أوجه النزعات الحياتية المتضاربة في رواية بين حياتين للروائية عبير خالد يحيى بقلم داحة حليمة _ المغرب

 


شكلت رواية بين حياتين للروائية عبير خالد يحيى منعطفا روائيًّا جديدًا مليئًا بالنزعة الحياتية المتفرعة إلى دروب وأوجه لا متناهية؛ فكل حدث هو تطلع لحدث آخر, وفي نفس الوقت رجوع إلى ديمومة الذاكرة ,لنجد أنفسنا أمام تضارب هاته النزعات الحياتية بين فينة وأخرى إلى ماض وحاضر وحاضر وماضي . ولقد نجحت الروائية في تعقب هاته النزعات الحياتية المتضاربة في هاته الرواية بدقة متناهية في الوصف معتمدة في ذلك على التخيل الإبداعي الجميل للبوح.

وقد تعددت هاته النزعات إلى مايلي:

.1 نزعة نفسية : يشكل العالم الطفولي البراءة الجياشة وقد تمكنت الشخصية المتخيلة التي تعيش فيها الطفلة من أن تزرع في نفسها عالما متخيلا تحاصر به وحدتها . والدليل على ذلك :"ما ان خرجت حتى سارعت غالية إلى إكمال نقاشها مع عصام شبحها المفترض " صفحة 16.

" عصام أرجوك لا تتركني ولماذا تتركني؟ ماذا فعلت لك؟ بماذا أغضبتك حتى تتركني؟."

" كنت معي منذ وعيت على الدنيا منذ اكثر من ثلاث سنوات " صفحة 17

 

.2 نزعة متجددة: في هاته النزعة نرى أن هاته الشخصية حاولت الانعتاق من عالمها الواقعي من أجل الاندماج في الوسط الواقعي ؛فكان ذلك بدخولها إلى المدرسة لتبدأ مرحلة جديدة من حياتها قاطعة سبل التخيل الذي كانت مهووسة به. مثلا:

تحييها الشخصية المتخيلة بحزن ممزوج برجاء .مثلا : " علي أن أرحل ياغالية فقد آن الرحيل بقائي معك لا يجدي نفعًا ؛ ستدخلين المدرسة وتتعرفين على أصدقاء جدد ؛ تنشغلين معهم وبالدراسة " صفحة 26.

 

3 .نزعة وداع : شكّلت نزعة الوداع التي آلت بفراق غالية وشخصيتها الخيالية حزنًا عميقًا في نرجسيتها مما ولد لها الكثير من الكآبة والحزن مثلا: " تقلب مزاجها كثيرًا ؛ فقدت مرحها بعد أن كانت مندلقة في كل نشاطاتها الحيوية وقل ذلك النشاط وكأنه رحل مع عصام وقلت شقاوتها." صفحة 31صفحة 32.

 

.4نزعة المحبة الجياشة:

اتسمت هاته النزعة بدخول شخصية جديدة في حياة هاته العائلة غيّرت دروب الانعزال التي كانت تعيش فيه هاته الشخصية وهي ولادة أخت لها .مثال :" جاءت ولادة الطفلة علامة فارقة في فراغ حدث في حياة غالية ؛ وهو الذي أحدث تغييرًا جوهريًّا في شخصيتها".صفحة 43

 

5.نزعة الشوق والحنين للماضي:

خلال العطلة المدرسية انتابت شخصية غالية شعور بظهور شخصيتها المتخيلة وبكون بما أنها في أيام راحة فلا شيء يشغلها عنها . فكانت منتظرة مترقبة .مثال : " انتظرت غالية أن يتكرر ظهور عصام في الأيام الموالية ؛ سيما وأنها أيام عطلة صيف وراحة ؛ ولا حجة له في عدم الحضور ؛ فليس ثمة درس يخاف ان يلهيها عنه" . صفحة : 58

 

6. نزعة مختلطة : في هاته النزعة نجد تضارب اسمين في حياة الشخصية: اسم سماها لها أبوها واسم سمته لها جدتها التي كانت متيمة بها لتجد نفسها بين اسمين من مصراعين مختلفين. مما أدى إلى تشابك الاسم : مثال : " عندما ذهبت إلى الروضة اكتشفت أن لي اسمين الأول الذي ينادونني به وهو الاسم الذي أختارته لي جدتي عندما ولدتني أمي حين كان أبي غائبًا في سفر طويل عاد منه بعد حوالي ثلاثة أشهر من قدومي إلى الحياة ". صفحة 74.

 

.7 نزعة تغيير المصير : دخول الشخصية حياة جديدة وهي القفص الذهبي والزواج آمنة بتغيير المصير . مثال : " جرت سنة الحياة على غالية وهي تمن عليها بنعمة الحب التي لم تزر قلوب كل البشر ". صفحة 83.

 

.8 نزعة الفرح : اتسمت هاته النزعة بقدوم أمل مشرق يدخل على شخصية غالية وهي الحمل .

لانتهاء من ألم كان يحاصرها نتيجة معاملة أم الزوج لها.

مثال : " بدأت بوادر الحمل المبكرة عند غالية بعد أشهر قليلة من الزواج ما كان سببًا في بتر البت في أمر الطلاق ؛ إضافة إلى النتائج الموضوعية والاجتماعية المترتبة على هذا الأمر . كان شرطها الوحيد الذي لم تتنازل عنه هو أن يؤجر لها مصطفى بيتًا في مدينتها طرطوس بعيدًا عن أمه وإجرامها". صفحة 98.

 

.9 نزعة الفقدان : في هاته النزعة نرى خوف غالية على أمها من فقدانها . مثال : " كان الموت مؤدبا أرسل الحلم مستأذنًا بقبض روح أم غالية غروب ذلك اليوم توفيت الأم في شهر آب من العام 2000م صفحة : 112.

 

.10  نزعة إثبات الذات رغم التعثرات : في هاته النزعة نجد إصرار هاته الشخصية على المقاومة وإثبات الذات خلال كل المصائب والمشاكل التي مرت في حياتها .

مثال: " أتقنت غالية كتابة النصوص الرمزية ؛ كما أتقنت كتابة النصوص شبه المغلقة التي قد تضع فيها مفتاحًا واحدًا مخفيًا تحت ثلة كبيرة من المعاني " . صفحة : 200.

 

من هنا يمكن القول أن رواية بين حياتين للروائية عبير خالد يحيى رسمت دروبًا لنزعات لا حصر لها ؛ الدافع من وراءها هو كشف خبايا النزعات الإنسانية وإصرارها على البلوغ رغم التحديات والمشاكل التي تعترض حياتها لتكون النهاية هي الأمل في التغيير, وتجاوز كل مافات ليصبح الماضي والحاضر شيء مشرق وقابل للبعث من جديد, بروح مشرقة تؤمن بأن لاشيء مستحيل إذا كان الهدف هو الطريق الأسمى للوصول

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الذرائعية العربية واشتراح المصطلح رواية (رحيل السومري الأخير) للأديب والمنظر عبد الرزاق عوده الغالبي إنموذجًا دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحمودية / للأديب المصري منير عتيبة دراسة ذرائعية تقنية بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم غضبٌ إنساني يدلقه قلم الأديب محمد إقبال حرب في روايته / العرافة ذات المنقار الأسود/ تعضيد نقدي ذرائعي بقلم الناقدة الذرائعية د.عبير خالد يحيي