كراكيب

 



وكأن كلّ ما حولي شنّ هجومًا على حولي، فأحالني إلى حالي، أفكّر في أحوالي، لعّلي أرتّب حالي، البعثرة التي أعيش في وسطها تسألني في حيرة هل تعجبك هذه الفوضى ؟! أبتسم بخبث، أكذب إن قلت أنها لا تروق لي، لكن اللباقة تقتضي أن أقول أنها تزعجني، وأنا بين الكذب واللباقة أترنّح، أخدر بمرآها تستثيرني ولا أعبأ بها، وأُستفَز باستجابتي لواجب التوضيب، ليتها طوع أمري, تسعدني باستعراضها وتأتمر بأمري عندما أملّها ... ليتها..

أنا من كانت ترتّب الأشياء بدقة، تبتعد قليلًا ثم تنظر إليها وكأنها تحضّرها لالتقاط صورة، وتعود لتعديل ما شذّ منها عن منطق الأناقة، وكذا كنت في ترتيب الأولويات، تسلسل هرمي لا يقبل التجاوز، الأهم فالمهم .

كل شيء أرتّب له في ذهني أولًا، هذا الذهن الذي حاك الكثير من الخطط, وأعدّ الكثير من التصميمات خلال فترات حياتي السابقة ...

الآن التغيّر الذي أصابني شعر به جميع من حولي، بت أحتمل الفوضى، بل وأسعد بها, أنظر إليها بانتصار وكأني كنت معها في حرب ضروس غلبتني فراضيت نفسي وأوهمتها أنني مَن مكّنتها مني، أحيانًا أسأل نفسي ما الذي تغيّر ؟ هل كبرت بالسن فأحببت أحاطة كراكيبي بي وكأني في احتفالية ؟.

قرأت مرة كتابًا _نسيت اسمه_ يبدو أن الفوضى احتلت ذاكرتي أيضًا، فحواه : إن الأشياء التي يمضي عليها أكثر من سنتين دون أن نستخدمها هي في الحقيقة كراكيب علينا التخلّص منها ! وجودها في حياتنا مهملة دون استخدام يعني أننا لسنا بحاجة إليها وإمكانية استغنائنا عنها لمدة عامين يعني أننا يمكننا الاستغناء عنها إلى الأبد!

عندما قرأت هذا الكتاب بادرت فورًا إلى فرز أشيائي من ملابس وأدوات  ومستلزمات خاصة، فرزتها حسب مدة إقامتها في خزانتي مركونة لا دور لها سوى احتلال مواقع والتمركز فيها بسلام، وضّبتها وقمت بتوزيعها لإنقاذها من تهمة الكركبة ...

تعوّدت أن أسقط تجاربي الحياتية على حالاتي الوجدانية, وعندما قمت بذلك صعقت ! آرائي القديمة المختبئة في حشايا الدماغ والذاكرة والتي ما عدت أتناولها، هل أصبحت كراكيب ؟!!!

 

 

 

 

 

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الفلسفة الذرائعية العربية واشتراح المصطلح رواية (رحيل السومري الأخير) للأديب والمنظر عبد الرزاق عوده الغالبي إنموذجًا دراسة ذرائعية مستقطعة بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي

أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحمودية / للأديب المصري منير عتيبة دراسة ذرائعية تقنية بقلم الناقدة السورية د. عبير خالد يحيي

حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم غضبٌ إنساني يدلقه قلم الأديب محمد إقبال حرب في روايته / العرافة ذات المنقار الأسود/ تعضيد نقدي ذرائعي بقلم الناقدة الذرائعية د.عبير خالد يحيي