاصرة. نصوصها مفتوحة على التأويل، تتيح للقارئ أن يقرأها
نفسيًا، أسطوريًا، اجتماعيًا، أو حتى سياسيًا. قوتها تكمن في لغتها الأدبية
المنزاحة جماليًّا وبلاغيًّا، ورمزيتها المتعددة الطبقات، وفي قدرتها على إشراك
القارئ في رحلة وجودية وأسئلة مفتوحة لا تُقدّم أجوبة جاهزة بقدر ما تستفزّ الوعي،
بحيث تجعل القارئ شريكًا في عملية البحث عن معنى الوجود والهوية والزمن.
بهذا تتجلّى تجربة إبراهيم مصطفى الحمد كصوت
قصصي معاصر، يمزج المحلي بالكوني، الشخصي بالجماعي، ليكتب سردًا مغايرًا، متعدّد
الأبعاد.
#دعبيرخالديحيي الاسكندرية – مصر 26 سبتمبر 2025
تعليقات
إرسال تعليق